الكتاب: الهجرة الدولية في المنطقة العربية:سياسات و إجراءات الاتحاد الأوروبي تجاه اللجوء
الكاتب: د.محمد أكرم القش ود.حسن طلال مقلد
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، الطبعة الأولى 2021.
(319 صفحة من القطع الكبير).
مع نهاية الحرب الباردة، وانهيار المنظومة الاشتراكية، وانتصار العولمة الرأسمالية الليبرالية على مستوى كونيّ مع بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، ازدادت ظاهرة الهجرة من البلدان النامية والفقيرة في عالم الجنوب إلى الدول الأوروبية والأمريكية الشمالية. وأثار الخبراء والمحللون التساؤل حول ظاهرة الهجرة وعلاقتها بظاهرة العولمة، ونبع هذا التساؤل من أنَّ آراء كثيرة من الدول النامية ترى أنَّ العولمة قد شملت تحولاً كبيرًا في التكنولوجيا، وكذلك زيادة غير مسبوقة في حجم التجارة الدولية، وقد أحدث هذان التطوران حركة ضخمة لدوران رأس المال وحركة انتقاله عبر الحدود. ولكنَّ هذه التطورات لم يُجَارِيهَا تطور مشابه في حرية انتقال اليد العاملة، بل يرى البعض أن ما نشهده الآن من تشريعات في الدول المتقدمة يهدف إلى الحدِّ من حرّية انتقال اليد العاملة، واعتماد مبدأ الانتقائية، حيث يجري التركيز على استقدام اليد العاملة الماهرة والكفاءات ذات التخصصات الدقيقة.
تعدّ الحركة السكانية جزءاً لا يتجزأ من التاريخ البشري وعاملاً من العوامل المحددة له، وتنطوي في الغالب على دور ملحوظ في المساهمة المباشرة وغير المباشرة في التنمية، وهذا ما أكَّدته مقاصد وغايات التنمية المستدامة من خلال الدعوة لحماية الحقوق العمالية للعمال المهاجرين، ومكافحة شبكات الإتجار بالبشر، وتعزيز الهجرة وحرية الانتقال بصورة مقننة.
وقد تكون الهجرة في بعض الأحيان اضطرارية تنجم عن الإكراه أو العنف أو بفعل ضغط العوامل السياسية. كذلك ينتقل الناس هربا من الأزمات ومن عوامل عديدة مختلفة، حيث يشهد المجتمع الدولي حالياً فيضاناً من المهاجرين من الدول التي تعاني أزمات، مع بلوغ عدد الأشخاص النازحين قسرياً في العالم مستوى أعلى مما كانَ عليه في أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين، نزح ـ مع نهاية عام 2014 ـ 59.5 مليون فرد داخلياً نتيجة للاضطهاد أو النزاع أو العنف المعمم أو انتهاكات حقوق الإنسان. واستمر هذا الاتجاه، وربما ازداد حدة، في 2015، مع وفود أعداد هائلة من اللاجئين والمهاجرين بصورة استثنائية إلى أوروبا، غالبيتهم من المنطقة العربية.
في هذا الكتاب الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: "الهجرة الدولية في المنطقة العربية" ـ سياسات وإجراءات الاتحاد الأوروبي تجاه اللجوء ـ للكاتبين الدكتور محمد أكرم القش، والدكتور حسين طلال مقلد، والصادر حديثا عن الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق 2021، والمتكون من مقدمة وخمسة مباحث كبيرة، واستنتاجات ختامية، يركز فيه الكاتبان على أهمية القيم في سياسات الاتحاد الأوروبي، ومدى محافظة الاتحاد على هذه القيم والدفاع عنها.
ووفقاً لفرضية الدراسة، لاحظ المؤلفان أنّه على الرغم من تمتع الاتحاد الأوروبي كمنظمة والدول الأعضاء فيه بمنظومة قانونية قومية وفوق قومية تؤكد حقوق اللاجئين، وتتوافق مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بهم، ولاسيما اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين 1951 وبروتوكول 1967، فإنَّ الاتفاقية تعترف بحق اللجوء، ولكنها لم تفرض على أي دولة التزامات لقبول اللاجئين، فوصول طالب اللجوء إلى حدود الدولة بهدف طلب اللجوء يعني مباشرة أنه محمي ولا يجوز ترحيله إلى دولته "مبدأ عدم الترحيل القسري للمهاجرين إلى دول المصدرnon refoulement ، وهو مضمون من خلال الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1933 .
يقول الكاتبان محمد أكرم القش وحسين طلال مقلد في المقدمة: "بدوره يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة متفاقمة نتجت عن الصراع الكامن والعلني بين مؤسسات الاتحاد (البرلمان، المفوضية، محكمة العدل الأوروبية، المجلس) وبين الدول الأعضاء التي تتمسك بسيادتها القومية في مواجهة السياسات ما فوق القومية للاتحاد، وتدعم التوجه المناقض للتوجه الليبرالي المتبنى من قبل مؤسسات الاتحاد. ويظهر ذلك من خلال أزمة الهجرة واللجوء لأنَّ هذه المسألة تتصل بحقوق الإنسان، من جهة، وتشكل خطراً على دول الاتحاد الأوروبي مع تفاقم أعداد المهاجرين أو طالبي اللجوء إليها"(ص6).
إشكالية الدراسة
تتمثل الإشكالية في أنّ معظم دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته تحاول إيجاد نوع من التوازن بين (الرغبة في منع الهجرة غير الشرعية وتقييدها، وطلبات اللجوء السياسي إليها) وبين (احترام قيم حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين واللاجئين السياسيين). وفي سبيل ذلك، تتراوح سياسات دول الاتحاد الأوربي بين عدة مداخل يمكن تصنيفها في مدخلين أساسيين، هما المدخل الواقعي، والمدخل الليبرالي.
فالمدخل الواقعي يركز على مسألة التحكم بالحدود الخارجية، وعلى فكرة سيادة الدولة، ووفقاً لهذا المدخل ليس هنالك تمييز بين التحركات العابرة للحدود، سواء أكانت هجرة غير شرعية أم لجوءاً سياسياً أم إنسانياً أم طلباً للحماية. فالكل سواء في كونهم مواطنين من الدولة الثالثة ويجب التحكّم في دخولهم إلى الأراضي الأوروبية، " من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي".
أما المدخل الليبرالي، فيتبع منظوراً إنسانياً يركز على الأفراد، ويعلي من قيمة حقوق الإنسان، أي أن يتمتع اللاجئ بحقه في الحصول على الحماية والدخول في إجراءات حماية اللاجئين.
من هنا تتمثل الإشكالية في الموقف الأوروبي في أن التركيز الشديد على الليبرالية قد يؤدّي إلى تقويض سيادة الدولة، أمّا التركيز على السيطرة والتحكم في الحدود وفقاً للنظرية الواقعية فقد يقوّض حقوق الإنسان العالمية ومبدأ حرية الحركة. ومازالت أوروبا منقسمة بين الحاجة إلى احترام حقوق الإنسان وبين الحاجة إلى تقليل عدد المهاجرين غير الشرعيين الداخلين إليها".
وقد أدت زيادة تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد النموذج الأمني وجعله في مقدمة الأولويات. ورغم أن تركيز البرلمان الأوروبي القوي على القيم والمبادئ هو من الناحية النظرية شيء جيد، فإنَّ عدم اقترانه باتخاذ قرارات تنفيذية في العالم الواقعي يجعله عمليا.
يقول الكاتبان محمد أكرم القش وحسين طلال مقلد: "هل استطاع الاتحاد الأوروبي الالتزام بقيمه في التعامل مع مسألة اللاجئين أم أنه وقع في معضلة الفكر الواقعي الذي يركز على مسألة الأمن والمعضلة الأمنية أكثر من تركيزه على القيم والمبادئ؟
وينبثق عن هذا التساؤل عدد من الأسئلة الفرعية وهي:
1 ـ هل تنتمي الانطباع والمبادئ والقيم إلى ذلك البعد الناعم للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي؟
2 ـ هل تنتمي القيم والمبادئ إلى تلك المادة التي تخلق سياسة راقية أم أنها من ذلك المخزن الذي يحرّف الحقائق؟
3 ـ هل نتعامل مع بضاعة ترف (قيم ومبادئ) من المحتمل أن نتخلى عنها عندما تهب رياح الخطر على المصالح الأوروبية والوطنية؟
4 ـ ما علاقة البعد الأخلاقي للسياسة الخارجية بالأبعاد الأخرى؟
إن هذه القضايا وسواها تثير أسئلة تدعو إلى كثير من التأمل. ومن هنا برز جدول أعمال البحث الراهن بخصوص ترويج أفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان وعلم الأخلاق والقوة الأخلاقية والقيم والسلوك المبدئي، ومدى مصداقية هذه الشعارات التي تم طرحها من قبل الدول الأعضاء والاتحاد.
انطلاقاً من سؤال الدراسة تمت صياغة الفرضيتين التاليتين:
الفرضية الأولى: المنظومة القيمية في المجتمعات الأوروبية تؤدي دوراً كبيراً في تحديد موقف الاتحاد الأوروبي من أزمة اللجوء بشكل عام واللجوء السوري بشكل خاص، وبالتالي يتبنى الاتحاد الأوروبي النظرية الليبرالية المستندة إلى حقوق الإنسان.
الفرضية الثانية: فشلت دول الاتحاد الأوروبي في إيقاف التزايد المحموم في عدد القتلى والغرقى ضمن البحر الأبيض المتوسط بسبب تبنيها المدخل الواقعي تجاه حركة الهجرة عموماً، واللجوء خصوصاً"( ص ص 10 ـ 11).
الهجرة الدولية في المنطقة العربية
تُقَدِّرُ منظمة العمل الدولية أنَّ حركة انتقال العمالة عبر الحدود شملت ما يزيد على 10 ملايين شخص سنويًاخلال العقد الماضي من القرن العشرين، ويتم الجزء الأكبر من الهجرة عمومًا بين الدول النامية وبعضها بعضًا. فقد بلغت نسبة المهاجرين للعمل من الدول كثيفة السكان في المنطقة العربية إلى الدول المنتجة للنفط حوالي 10 ملايين شخص عقب الفورة النفطية في السبعينيات من القرن الماضي ، وكانت تمثّل حوالي 10- 15% من اليد العاملة في الدول المرسلة. ولكنَّ إذا نظرنا إلى حركة الهجرة في المنطقة حاليًا، فسنجد أنّ 50% من انتقال العمالة يتجه إلى أوروبا. و40% يتجه إلى البلاد العربية و10% إلى الدول الأخرى.
وتشير الإحصائيات العالمية إلى أنّ عَدَدَ المهاجرين في العالم بلغ في عام 2006 حوالي 200 مليون شخص، يمثّلون 3 بالمائة من إجمالي سكان العالم، يتوزعون على أوروبا (34%) أمريكا الشمالية (23%) آسيا (28%) حيث يذهب 9% فقط إلى أفريقيا و3% إلى أمريكا اللاتينية والكاريبي و3% إلى نيوزيلندا وأستراليا. وبذلك فإنّ 6 من كل 10 مهاجرين (أي حوالي 112 مليونًا) يعيشون في بلدان غنية سواء في الدول الصناعية أو الدول المنتجة للبترول، وتمثّل النساء نصف حجم الهجرة العالمية وتزيد على ذلك في الدول المتقدمة، ولكن تقل نسبة مساهمة النساء في تيار الهجرة المتجهة إلى الدول المنتجة للبترول في الشرق الأوسط.
وإذا كانت الأرقام تشير إلى أنّ 60% من هؤلاء المهاجرين يعيشون في الدول الأكثر ثراء في العالم، بما يعني أنَّ الاتجاه الغالب لهذه الهجرة هو من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة، فإنّ هذه الأرقام لا تغفل وجود هجرة من بلدان نامية إلى بلدان نامية أخرى أفضل في مستويات المعيشة ومستويات الأجور. فيوجد لدى دول أسيا 49 مليون مهاجر، وفي أفريقيا 16 مليون مهاجر، وفي منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية 6 ملايين مهاجر.
وبلغ عدد المهاجرين (العرب) الدوليين من الدول العربية نحو 16.6 مليون، يشكلون 11% من مجموع المهاجرين العالميين، في حين بلغ عدد المهاجرين (العرب) في الدول العربية 32 مليون مهاجر يشكلون 13% من مجموع المهاجرين الدوليين.
والملاحظ أنَّ هذه الأرقام لا تقوم على تعريفٍ مُوَحِّدٍ للهجرة، وهل المقصود بالهجرة هنا هو المهاجرون من بلد إلى آخر للبحث عن أسباب أفضل للحياة فقط، أم أنَّ الهجرة تشمل المهجرين قسراً لأسباب سياسية أو عسكرية أو حتى أسباب اقتصادية؟
والغريب أنَّ المنظمات الدولية المعنية بقضية الهجرة الدولية نفسها لا تستطيع أن تُمَيِّزَ بين هذا وذاك في الأرقام الصادرة عنها أو عن غيرها، لأنّها في النهاية تنظر إلى الجميع على أنَّهم مهاجرون يعيشون في أوطانٍ غير أوْطَانِهِم الأصلية بغضّ النظر عن سبب الهجرة ومقصده، وهل الهجرة طوعية أم جبرية.
وإذا نظرنا إلى المنطقة العربية، فسوف نجد أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي هي أكبر جَاذِبٍ للهجرة، حيث تضاعف عدد القادمين بين 1985 و2005 إلى أن بلغ 13 مليونًا، وتتركّز هذه الأعداد بكثافة في المملكة العربية السعودية بنسبة 55 بالمائة، تليها دولة الإمارات، ثم دولة الكويت، ثم سلطنة عمان، ودولة قطر. وتُمَثِّلُ هجرة الأسرة بكاملها نسبة كبيرة من المهاجرين إلى الدول المتقدمة، تتراوح بين 34% من إجمالي المهاجرين إلى المملكة المتحدة و70% إلى فرنسا، في حين تقلّ هذه النسبة كثيرًا في الدول العربية.
وبالمقابل أصبحت الهجرة إلى البلدان المتقدمة التي تشهد معدلات خصوبة منخفضة، وفي كثير من الأحيان دون معدل الإحلال، مكوناً مهما للنمو السكاني في هذه البلدان، ففي بعض أجزاء من أوروبا وأسيا أدى تراجع الخصوبة ونقض أعداد السكان في سن العمل إلى تزايد الطلب على العمالة من الخارج من أجل استمرارية الاقتصادات الوطنية.
ويعد المهاجرون الاقتصاديون الجماعة الأسرع نمواً بين المهاجرين في العالم، ويشهد كثير من الدول التي سبق أن أرسلت العمالة إلى الخارج ـ على سبيل المثال، الأرجنتين ، آيرلندا، كوريا الجنوبية تشهد الآن تدفقاً للمهاجرين إليها. ووفقاً لأحدث الإحصاءات من منظمة العمل الدولية، فإن 73 في المائة من السكان المهاجرين في سن العمل كانوا عمالاً مهاجرين. ورغم أن الهجرة بين البلدان تحظى باهتمام كبير، فإن معظم المهاجرين الدوليين يتحركون ضمن مسافات أقصر. حيث تجتذب أميركا الشمالية والأوقيانوس غالبية المهاجرين الوليين من مناطق أخرى، لكنَّ معظم المهاجرين في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وأمريكا اللاتينية ودول الكاريبي لا زالوا يسكنون في المنطقة التي ولدوا فيها.
يقول الكاتبان محمد أكرم القش وحسين طلال مقلد: "ازداد عدد المهاجرين الدوليين خلال فترة العقود الخمسة الأخيرة بمقدار ثلاثة أمثال، إذ بلغ عدد المهاجرين حول العام 84.4 مليون مهاجر بنسبة 2.3% من سكان العالم البالغ عددهم 3.670 مليار نسمة في العام 1970، ووصل هذا العدد مطلع الألفية إلى 154 مليون مهاجر يشكلون نسبة 2.9%من سكان العالم. وقدر عددهم في العام 2015 بنحو 243.7 مليون مهاجر يشكلون نسبة 3.3%من سكان العالم 2015 البالغ عددهم قرابة 7.3مليار نسمة.
وتحتل القارتان الأوروبية والآسيوية المرتبة الأولى من حيث استقبال المهاجرين الدوليين، إذ قدر عدد المهاجرين الوافدين بحوالي 75 مليون مهاجر لكل منهما، بزيادة قدرها نحو 20 إلى 22 مليون مهاجر على العام 2000. وتأتي أمريكا الشمالية في المرتبة الثانية اذ بلغ عدد المهاجرين الدوليين قرابة 55 مليون مهاجر وبزيادة قدرها 15 مليون على العام 2000 وجاءت القارة الأفريقية في المرتبة الثالثة إذ قدر عدد المهاجرين الدوليين بنحو 22 مليون مهاجر في العام 2015 بزيادة قدرها 7 مليون على العام 2000 .
وبلغ عدد المهاجرين (العرب) الدوليين من الدول العربية نحو 16.6 مليون، يشكلون 11% من مجموع المهاجرين العالميين، في حين بلغ عدد المهاجرين (العرب) في الدول العربية 32 مليون مهاجر يشكلون 13% من مجموع المهاجرين الدوليين. وبالتالي نجد أنَّ الهجرة البينية في المنطقة العربية تشكل أعلى نسبة 40%، وقد بلغت نسبة المهاجرين 8,24% من عدد سكان الوطن العربي في العام 2015 وهي ضعف النسبة في عام 1990، إذ شكَّل عدد المهاجرين 6.5%من عدد سكان الوطن العربي عام 1990" (ص25 و26).