لم تفلح عمليتا التدخل
العسكري اللتان شنتهما فرنسا في دول الساحل، المسماة “الباشق” Épervier سنة 1984 بتشاد،
و”القط الأنمر” Serval سنة 2013 بمالي، ولا عملية “هلال الرمل” Barkhane سنة 2014 التي
جمعت بينهما وعوّضتهما، من جلب الاستقرار إلى المنطقة، بل أكدت هذه التدخلات
العسكرية المباشرة، مرة أخرى، أن وجود مثل هذه القوات الأجنبية في الساحل وأفريقيا
لا هدف منه سوى استنزاف خيرات بلدانها، ولا يهم بعد ذلك إن كان الثمن الانقلابات
العسكرية أو انتشار مزيد من الإرهاب أو الإطاحة بالرؤساء أو مقتلهم كما حدث بالأمس
في تشاد بالنسبة للرئيس إدريس ديبي…
المهم بالنسبة لقوى الاستعمار التقليدي
والمعاصر أن استثمار 600 مليون دولار في عملية مثل “برخان” (حسب تقرير مجلس
المحاسبة الفرنسي الذي حمل عنوان: العمليات الخارجية لفرنسا 2012ـ 2015) (والمنشور
في أكتوبر 2016)، مكَّنت شركات السلاح من ببيع ما مقداره 20 مليار دولار من القطع
المختلفة!
والمهم أيضا أن إرسال 4000 عسكري للمنطقة لا يساوي شيئا أمام مصالح أكثر
من 4000 شركة فرنسية من بينها 14 متعددة الجنسيات، التي تضمن جميعها إمداد
الاقتصاد الفرنسي بما يحتاجه من طاقة ومواد منجمية بتزكية من مجلس الشيوخ الفرنسي
لسنة 2013 في وثيقته المسماة “La présence de la
France dans une Afrique convoitée” أي
(الوجود الفرنسي في إفريقيا المرغوبة” (أو التي يطمع فيها الجميع بتعبير أدق) حيث
دعا لذلك وحث عليه…
أي أننا بالنسبة لهذه القوى
الاستعمارية القديمة الجديدة لا نساوي شيئا أمام ما نَملك من ثروات.. نَموت نُقتل،
يُغتال رؤساؤنا، تحدث لدينا حروب أهلية، انقلابات عسكرية، تُنتَهَك حقوق الإنسان
لدينا، لا يهم… المهم أن تحصل فرنسا وغيرها على ما يزيد عن 17 معدنا ومادة خاما
تدخل في صناعة التكنولوجيات الجديدة من المنطقة حسب عدد من الخبراء! والمهم أن
تبقى باقي المواد الخام الثمينة الأخرى كاليورانيوم في النيجر والغاز والبترول في
الصحراء الجزائرية وليبيا والذهب في غانا ومالي وبوركينا فاسو وغيرها من الدول، في
يد كبرى الشركات المتعددة الجنسية العملاقة تستغلها كما تشاء.
وبعد ذلك لا يهم إن حكم الرئيس إدريس ديبي
طيلة 30 سنة، (ولم يكن الأول)، وإن كان قد باشر منذ أيامٍ عهدته السادسة، أو قُتل
على يد خصومه (وليس هو الأول)، أو اضطربت الأوضاع مرة أخرى بالجارة تشاد، أو مالي
أو النيجر أو غيرها.. لا تهم الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو التداول على السلطة
أو مدنية الحكم المزعومة، لا يهم كل هذا، مادامت هذه القوى تصول وتجول في المنطقة
بدعم من عملائها الدائمين والمؤقتين منذ مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي إلى اليوم
وما دامت تُحقّق أهدافها؟
لذلك فلن يبكي حلفاء الاستعمار والاستعمار
ذاته اليوم الرئيس التشادي، إن لم تكن عملية استخلافه قد تمت قبل مقتله، كما لم
يبك أحد أي من القادة الأفارقة الذين تمت الإطاحة بهم من قبل… هي الشعوب وحدها
التي تدفع الثمن، مادامت هذه القوى الاستعمارية تجول وتصول في المنطقة من خلال
عملائها الدائمين، ومن خلال اللوبيهات التي ترعاها منذ مرحلة ما بعد الاستقلال
السياسي.
إننا كشعوب أفريقية ينبغي أن نعزي أنفسنا
أولا، وينبغي أن نصل إلى مرحلة من الوعي تجعلنا نُدرِك أننا مازلنا لم نتحرر بعد
من المستعمر السابق، إن لم تزد وطأته أكثر، وأنه علينا أن نُدرك ماذا يخفي مقتل
أحد الرؤساء الأفارقة وماذا كان يخفي بقاءه في الحكم عقودا من الزمن لعلنا نفتح
نافذة للأمل!
(الشروق الجزائرية)