إذا كان من الفعالية أن
نتوجّه اليوم إلى اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية، فإنه من مقاصد الوطنية والفاعلية
في الوقت ذاته التوجُّه إلى اللغة العربية وإلى إحياء اللغة الأمازيغية، ذلك أنه
إذا كُنَّا في حاجة بالفعل إلى الإنجليزية لتوطين المعارف والعلوم أكثر من حاجتنا
للفرنسية، فإننا في حاجة إلى لغتنا الوطنية لكي نكون أو لا نكون، لأنه لا معنى
لتقدُّم شعبٍ إذا فَقَد هُويته، ولا معنى لتوطين العلوم إذا كان ذلك على حساب
فقدان الذات التاريخية والحضارية. كل الشعوب والأمم التي تَمكنت من أن تحتل اليوم
مكانة في العالم في ظل هيمنة اللغة الإنجليزية لم تتخلَّ عن لغتها الوطنية ولم
تتردد في وضع الخطط والاستراتيجيات لكي تمكنها من التفتح على العلوم والتكنولوجيات
المختلفة.
خطأ كبير ينبغي ألا نقع فيه، إذا ما استبدلنا
لغة أجنبية بلغة أجنبية أخرى ونسينا مَن نكون أو قتلنا ثقاتنا الوطنية ومسخنا
شخصيتنا التاريخية. لا اليابان ولا الصين ولا روسيا ولا تركيا ولا إيران، أو غيرها
من الدول المتقدمة أو الصاعدة اليوم نست لغاتها الوطنية أو قتلتها أو وضعتها بين
قوسين، بل عملت جميعا على توطين جميع المعارف والتكنولوجيات بلغاتها الوطنية، ولم
تتردَّد في رسم الخطط والاستراتيجيات لنقلها إلى مصافّ العالمية، رغم استخدامهم
جميعا للغة المشتركة في مجال العلوم؛ أي الإنجليزية من أجل التواصل أو الاحتكاك أو
اكتساب الخبرات.
لم تكن قطّ اللغة الإنجليزية أو غيرُها من
اللغات بديلة للغة الأم… كما عمل البعض عندنا ومازال يعمل لكي تحلّ اللغة الفرنسية
محل اللغة العربية أو الأمازيغية، ليس فقط في العلوم والتكنولوجيا إنما في جميع
مناحي الحياة ضمن نظرةٍ احتقارية للذات الوطنية تعود جذورها إلى الحقبة
الاستعمارية، إذ كان يُنظَر إلى الجزائريين كأقوام من الدرجة الثانية ينبغي أن يتحوَّلوا
إلى فرنسيين، ما يجعل “الجزائر أرضا فرنسية رغم التاريخ والجغرافيا واللغة والدين
وعادات الشعب الجزائري”، كما نبّه إلى ذلك بيان أول نوفمبر.
لذلك، علينا بمناسبة اليوم العالمي للّغة
العربية الذي يصادف 18 ديسمبر من كل سنة، بدل أن نُهنِّئ أنفسنا ببدء الشروع في
تعميم استخدام الإنجليزية، أن نعمل لكي تنهض لغتُنا الوطنية ونُعيد لها الاعتبار
العلمي، وهي أهلٌ له دون شك.
ينبغي ألا تُصبح دعوتُنا إلى الاستعانة
بالإنجليزية على الفرنسية كدعوة بعض الأقوام للاستنجاد بالأجنبي ضد الأجنبي. إننا
نمتلك فضلا على لغتنا الأمازيغية أغنى وأرقى لغة في العالم، أي اللغة العربية، لغة
القرآن الكريم والعلم بمختلف أصنافه، كما نمتلك رصيدا معرفيا وتراثا علميا ضخما
بهذه اللغة بمنطقتنا، ساهم فيه علماؤُنا من أمازيغ وعرب عبر العصور، ونشروه إلى
أوربا عبر قرطبة وطليطلة وصقلية وغيرها من المدن.
علينا أن نحيي هذه الجذوة الوطنية والتاريخية
فينا، وأن نضع نصب أعيننا هدفا مستقبليا بعيد المدى يجعلنا لا نكتفي بنهل العلوم
بأي لغة كانت، بل بأن تستعيد لغتُنا العربية أمجادها العلمية في يوم من الأيام..
وذلك هو الأمل الحقيقي المنشود.
(الشروق الجزائرية)