الكتاب: "مدخل إلى الفلسفة السياسية"
الكاتب: أ.ر. موراي، ترجمة عمر فتحي
الناشر: دار تموز-ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى 2021.
(263 صفحة من القطع المتوسط)
يواصل الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني في الجزء الثاني والأخير من قراءته لكتاب "مدخل إلى الفلسفة السياسية" لصاحبه أ.ر. موراي والذي نقله إلى العربية عمر فتحي ونشرته دار تموز- ديموزي للطباعة والنشر والتوزيع- دمشق، مطلع العام الجاري، تسليط الضوء على أهم المحطات الفلسفة السياسية بشقيها الليبرالي والاشتراكي.
تحليل هوبز للطبيعة البشرية
ينطلق طوماس هوبز (1588- 1679)، في فلسفته السياسية، في تفسيرها للمجرى العام للتاريخ، وكل التحولات في الدولة، والسياسة والدين، وفي الأخلاق والقانون، من مفهوم الفرد معزولاً عن الآخرين. وحيث إن هوبز يتصور أن خصائص هذا الفرد تظل ثابتة و"متماثلة تماثلاً واعياً مع خصائص الأجسام اللاعفوية".
في معنى الحرية، التي لا يربطها هوبز بالإرادة بالمعنى المثالي، إنما يرى الحرية موجودة ضمن ارتباطها بالعقبات والعراقيل، التي تحد من إمكانيات الإنسان في التصرف، يقول: "ليست الحرية شيئاً آخر سوى غياب كل ما يمنح الحركة. ولهذا السبب فإن الماء المقفل عليه داخل إناء ليس حراً، الإناء يمنع جريانه، وبالعكس فإن الماء يغدو حراً عندما يتحطم الإناء. وكل واحد هو أكثر أو أقل حرية حسب امتلاكه للكثير أو للقليل من الحيز كي يتحرك.
يقول الكاتب أ.ر. موراي: "ليست نظرية هوبز حول الدولة استثناءً من التعميم القائل بأن النظريات السياسية هي، كقاعدة عامة، عرضٌ لمفهوم المؤلف عن الدولة المثالية. في حالة نظرية هوبز، فإن كلمة "مثالية" لها أهمية خاصة وغير عادية، لكن مع ذلك فهو يميز بين الدول كما هي بالفعل والدول كيفما يظن أنها يجب أن تكون، ويكرس جزءاً كبيراً من كتابه "اللفياثان" لتفسير مفهومه عن الدولة المثالية والدفاع عنه".
ويضيف: "لهذا السبب، فمن المضلل وصف النظرية السياسية لهوبز بأنها نظرية "ميكانيكية"، لأن ذلك يوحي بأنه يعتقد أن خصائص الدول الفعلية يمكن استنتاجها من مبادئ علم النفس البشري. يعتبر هوبز تصرفات البشر تحددها طبيعتهم وبيئتهم، إلى حد ما، لكنه يدرك أيضاً أن لديهم ملكة عقلية يحاولون من خلالها تحديد أكثر الوسائل فعالية لتحقيق رغباتهم، ولأن حساباتهم قد تكون صحيحة أو خاطئة، فإن استخدام العقل يقدم عنصراً غيد محدداً فيما كان يمكن أن يكون نظاماً محدداً تماما" (ص109).
حالة الطبيعة
باعتبار أن كل فرد يسعى بطبيعة الحال إلى تحقيق مصلحته الخاصة، وبأنه لا يوجد فرد متفوق بشكل حاسم على أي شخص آخر، يستنتج هوبز أنه، وبدون القوة القسرية للحكومة المركزية، فإن الرجال سيعيشون في حالة حرب، حيث يكون "كل رجل ضد كل رجل آخر". وهو لا يعني بذلك أنهم سينخرطون بشكل مستمر في القتال، لكنهم سيتعرضون دائماً لخطر الهجوم ولن يكون لديهم أمن باستثناء ما قد توفره لهم قوتهم وحيلتهم. في ظل هذه الظروف، يعتقد هوبز أن مساعي الحياة المتحضرة ستكون مستحيلة، وأن حياة الإنسان ستكون بحسب تعبيره "منعزلة ، وسيئة ، ووحشية ، وقصيرة".
ففي حالة الطبيعة لا يوجد بعد أي نوع من أنواع الحكومات، ولهذا فإن العقد الأصلي ليس مبرماً بين الحكومة والمحكومين بل هو مبرم بين سائر مواطني المستقبل في الدولة. وعلى قاعدة ارادتهم المجتمعة، ينقل الأفراد السيادة إلى إنسان واحد أو مجلس يمارس السلطة. فيما بعد بمقتضى هذا العقد "ويمثل الملك، أو رئاسة الجمهورية، التي أحيلت إليه كل سلطات المتعاقدين إرادة الجميع من خلال إرادته. من هنا نفهم أن السلطة تنبع من الشعب باعتبارها مستندة إلى إرادة كل الأفراد الحرة. وحين تتجسد السلطة في إرادة الملك، فإن على الأفراد الخضوع كلياً لقوانينه، باعتبار إن إرادة الملك متطابقة مع إرادة الدولة.
"يستنتج هوبز إذن الدولة كنتاج ضروري لقابليات الأفراد الطبيعية. ومن هنا بالذات يتطابق الحق الايجابي (العملي) مع القوانين السارية في الدولة وينطبق الحق الطبيعي عند هوبز على كل أفعال الإنسان التي تنتج بالضرورة عن طبيعته، في نطاق تعلقها باعتبارات عقلانية".
باختصار، تنشأ الدولة بالتأسيسي عن طريق عقد أبرمته مجموعة من الأفراد بحرية، بينما يتم إنشاء الدولة بالاستحواذ عن طريق القوة، على سبيل المثال عن طريق قوة الغازي أو الثوار الناجحين. ومن الأمثلة الحديثة على الدولة بالاستحواذ هي الحكومة العسكرية التي فُرض على ألمانيا من قبل غزاتها في نهاية الحرب العالمية الثانية، في حين أن مثالاً جديداً على الدولة بالتأسيس هو الدستور الجديد الذي تبناه الشعب الفرنسي بعد الحرب نفسها.
نظرية الإرادة العامة لروسو
أما جان جاك روسو (1712- 1778)، فهو يشترك مع هوبز وسبينوزا، من أن "حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي "ليست سوى أصل المجتمع. ولكن روسو يختلف مع هوبز بوصف الإنسان في حالة الطبيعة، بالذئب لأخيه الإنسان، أي معنى آخر بالشر. وتتجسد نقطة الخلاف هنا، حسب وجهة نظر روسو في أن هوبز ينظر للإنسان في حالة الطبيعة بنفس المنظار الموجود عليه اليوم في حالة المجتمع.
يقول روسو: "اكتشف هوبز عيب كل التعريفات الحديثة للحق الطبيعي، بيد أن النتائج التي يستخلصها من التعريف الذي يعطيه هو تظهر لنا أنه يأخذها في معنى ليس بأقل خطأ (...) لقد تعين على هذا المؤلف أن يقول أن حالة الطبيعة هي الحالة التي يكون فيها الاهتمام بحفظ وجودنا الخاص أقل الحاقاً للغير بالضرر وبأن هذه الحالة هي بالتالي الحالة الأكثر موافقة للسلام والأكثر ملائمة للنوع البشري، ولكنه يقول بالضبط عكس ذلك لأنه يدخل خطأ رغبات هي من صنع المجتمع ويدرجها في عداد ما يسعى إليه الإنسان من أجل حفظ حياته".
ففي حالة الطبيعة نجد في السلوك الخاص للإنسان، تتحكم فيه غريزة البقاء والرأفة، حسب روسو. وانطلاقاً من هذين المبدأين الأساسيين تنحدر قوانين الحق الطبيعي كافة.
بما أن روسو يرى أن الإرادة العامة يجب أن تكون هي السلطة السيادية في مجتمع ما، فإن ذلك يعني أن وظيفة الحكومة. هي تنفيذية بحتة. كمل يقول:"السيادة، لنفس السبب الذي يجعلها غير قابلة للنقل، لا يمكن تمثيلها؛ إنها تكمن بشكل أساسي في الإرادة العامة، ولا تعترف بالتمثيل: إنها إما هي نفسها أو غيرها؛ ليس هناك احتمال آخر. وبالتالي، فإن نواب الشعب من الناس ليسوا ممثلين ولا يمكن أن يكونوا ممثلين للإرادة العامة: فهم مجرد حكام لها، ولا يمكنهم القيام بأي أعمال محددة. ويعد كل قانون لم يصادق عليه الأفراد شخصياً لاغياً وباطلاً، وهو في الواقع ليس قانوناً. إن شعب إنجلترا يعتبر نفسه حراً؛ لكن هذا خطأ فادح؛ إنه حراً فقط في انتخاب أعضاء البرلمان".
يقول الكاتب أ.ر.موراي: "من الواضح إذن أنه مهما كان التوازي بين دولة روسو المثالية والدول الشمولية الحالية، فإن روسو كان سينكر بشدة زعم أي حكومة أنها تعبر عن الإرادة العامة للمجتمع. بالنسبة لروسو، فإن الإرادة العامة هي الإرادة التلقائية لـــ "الجسد السياسي"، الذي يتكون من الاتحاد العضوي لجميع المواطنين، ولا يمكن لأي حكومة أن تحكم وفقاً لتلك الإرادة ما لم يتم توجيهها بها بشكل مستمر. وفي الدولة المثالية، على غرار دول مدن اليونان القديمة، يعتقد روسو أن الناس سيكون لديهم دائماً إرادة عامة بشأن جميع القضايا الرئيسية للسياسة، وسوف يوضحون دائماً ماهية هذه الإرادة. لذلك لن تكون هناك حاجة لحكومة لتفسيرها.
قد يكون كل هذا صحيحاً في مجتمع صغير وحميم من النوع الذي يبدو أن روسو كان يفكر فيه، ولكن القوى السياسية المهيمنة في العالم الحديث هي دول كبيرة تكون فيها الحكومة التمثيلية، حتمية لأسباب عملية، والتي وفقاً لروسو، من المستحيل بالتالي أن يتم تحقيق إرادة عامة بها. بيد أن هناك شيء يشبه الإرادة العامة كما تصورها روسو يعمل في الديمقراطيات الليبرالية. إذ يبدو أن هناك شيء أجماع فعلي بين جميع قطاعات الشعب على البريطاني على أشياء تتعلق بالمبادئ الدستورية الرئيسية، مثل الحفاظ على الملكية الدستورية والحكومة البرلمانية والصحافة الحرة (ص 150).
فلسفة هيغل الأخلاقية والسياسية
تتميز فلسفة هيغل السياسية بالربط بين عنصرين أساسيين، احتلا مركز الأصالة والأهمية في المجرى الرئيس لتطور فلسفته، وهما: الجدل، باعتباره الطريقة المثلى، التي تمتلك القدرة على إظهار العلاقة المنطقية والضرورية بين "عالم الحقيقة وعالم الأشياء"، والمنهج الجديد الثوري، لدراسة معضلات المجتمع والتاريخ، والدولة القومية، باعتبارها تجسيداً للسلطة السياسية.
وفي فلسفة الحق، الجزء الثالث، يوجد قسمان فرعييان، يتعلقان بالمجتمع المدني والدولة، حيث أن هيغل يصل إلى النتيجة التالية في فلسفته السياسية، وهي أن الدولة تعتبر من الناحية الأخلاقية أسمى من المجتمع المدني. فالدولة في نظر هيغل هي "الإرادة المقدسة، بمعنى أنها عقل كائن على الأرض وكاشفة عن نفسها". وهي بهذه الصفة تمتلك سلطة مطلقة، تجعل من تسلط الدولة السياسي، وحتى دكتاتوريتها على المجتمع المدني أمراً محتوماً. ولهذا، قلما نجد في الفلسفة السياسية لهيغل نظرية متبلورة على المجتمع المدني، الذي هو بالنسبة إليه، ليس إلا نظام من الانسجام الآلي في علاقاته الداخلية، بدون ذكاء أو توجيه ذاتي، وهو لا يرده إلى عمق الأبعاد الإنسانية، وإنما تكمن قضيته في فرض الدولة السياسية عليه.
يشار إلى نظرية هيغل السياسية على أنها نظرية "مثالية" أو "ميتافيزيقية" أو "فلسفية" للدولة. إلا أن الأكثر تحديداً وإيضاحاً من بين هذه الصفات هي "المثالية" ، لأنها تصف واحدة من السمات المميزة للفلسفة العامة التي تقوم عليها نظرية هيغل السياسية. تشير الصفات "الميتافيزيقية" و"الفلسفية" إلى أن هذه النظرية السياسية تعتمد بشكل مباشر وواضح على نظرية "ميتافيزيقية فلسفية" عامة للكون؛ ويجب أولاً تقديم موجز سريع لخصائصها الأساسية إذا أردنا فهم أسس النظرية السياسية بشكل صحيح.
المجتمع المدني هو ذلك الشكل من أشكال التنظيم السياسي الذي يلزم منطقياً من اضطراب الأسرة بسبب كون الأطفال يكبرون ويصبحون أشخاصاً مستقلين.
يقول الكاتب أ.ر. موراي: "هذه الاستنتاجات لها تطبيق هام في فلسفة هيغل السياسية، ولتي هي محاولة لاستخدام العملية الديالكتيكية الجدلية لإثبات الأخلاق النسبية لمختلف أنواع المؤسسات السياسية. وإذا كان يمكن تعريف منطقه على أنه عرض لمبدأ أن "الواقع هو العقلاني"، يمكن تعريف فلسفته السياسية بالمصطلحات المقابلة بأنها عرض لمبدأ أن "الحق هو العقلاني" وفقاً لهيغل، فإن جوهر السلوم الأخلاقي يتم العثور عليه عندما يتصرف الفرد ليس وفقاً لدوافع ورغبات معينة ولكن وفقاً لعقل كلي ـ وهو العقل الذي تشاركه جميع الكائنات العقلانية. وبالتالي، يرفض هيغل جميع أشكال النظرية النفعية للدولة على أساس أنها غير صحيحة كلياً على أساس أنها تجد المبررات النهائية للسياسة في رغبات ومصالح الأفراد. وفقاً لــ هيغل، تمثل "إرادة الدولة "الإرادة الحقيقية للفرد، وفقط بقدر ما تطابق الأخيرة مع الأولى، يتصرف الفرد أخلاقياً" (ص 175).
وهكذا، يميز هيغل بشكلٍ حاد بين المجتمع المدني والدولة. المجتمع المدني هو ذلك الشكل من أشكال التنظيم السياسي الذي يلزم منطقياً من اضطراب الأسرة بسبب كون الأطفال يكبرون ويصبحون أشخاصاً مستقلين. وهكذا، فإن المجتمع المدني حسب رأي هيغل، الذي يمثل فضاء للمنافسات والمواجهات بين المصالح الاقتصادية الذرية الخاصة للأفراد، باعتبارها سمة مميزة للاقتصاد البرجوازي، يحتاج إلى دولة سياسية قوية، شمولية وعيانية، منفصلة على طوائف الحرف من طراز القرون الوسطى، ومتموقعة فوق المجتمع المدني.
إن هيغل، وهو إن كان يريد السلطة التشريعية بالمعنى الحديث، إلا أنه يربطها بنظام دولة الطوائف الوسيط، لفرض النظام والتعددية، على المجتمع المدني. والحال هذه، يعلو هيغل على التناقض الحديث بين المجتمع المدني والدولة السياسية. وهو بهذا الموقف يكون متخلفاً عن نظرية الحق الطبيعي، التي أعلنت "حقوق الإنسان والمواطن". والتي تنصلت عن الفصل بين المجتمع المدني والدولة السياسية، لكونها النظرية التي مثلت "التعبير الفعلي عن العلاقة الواقعية بين الدولة والمجتمع المدني البرجوازي وعن انفصالهما".
الماركسية والثورة الاشتراكية
ليس ثمة نظرية تبدو للوهلة الأولى أنها على تناقض جذري صارم مع النظرية الليبرالية الكلاسيكية أكثر من الماركسية، فإن المبادئ الأساسية المتعلقة بإمكانية خلق مجتمع مدني متجانس قائم على أسس واقعية للديمقراطية، والعقلانية، والمواطنة، وحقوق الانسان، والالتحام بين الحرية والمساواة، هي مبادئ مشتركة بين الاثنتين. ومع أن الليبرالية والماركسية تتناقضان بشكل حاد بخصوص الغايات والأساليب، والدور التاريخي الذي قدر للبروليتاريا أن تلعبه، إلا أن على حدودهما كان يتم تداخل الواحدة منها بالأخرى، باعتبار أن الماركسية، التي ترعرعت في موروث الفلسفة الليبرالية الكلاسيكية الأوروبية، شكلت تحولاً تاريخياً على نحو متواصل، وقفزة ثورية وفق نمط مترابط منطقياً، حيث أبدعت جدلاً نوعياً جديداً في غمار النضال الثوري، مستفيدة، ومنقذة، ومحافظة في الوقت عينه، في سيرورة تطويرها للنواة العقلانية الحقة لجدل هيغل، ومنتقدة إياه من مواقع نظرية نوعية. فإذا كان الاقتصاد السياسي الانكليزي، والاشتراكية الفرنسية، والفلسفة الكلاسيكية الألمانية، شكلت المصادر النظرية الأساسية للفلسفة الماركسية، فإنه والحق يقال تمثل النظرية الماركسية الوريث الشرعي للمنجزات الجدلية المثالية، من القرن السادس عشر إلى منجزات هيغل الجدلية، التي طرحت مسألة تطابق الجدل من المنطلق ونظرية المعرفة، والتي كانت في الوقت عينه، نقطة انطلاق لأسس الماركسية، والتجاوز الجدلي الخلاق والمبدع للنظرية الليبرالية الكلاسيكية الأوروبية عامة.
ستستخدم البروليتاريا تفوقها السياسي لانتزاع جميع رؤوس الأموال من الطبقة البرجوازية، بدرجات متفاوتة، لتركيز جميع أدوات الإنتاج في أيدي الدولة، أي في أيدي البروليتاريا التي ستعتبر طبقة حاكمة، وزيادة مجموع القوى المنتجة في أسرع وقت ممكن
من هنا يندرج البرنامج الثوري لماركس، الذي يطرح على مختلف مكونات المجتمع المدني السياسية، والنقابية، وهياكله الاجتماعية والطبقية المستغلة، والمضطهدة، لاستعادة، ولامتصاص "قواهم الخاصة"، بغية التخطي الجدلي لهذا التناقض المزدوج بين المجتمع المدني والدولة السياسية البرجوازية الضامنة الرئيسة لملكية البرجوازية لوسائل الانتاج، ومصالحها، عبر الثورة الاجتماعية، باعتبارها ثورة تهدف إلى تحرير المجتمع المدني بأسره، وإلى تحرير الدولة البرجوازية ككيان قائم منفصل عن هذا المجتمع المدني المأزوم. ولقد أعطى ماركس هذا الدور التاريخي والتحريري لطبقة من طبقات المجتمع المدني، هي "البروليتاريا"، باعتبارها الطرف الحاسم في هذا التناقض الأساس في هذا المجتمع البرجوازي، القادر على حله، وانطلاقاً من رؤيته العقلانية للتطابق الحاصل بين ثورة الشعب مع تحرر الطبقة العاملة.
يقول الكاتب أ.ر. موراي: "لم يكن ماركس متسقاً تماماً في صياغة هذه النظرية وكثيراً ما يشير ضمناً، لا سيما في البيان الشيوعي، إلى أن الثورة التي تأخذ شكل التمرد المدني ستكن تتويجاً للنزاع بين طبقتي البرجوازية والبروليتاريا، وبالتالي سيكون هذا مصير كل مجتمع رأسمالي عاجلاً أم آجلاً، لكن هذا الاستنتاج لا ينبع من نظريته في المادية الجدلية، لأنه لا يوجد شيء في هذه النظرية يقتضي أنه يجب حل النزاع بالطريقة نفسها في كل مجتمع. قد يكون صحيحاً أنه إذا كانت الطبقة الرأسمالية لا تتهاون في الدفاع عن امتيازاتها دون اعتبار لمصالح البروليتاريا، فمن المحتمل أن تحدث ثورة عنيفة. لكن ليس من لواضح أن العدالة الاقتصادية لا يمكن تحقيقها بالوسائل الدستورية والسلمية في مجتمع ديمقراطي إذا خضعت الطبقة الرأسمالية للضغوط التي تمارسها البروليتاريا من خلال صندوق الاقتراع"(ص 212).
يبدو أن ماركس نفسه يدرك هذا عندما يكتب:"الخطوة الأولى في الثورة التي تقوم بها الطبقة العاملة هي رفع البروليتاريا إلى موضوع الطبقة الحاكمة للفوز في معركة الديمقراطية".
“ستستخدم البروليتاريا تفوقها السياسي لانتزاع جميع رؤوس الأموال من الطبقة البرجوازية، بدرجات متفاوتة، لتركيز جميع أدوات الإنتاج في أيدي الدولة، أي في أيدي البروليتاريا التي ستعتبر طبقة حاكمة، وزيادة مجموع القوى المنتجة في أسرع وقت ممكن".
من الواضح أن هذه الأهداف قد تحققت بالفعل جزئياً في بريطانيا بواسطة حكومة اشتراكية منتخبة دستورياً، وقد يتم اتخاذ خطوات أخرى في نفس الاتجاه في المستقبل إذا رغب غالبية الناخبين في ذلك. في الواقع ، من المثير للاهتمام أن نلاحظ مدى تحقيق الأهداف المحددة للسياسة الشيوعية على النحو المنصوص عليه في البيان في بريطانيا والبلدان الديمقراطية الأخرى، ومدى اعتمادها الآن حتى من قبل الأحزاب غير الاشتراكية..
إقرأ أيضا: كيف توظّف نظريات الفلاسفة في السياسة المعاصرة؟ (1من2)
كيف توظّف نظريات الفلاسفة في السياسة المعاصرة؟ (1من2)
معالم الانتفاضة الثقافية عند إدوارد سعيد.. قراءة في كتاب
الإيمان من جفاف النظريّة إلى تجربة تحرير الإنسان العمليّة