ماذا سيخسر الأردن لو استجاب لمذكرة مجلس النواب، وللتظاهرات والاحتجاجية التي تطالب بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، وسحب سفيرنا الأردني من تل أبيب؟
للأسف لم تفعل الحكومة ذلك، وتجاهلت الرأي العام الضاغط بهذا الاتجاه، رغم أن القرار لو اتخذ فإنه سيزيد عزلة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وهو ما تريده عمان وتسعى له، ولا كلفة سياسية له عند إدارة الرئيس الأميركي بايدن غير المغرمة بنتنياهو أيضا، وكذلك الأمر عند الاتحاد الأوروبي.
طرد السفير الإسرائيلي إجراء سياسي يستجيب لرغبة شعبية أولا، وثانيا عقاب لإسرائيل على عدوانها وسياساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، وأخيرا دفاعا عن الوصاية الهاشمية في القدس التي تعبث بها الحكومة الإسرائيلية، ولا تقيم لها اعتبارا.
أعلن وقف إطلاق النار بعد 11 يوما على العدوان، والأردن لم يكن طرفا مباشرا في المفاوضات والوساطات لإنجازه، فهذه المهمة كانت بيد الوسيط المصري الذي عزز موقعه الإقليمي، واستعاد قوته ومكانته، وتشاركه فيها دولة قطر المستضيف والأقرب لقيادات حماس، وبشكل أو بآخر اتصالات وتدخلات بعيدة عن الأضواء لتركيا وإيران بحكم أيضا علاقاتهما المتميزة مع حماس.
الأردن صاحب المصلحة الأكبر في استعادة القضية الفلسطينية لزخمها السياسي والدبلوماسي، وصاحب المصلحة المباشرة في وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية في القدس وكل الأراضي الفلسطينية كان حضوره في المشهد السياسي محدودا، باستثناء جهود دبلوماسية ومواقف واضحة وقوية، وهذا يدفعنا للتساؤل لماذا لم تفتح حكومتنا قنوات اتصال علنية مع حماس، ولماذا لم توجه دعوة لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية لزيارة الأردن، أو أن يذهب وزير خارجيتنا أيمن الصفدي برفقة مدير المخابرات للاجتماع مع هنية وخالد مشعل وموسى أبو مرزوق وعزت الرشق في الدوحة، وكلهم يحبون الأردن ويحتفظون له بالود والمكانة الخاصة؟!
أضاع الأردن فرصة لتنويع خياراته الدبلوماسية في التعامل مع الأزمة أثناء العدوان الإسرائيلي، وكذلك كانت لحظة فارقة للتناغم مع المطالب الشعبية، وخطوة مهمة لإعطاء قوة وشرعية للبرلمان، بدلا من تهميشه، وحرقه وتجاهله، ومناسبة للانفتاح على عواصم مثل طهران وأنقرة، وتمتين العلاقات مع الدوحة، وفتح الأبواب مجددا لحركة حماس بعد أن أصبحت السلطة الفلسطينية خارج الحسابات، والتأثير، والفعل السياسي.
تاريخيا يحتفظ الأردن بأفضل العلاقات مع “فلسطينيي الداخل”، والعديد من القيادات العربية سواء الأعضاء في “الكنيست” أو رؤساء البلدات العربية تعتبر عمان محطة مهمة عندهم و”ظهرا” وسندا لهم، ولا أدري أيضا ماذا كان يمنع من التواصل معهم بشكل عاجل، أو أن يتم اللقاء بهم وبحث تفاصيل الخروقات الإسرائيلية في القدس، والمدن العربية مثل اللد وأم الفحم وحيفا وغيرها، ففلسطينيو الداخل الخاصرة الرخوة للاحتلال الإسرائيلي والقنبلة الموقوتة التي ترعبها، والتحرك الأردني في هذا الملف يعطيه قوة لا يملكها أحد غيره، ومع ذلك سكتنا وامتنعنا عن القيام بهذا التحرك؟
وقف إطلاق النار ليس نهاية المعركة، فإسرائيل لن تتوقف عن سياساتها الاحتلالية العنصرية، وعلى الأردن أن يكون لها بالمرصاد دعما للفلسطينيين ولمصالحه، وربما حان الوقت لقطف ثمار التعاطف الدولي غير المسبوق مع فلسطين، فالعالم لم يعد يستطيع السكوت عن الجرائم الإسرائيلية، وتقرير هيومن رايتس ووتش الأخير الذي يبرهن أن إسرائيل كيان فصل عنصري ورقة رابحة يجب استخدامها، بالإضافة الى أن الإدارة الأميركية الجديدة لا تتبنى نفس المقاربات السياسية التي رفضها الأردن إبان حكم الرئيس ترامب وعرفت بصفقة القرن.
خلاصة القول: أثبتت انتفاضة القدس والعدوان على غزة أن الفلسطينيين وحدهم من يقررون مصيرهم، ولا تستطيع أي دولة في العالم أن تصادر حقهم، وتفرض الحلول عليهم، وأي مصالحات، أو تطبيع دون مشاركتهم لا قيمة له مهما طبل له، ما دامت الإرادة الفلسطينية قادرة على المواجهة والصمود.
إسرائيل آخر دولة احتلال في العالم، ومهما طال الزمن فالاحتلال سيرحل، والأحداث الأخيرة أظهرت أن الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج لم تنس فلسطين، ولن تفرط بالقدس، ومن يحاول المتاجرة بها، أو القفز عنها سيسقط وتكسر رقبته.
كانت تسمى فلسطين وصارت تسمى فلسطين.
(الغد الأردنية)