نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا عن العلاقة بين السعودية وإيران، وإمكانية التوصل إلى حوار حقيقي بينهما، بعد سنوات من القطيعة والتوتر السياسي.
وفي أعقاب إجراء مسؤولين إيرانيين وسعوديين محادثات في بغداد لمناقشة الملفات العالقة بين البلدين هذا الشهر، بما في ذلك الهجمات الأخيرة من قبل الحوثيين في اليمن ضد المواقع السعودية، لعب رئيس الوزراء العراقي دورا مهما في ترتيب اللقاء، وذلك بحسب ما ورد في تقرير نشرته صحيفة ذي فاينانشال تايمز.
ما إن انتشر الخبر حتى سارع السعوديون بإنكار إجراء محادثات مع إيران، كما نفت ذلك منصات معروفة بقربها من طهران. إلا أن وزارة الخارجية الإيرانية، ورغم رفضها تأكيد أو نفي الخبر، قالت إن إيران ترحب بالمحادثات مع المملكة العربية السعودية.
يصعب في هذه المرحلة التنبؤ بما إذا كانت محادثات مهمة ستجري بين الخصمين اللدودين، أو ما إذا كانت فعلا قد جرت، وما إذا كانت ستفضي إلى خفض كبير في التوترات الثنائية والإقليمية.
وتاليا الترجمة الكاملة للتقرير:
لقد كلف الصراع الإيراني السعودي، والمستمر منذ اندلاع الثورة الإسلامية في عام 1979، البلدين الكثير، وكان مصدر زعزعة للاستقرار في منطقة شاسعة تمتد من أفغانستان إلى سوريا ولبنان.
في لبنان، كان عاملا في استمرار الأزمة الحكومية المتكررة، وفي سوريا، ومن خلال دعم فصائل متنافسة على جانبي النزاع، ساهمت الدولتان في إطالة أمد الحرب الأهلية.
كما عانى العراق أيضا بسبب هذا التنافس؛ فبعد وقت قصير من الغزو الأمريكي في عام 2003، انطلقت المملكة العربية السعودية وإيران وغيرهما من البلدان في تنافس محموم للتأثير على الوضع هناك؛ فنظموا ومولوا مجموعات متنافسة من المليشيات، التي كانت تتحدى الحكومات العراقية المتعاقبة، وزجت بالبلاد في أتون الحرب الأهلية. ولذلك لم يكن مفاجئا أن يبادر رئيس الوزراء العراقي بترتيب الحوار بين طهران والرياض؛ إذ إن من شأن تسوية الخلافات بين الطرفين أن تحسن بشكل كبير البيئة الأمنية داخل العراق.
اقرأ أيضا: بعد لقاء بغداد.. هل وجدت الرياض بديلا للتحالف مع إسرائيل؟
تفاؤل حذر
وبالفعل من شأن حوار ناجح بين السعودية وإيران أن يساعد في حل مختلف الصراعات في الشرق الأوسط، ولكن من المهم ملاحظة أن معظم هذه الصراعات لها أيضا أسباب داخلية، إضافة إلى تأثرها بخصومات أخرى بين عدد من الدول الأخرى، ففي العراق تلعب كل من تركيا والإمارات العربية المتحدة أدوارا مهمة، كما أن تركيا ضالعة بعمق في سوريا، وتعتبر الإمارات العربية المتحدة لاعبا رئيسيا في الساحة اليمنية.
وبذلك، فمن غير المحتمل أن يتمكن حوار ناجح بين السعوديين والإيرانيين، والتوصل إلى تسوية بين البلدين وحدهما في التسريع بإنهاء الصراعات الحالية، وإن كانا سيسهمان في خفض حدتها وفي تحسين فرص التوصل إلى حلول لها.
ثمة عوامل تدعو إلى التزام التفاؤل الحذر بشأن آفاق الحوار السعودي الإيراني. فأولا، هناك الإخفاق الذي منيت به كل من طهران والرياض في تحقيق طموحاتهما الإقليمية، ما أوصلهما إلى طريق مسدود في معظم الساحات. كان أبرز إخفاقات المملكة العربية السعودية وأعلاها تكلفة في اليمن، حيث كانت الرياض تتوقع نصرا سريعا يكرس زعامتها في الشرق الأوسط، لكنها بدلا من ذلك تورطت في حرب لا قبل لها بكسبها، حرب يغذيها دعم إيران للحوثيين.
في نفس الوقت، منيت إيران بإخفاقات في كل من العراق وسوريا؛ فعلى الرغم من أن إيران ما تزال تتمتع بنفوذ ضخم في بغداد، إلا أن كثيرا من العراقيين باتوا يشعرون بالسخط تجاه ما يرون أنه تدخلها في شؤون بلادهم، بالإضافة إلى تحول البلد إلى ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران. فهم لا يريدون أن يكونوا شديدي الاعتماد على إيران، ويتطلعون إلى علاقات متوازنة مع طهران ومع العواصم العربية الكبرى.
دفعة من بايدن
تسعى روسيا في سوريا إلى إجبار إيران على الخروج منها بعد أن استخدمت مواردها البشرية والاقتصادية في دعم نظام الأسد، كما أن مغامرات إيران الإقليمية عرضتها لعقوبات غير مسبوقة من قبل الولايات المتحدة، ما خنق اقتصادها، فلم يعد يتوفر لإيران ما يكفي من الموارد للاستمرار في استراتيجياتها السابقة.
باختصار، يحتاج البلدان كلاهما إلى تحرير نفسيهما من الشباك الإقليمية التي وقعا فيها، ولكن ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن أن تساعد إيران والمملكة العربية السعودية بعضهما البعض، فلا يمكن لإيران بكل بساطة إجبار الحوثيين على الموافقة على التفريط بمصالحهم، كما أن المملكة العربية السعودية لا يمكنها حماية إيران من أعدائها المحليين، ولكن فيما لو أقدم الطرفان على إقناع حلفائهما والأطراف التي تعمل بالوكالة عنهما بالتوقف عن العمل ضد بعضهما البعض، فهذا من شأنه أن يزيد فرص حل الصراعات الحالية.
ثانياً، وهذا هو الأكثر أهمية، ما لبثت الأولويات العالمية والإقليمية للولايات المتحدة تتبدل منذ مجيء إدارة بايدن، ففي مواجهة التحديات القادمة من الصين وروسيا، تعمل الولايات المتحدة على إعادة تقييم التوزيع العالمي لقدراتها العسكرية، وإعادة التفكير بمجمل الاستراتيجية التي تنتهجها.
ويعكس هذا النمط من التفكير قرار رئيس الولايات المتحدة جو بايدن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول الحادي عشر من سبتمبر 2021. وحيثما يكون أمانا، فإن الولايات المتحدة ترغب في تقليص وجودها العسكري في العراق ومنطقة الخليج، وقد يكون ذلك سببا في رغبة إدارة بايدن في خفض التوترات مع إيران من خلال جولة المحادثات الجديدة وغير المباشرة حول صفقة النووي.
كما يبدو أن الولايات المتحدة آخذة في النأي عن ماضيها بما تميز به من دعم لا نقاش فيه للمملكة العربية السعودية. ما من شك في أنه من دون هذا الدعم التام والشامل، فإنه سيتوجب على الرياض الحد من طموحاتها الإقليمية، والتوصل إلى تسويات مع منافسيها.
اقرأ أيضا: FT: ما هو أثر بايدن على العلاقات الإيرانية السعودية؟
العامل الإسرائيلي
في نفس الوقت، لن يسعد إسرائيل حدوث أي انفراج محتمل في العلاقات الإيرانية السعودية؛ فإسرائيل لم تكف منذ عقود عن استخدام الخطر الإيراني وسيلة لتحسين علاقاتها هي مع دول الخليج العربية، وأحرزت بعض النجاح في هذا المجال، حيث باتت تقيم علاقات دبلوماسية مع كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة.
إلا أن المملكة العربية السعودية ما زالت تمتنع عن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وإذا ما خفت حدة الخصومة بين إيران والسعودية، فسوف تفقد إسرائيل ورقة مساومة في مساعيها لتمتين علاقاتها مع دول الخليج. ومع ذلك، وبالنظر إلى التبدل الذي يطرأ على الأولويات الأمريكية، بما في ذلك الرغبة في إعادة إحياء صفقة النووي مع إيران، قد تخلص الرياض إلى الاستنتاج بأنه سيكون من الأفضل لها التوصل إلى أسلوب للتعايش مع طهران، وألا تعلق كثيرا من الآمال على العلاقات مع إسرائيل، حتى ما كان غير رسمي منها.
إذا ما أخذنا بالاعتبار الاختلافات ذات الجذور العميقة بين الرياض وطهران، فإن البدء بالحوار والتوصل إلى تفاهم بين الطرفين ليس بالأمر الهين. وحتى مع التوصل إلى شكل من أشكال التسوية بين السعودية وإيران، فلن تختفي مشاكل الشرق الأوسط بين عشية وضحاها. إلا أن من شأن أي تسوية أن تحسن من فرص الحد من الصراعات الدائرة أو حتى حلها بشكل نهائي.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
FT: ما هو أثر بايدن على العلاقات الإيرانية السعودية؟
بعد لقاء بغداد.. هل وجدت الرياض بديلا للتحالف مع إسرائيل؟
FT: غموض يلف مستقبل الأردن.. ودسائس القصر نذير شؤم