أعادت جولة المواجهات الحالية مع العدو الصهيوني
القضية الفلسطينية مجددا إلى الواجهة، بعدما توهم البعض أنها ذهبت أدراج الرياح، جراء
هرولة دول عربية إلى التطبيع مع دولة الاحتلال خلال الفترة الماضية.
الجولة الحالية من المواجهات جاءت في أعقاب
تطورات متلاحقة على الأرض خلال شهر، بدأت بالمقاومة السلمية للفلسطينيين ضد محاولات
طردهم من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، ثم انتهاكات العدو الصهيوني واقتحاماته
المتكررة للمسجد الأقصى المبارك، وأخيرا العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، والذي
أسفر عن سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
صحيح أن هناك جولات سابقة من المواجهات، جرت
بين فصائل المقاومة وقوات العدو الصهيوني، إلا أن الجولة الحالية بدت مختلفة إلى حد
كبير، وحملت تطورات غاية في الأهمية، ربما تكون لها انعكاساتها المستقبلية على خريطة
الصراع القائم منذ منتصف القرن الماضي.
أهم ما يميز الجولة الحالية من المواجهات في
الأراضي الفلسطينية المحتلة، هو شعور الإسرائيليين بالألم كما لم يشعروا به سابقا،
جراء تطور القدرات العسكرية الصاروخية لفصائل المقاومة، والتي أصبحت أبعد مدى وأكثر
دقة وأقوى تأثيرا.. فمن كان يتصور أن المطارات الإسرائيلية تصبح تحت رحمة صواريخ المقاومة؟
ومن كان يتصور كذلك أن يؤكد مصدر مسئول بوزارة الدفاع الأمريكية، في تصريحات لـCNN، أن الجيش الأمريكي سحب 120 فردا من عناصره العسكريين والمدنيين من
إسرائيل، بسبب تصاعد المواجهات وعدم قدرة الطائرات التجارية على الطيران داخل وخارج
إسرائيل؟ من كان يتصور أيضا أن يعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعدم
قدرة القبة الحديدية على إسقاط صواريخ المقاومة بنسبة 100٪، وأن «الأمر سيطول»، في
إشارة إلى المواجهة بين جيش الاحتلال والفصائل الفلسطينية في غزة؟
ربما لا يكون هذا الألم بحجم الألم والوجع
والخراب الذي تسببه آلة الحرب والدمار الصهيونية في قطاع غزة، حيث لا توجد معايير أخلاقية
أو قيود دولية تضبط عملها، مما ينتج عنه دائما خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات،
إلا أن الألم الذي يشعر به الإسرائيليون حاليا، وسقوط الصواريخ فوق منازلهم وشوارعهم،
واضطرارهم إلى النزول للمخابئ والملاجئ لوقت طويل، كفيل بأن يحقق ولو جزءا بسيطا مما
يسميه الخبراء والمحللون العسكريون بـ«توازن الرعب»، الذي يدفع الاحتلال إلى التفكير
ألف مرة قبل الإقدام على أي مغامرة ضد الفلسطينيين في المستقبل.
ما يميز هذه الجولة كذلك ويجعلها مختلفة، هو
رد الفعل الرسمي العربي، الذي بدا أكثر نضوجا ووضوحا في إدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي
بحق الفلسطينيين، ولم ينجر إلى مستنقع توجيه الانتقادات لفصائل المقاومة كما كان يحدث
في جولات المواجهة الماضية، بل إن الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع العدو الصهيوني،
لم تستطع تجاهل ما يحدث على الأرض، وأصدرت بيانات إدانة لممارسات دولة الاحتلال ضد
الشعب الفلسطيني، وهو ما لم يفعله عدد من المثقفين العرب من التيار الليبرالي، الذين
وجهوا انتقادات صريحة لفصائل المقاومة على إطلاقها الصواريخ تجاه إسرائيل، تحت زعم
أنها ستفقد الفلسطينيون الدعم والمساندة الغربية!
أيضا تضامن مختلف فئات الشعب الفلسطيني ضد
العدوان الإسرائيلي، وتحديدا عرب ٤٨ الذين انتفضوا دفاعا عن القدس المحتلة وعن أشقائهم
في قطاع غزة، كان أبرز ما مميز الجولة الحالية من المواجهات، إذ اكتشف الكيان الصهيوني
أن محاولاته الحثيثة على مدى العقود الماضية، والتي كانت تستهدف تغيير هويتهم وانتمائهم
ووعيهم، قد فشلت فشلا ذريعا مع أول اختبار حقيقي على الأرض، وأنهم كانوا وسيظلون فلسطينيي
الهوى والهوية.
أخيرا أن هذه المواجهة الحالية ستنتهي حتما
في المدى القريب، لكنها ستترك دروسا علينا الاستفادة منها، وأهمها أن من سيحرر الأرض
الفلسطينية من الاحتلال الصهيوني هم الفلسطينيون أنفسهم، حال انتهاء انقسامهم وتوحدهم
تحت راية واحدة تجمعهم.
(الشروق المصرية)