المعجزة فلسطينية

بداية أقر أنني منحاز للجانب الفلسطيني انحيازا مطلقا، ومعجب بأدنى شيء يصدر عن أهلنا هناك، لكنه انحياز وإعجاب بصاحب الحق والمبدأ، وانحياز للمقهور في أرضه رغم أصالته عليها، وهو انحياز لا ينافي الموضوعية كذلك والالتزام بالمبادئ أو الإطار العلمي في تقييم الأمور، كما أنه انحياز لا يُقارَن أبدا بالوضاعة الغربية في انحيازها إلى الجسم السرطاني الخبيث الذي زرعوه بيننا منذ قرن تقريبا، ورغم جريمتهم الكبرى بتسهيل اغتصاب أرضنا، فإنهم لم يحاولوا ولو للحظة في تخفيف الجريمة ودعم منح السكان الأصليين بعض حقوقهم.

تُعرّف المعجزة بأنها "أمر خارق للعادة"، فهي أمر يحدث على غير عادة الأمور، كتعرّض المرء للنار دون أن تحرقه، والإعجاز هنا منطبق على الوضع الفلسطيني، الأمر الذي يذكّر بكلمة الراحل ياسر عرفات "إحنا شعب الجبارين"، وهو وصف أصاب فيه الراحل، رغم أخطائه في حق "الجبارين"، وأكبرها خطيئة أوسلو والتنسيق الأمني الذي تحول مع مرور الوقت إلى عمالة أمنية.

الإعجاز الفلسطيني لم يعد في مجرد الثبات أمام آلة القتل الصهيونية الهمجية والممتلئة بالغِلّ والكراهية، بل تجاوَزَها في سعيه الدؤوب والناجح أيضا في تثبيت المعادلات على الأرض، والحفاظ على الوضع القائم بعدما كانت الأرض كلها مرتعا للمحتلين الغاصبين، ولا يمكن نسيان هبّتَيْ باب الأسباط ومن بعدها باب الرحمة في القدس الشريف، وقد أدت الأولى منهما إلى إرسال رسالة واضحة لكل الأطراف بأن ما تُسمى بـ"صفقة القرن" لا محل لها في القاموس الفلسطيني، وأن تواطؤ الدنيا كلها على القضية لا يعني قبول الفلسطينيين بالقرارات الظالمة، بل سيقفون وحدهم لانتزاع حقوقهم، وقد أصبح مصير تلك العملية ثلاجة الموتى بفعل هبّة المقدسيين إزاء وضع بوابات إلكترونية فقط، فكيف سيتحركون إذا كان الحدث متعلقا بتضييع القدس والأقصى؟

الإعجاز الفلسطيني لم يعد في مجرد الثبات أمام آلة القتل الصهيونية الهمجية والممتلئة بالغِلّ والكراهية، بل تجاوَزَها في سعيه الدؤوب والناجح أيضا في تثبيت المعادلات على الأرض، والحفاظ على الوضع القائم بعدما كانت الأرض كلها مرتعا للمحتلين الغاصبين،

كذلك نجد أن أحد أهم صور الإعجاز الفلسطيني، هو تطوير وسائل ردع العدو الصهيوني رغم الحصار الخانق من القريب قبل العدو، وهو الإعجاز الذي بلغت به المقاومة الفلسطينية القلب الفاسد لدولة الاحتلال والكراهية، الأمر الذي جعل مشاعر الفخر والاعتزاز تفوق مشاعر الخوف والمرارة لفقد الشهداء، رغم جلالة المصيبة في كل شهيد يرتقي من العدوان الحاقد.

تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كم مربعا تقريبا، وتحاصره دولة الاحتلال من الشرق والشمال كما تحاصره من البحر غربا، ويحاصره نظام السيسي من الجنوب الغربي، وهذا الحصار خانق للغاية، فهو يتحكم في مصادر الغذاء والدواء ومواد البناء، وفوق كل ذلك يتحكم في حركة الأفراد من وإلى القطاع، وعندما حاول الفلسطينيون تجاوز هذا الحصار بالأنفاق، قام السيسي بتهجير أهالي رفح المصرية، وأغرق الأنفاق ليزيد من معاناة أبناء الأرض المحتلة.

هذه هي الأحوال في قطاع العِزّة والكرامة، وقد قام المقاومون من أبناء فلسطين بالتغلب على المعوقات ليقهروا الظروف وليستعدوا لصد أي عدوان، وهي معوقات ليست هيّنة، أمام إنجاز ليس هيّنا كذلك، لكن "شعب الجبارين" بأبسط الإمكانيات والقدرات، يتمكن من إحداث اختراقات هامة، لتتراكم هذه الاختراقات مع الزمن فنرى الإنجاز والإعجاز الحالييْن.

وقف المقاومون في غزة والمتظاهرون في سائر مدن الداخل الفلسطيني المحتل في وجه آلة القتل الصهيونية، وأدت هذه الانتفاضة الشاملة إلى الآتي، بحسب موقع الجزيرة نت نقلا عن مصادر رسمية لدولة الاحتلال: "تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الخسائر التي تكبدتها الجبهة الداخلية والقطاع الخاص والعام، والأضرار بالممتلكات الخاصة العامة والناجمة عن الحملة العسكرية "حارس الأسوار" ستكون أضعاف الخسائر التي تكبدها الاقتصاد خلال عملية "الرصاص المصبوب" عام 2014 التي امتدت على 51 يوما من القتال. وركز الإحصاء الأولي لسلطة الضريبة على الخسائر خلال الأربعة أيام الأولى من القتال.

وبحسب إحصاء سلطة الضرائب، بلغت الأضرار الناجمة عن عملية "حارس الأسوار" 33 مليون دولار لحقت بالممتلكات الخاصة للمستوطنين، ونحو 20 مليونا أخرى للممتلكات العامة، بينما تكلفة العملية العسكرية والقتال لجيش الاحتلال بلغت خلال 4 أيام 500 مليون دولار، وهي تتزايد بمعدل مرتفع كل يوم من أيام القتال، وهذه المبالغ لا تشمل تكاليف الغارات والقصف.

من جانبها، رصدت صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الخسائر والأضرار الأولية والشلل التجاري والاقتصادي والتعليمي الذي ضرب إسرائيل، إذ قدرت خسائر سوق المال والبورصة في تل أبيب بحوالي 28%، وقد توقف 30% من المصانع والورش في مستوطنات "غلاف غزة" عن العمل بشكل كلي، في وقت توقفت 17% من المصانع في باقي المناطق جنوبي إسرائيل ومنطقة تل أبيب عن العمل بشكل جزئي، كما عطلت الدراسة في 70% من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية. 

وأوضحت الصحيفة ـ في إشارة منها إلى الأضرار غير المباشرة التي لا يمكن جردها إلا بعد انتهاء الحرب والتداعيات المرتقبة على الاقتصاد الإسرائيلي ـ تعليق الطيران في مطاري "بن غوريون" في اللد و"رامون" في أم الرشراش (إيلات) مما دفع بالشركات العالمية إلى إلغاء آلاف الرزم السياحية التي كانت مقررة للفنادق الإسرائيلية في مايو/أيار الجاري. 

وتطرقت إلى الخسائر في قطاع الطاقة الناجمة عن استهداف منشآت الطاقة جنوبي إسرائيل، وتعليق العمل في حقل "تمار" للغاز الطبيعي قبالة سواحل حيفا والذي تقدر احتياطاته من الغاز بنحو 300 مليار متر مكعب، بقرار من وزير الطاقة".

هذه المعطيات هي الحقيقة في زمن التزييف والبهتان، وهذه المعطيات هي التي تؤكد قوة صاحب الحق والأرض في وجه مغتصبه، وهذه المعطيات هي التي سمحت لنا بأن نقول هناك معجزة تجري في فلسطين المحتلة.

https://twitter.com/sharifayman86