من خلال حكاية عائلة فلسطينية تعاني الأمرين تحت الاحتلال الإسرائيلي، يسلط الكاتب الصحفي الأمريكي نيثان ثرول، في هذا المقال الطويل، الضوء على صمود الشعب الفلسطيني في وجه مشروع صهيوني عنصري اعتمد السلب والنهب والتهجير وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية منذ اليوم الأول.
بالإضافة إلى قصة العائلة الفلسطينية، يقدم الكاتب معلومات بالغة الأهمية وخلفيات تاريخية عن تهجير الفلسطينيين وتفتيتهم بشكل ممنهج من قبل الاحتلال، بهدف ضمان التفوق الديمغرافي لليهود في أرض فلسطين التاريخية.
وتنشر "عربي21" المقال على 8 حلقات، وتقدم لقرائها هذه الترجمة غير الرسمية للمقال الذي نشر أول مرة باللغة الإنجليزية في "ذي نيويورك ريفيو أوف بوكس".
طالع الجزء الأول: حكاية عبد سلامة.. تقرير عن معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج1
طالع الجزء الثاني: حكاية عبد سلامة.. تقرير عن معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج2
طالع الجزء الرابع: تقرير خطير عن فصول عنصرية الاحتلال تجاه الفلسطينيين ج4
طالع الجزء الخامس: تقرير خطير عن "الأبارتايد" ومعاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج5
طالع الجزء السادس: حكاية عبد سلامة.. معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج6
طالع الجزء السابع: حكاية عبد سلامة.. معاناة الفلسطيني تحت الاحتلال ج7
وفي ما يأتي الجزء الثالث من المقال الذي يتكلم عن الفصل العنصري "الأبارتايد" ومعاناة الفلسطيني تحت الاحتلال:
الجزء الثالث
يوم في حياة عبد سلامة
حكاية رجل يبحث عن ابنه تسلط الضوء على واقع الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي
(5)
يقع منزل عبد وميلاد ضمن المنطقة المحاطة من ثلاث جهات بكتل إسمنتية شاهقة تشكل معا جدار العزل، بينما يوجد في الجهة الرابعة جدار من نوع مختلف مشيد من حجارة صفراء يعلوها سياج حديدي مرتفع. يشق ذلك الجدار من المنتصف طريقاً سريعاً من أربعة مسارب، وهو قطعة من الطريق الدائري الشرقي الذي يعرف على نطاق واسع باسم "طريق الأبارتايد" (طريق الفصل العنصري) والذي يشكل الآن الحد الشرقي لبلدة عناتا.
وعلى جانب من الطريق السريع، يقابل السائقون الإسرائيليون، ومعظمهم ينتقلون من وإلى مستوطنات الضفة الغربية، بمنظر شرقي للتلال المموجة فيما يعتبرونه إرثهم التوراتي. وعلى الجانب الآخر تتوجه أنظار السائقين الفلسطينيين، الذين يحظر عليهم دخول القدس ويحول الجدار بينهم وبين رؤية الإسرائيليين على الجانب الآخر من الطريق، غرباً باتجاه جيب عناتا، التي تتكدس أمامها أكوام من السيارات القديمة المفككة والمهملة.
صورة من وكالة جيتي للطريق رقم 4370، الذي اشتهر باسم "طريق الأبارتايد" لأن شقه الغربي يخدم الفلسطينيين الذين لا يتمكنون من دخول القدس، بينما يخدم شقه الشرقي المستوطنين الذين بإمكانهم دخولها - الضفة الغربية، 2019- بواسطة ثوماس كويكس.
كما توجد عدة أحياء تابعة لمدينة القدس داخل تلك الأسوار: راس خميس، راس شحادة، مخيم شعفاط للاجئين، وذلك الجزء من عناتا المعروف باسم ضاحية السلام. يدفع سكان تلك الأحياء الضرائب للمدينة ولكنهم لا يحصلون على شيء من خدماتها تقريباً. إذ تنساب المجاري عبر الشوارع، بينما الطرق فيها غير معبدة ومليئة بالحفريات، لا توجد بها مسارب ولا إشارات ضوئية ولا مواقف للسيارات ولا معابر ولا أرصفة للمشاة. لا توجد في هذه الأحياء حدائق ولا ملاعب، وتتكدس أكوام القمامة بمحاذات جدار العزل.
ونظراً لعدم قيام البلدية بأي خدمات لجمع القمامة، فإن أطناناً منها تحرق يومياً داخل جيب شعفاط / عناتا، مطلقة في الهواء انبعاثات خطيرة. وهذه منطقة لا تدخلها سيارات الإسعاف ولا آليات المطافئ الإسرائيلية ولا أي عربات تابعة للخدمات الأخرى بدون مرافقة عسكرية.
تدخل إلى هذه الأحياء وحدات من شرطة الحدود، التي تقاتل في العادة جنباً إلى جنب مع القوات الإسرائيلية داخل المناطق المحتلة، في عربات مصفحة، يحمل أفرادها بنادق هجومية ويرتدون الخوذات المحمية، وواقيات الركب، ودروع الأبدان.
يقول آرييه آميت، الذي كان آمر شرطة منطقة القدس في عام 2001: "لا تعمل شرطة القدس في الجزء الشرقي من المدينة" – أي في المناطق الفلسطينية، وليس فقط في الأحياء المعزولة من قبل الجدار – "كقوة شرطة تقليدية. بل تقوم عملياتها بناء على نموذج الجيش الصغير، وهي ترى أن وظيفتها الأساسية تتمثل في الحماية من سكان الجزء الشرقي من المدينة بدلاً من توفير الحماية لهم".
بعد عقد من الزمن، يقول ميكي ليفي، وهو آمر شرطة سابق آخر لمنطقة القدس عن الأحياء الفلسطينية: "لسنا بحاجة إليها". ويضيف أنه على النقيض من درك شرطة الحدود، فإن "الشرطة الإسرائيلية لا تذهب إلى هناك". وما زال الوضع على ما هو عليه حتى هذا اليوم.
رافعة تقوم باستكمال جزء من جدار العزل بالقرب من مخيم شعفاط للاجئين في شرق القدس
الضفة الغربية، 20 كانون الأول/ ديسمبر 2011- جيتي.
جميع الموتى وتقريباً معظم من أصيبوا بجراح بليغة على متن حافلة ميلاد كانوا من سكان مخيم شعفاط للاجئين وامتداداته ضمن الشق الغربي من جيب شعفاط/ عناتا الذي يشكل جزءاً من مدينة القدس المضمومة. والبنية التحتية للمخيم وما يحيط به من أحياء في حالة انهيار، وكثيراً ما ينقطع عنه التيار الكهربائي حتى غدا ذلك أمراً روتينياً.
في عام 2014، ظل آلاف السكان بدون مياه لعدة أسابيع، بل بلغ الإهمال الذي تعاني منه هذه المنطقة أن إسرائيل لا تعرف كم من الناس يعيشون فيها، بينما تقدر رابطة حقوق الإنسان في إسرائيل بأن شق الجيب الذي يقع داخل مدينة القدس كان يؤوي ما يقرب من ثمانين ألف نسمة في عام 2019، وهو ما يعادل ربع سكان القدس من الفلسطينيين. يعيش هؤلاء في منطقة بلدية مساحتها أقل من نصف ميل مربع – وذلك أكثر من ضعف الكثافة السكانية لحي مانهاتن في نيويورك – داخل غابة من الخرسانة المتهالكة لمبان لم يخطط لها ولا تخضع لأي تنظيم.
لا يوجد سوى مخرجين لهذا الجيب المنحدر على امتداد التل من مخيم شعفاط إلى عناتا. يقع أحد المخرجين، والذي يفضي إلى بقية الضفة الغربية، في قعر التل، بجوار المدخل إلى "طريق الأبارتايد". أما المخرج الآخر، والذي يفضي إلى القدس، فهو نقطة تفتيش تشهد دوماً انسداداً مرورياً، ويقع عند المدخل المسور إلى مخيم شعفاط.
معظم نقاط التفتيش إما أنها داخلية، تتحكم بحركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية، أو خارجية، تتحكم بخروج ودخول الفلسطينيين إلى قطاع غزة والضفة الغربية. أما نقطة تفتيش شعفاط التي يديرها جنود الجيش الإسرائيلي وشرطته وعناصر من الحرس الأمني الخاص، فليست من هذا النوع ولا من ذاك، إذ إنها مكرسة للتحكم بحركة آلاف الفلسطينيين المقيمين داخل القدس، والذين يصطفون كل صباح لكي يعبروا من خلال الأبواب المعدنية الدوارة التي تفصل جزءاً من المدينة عن الجزء الآخر، وإن كان كلاهما يقعان ضمن ما تعتبره إسرائيل عاصمتها السيادية.
يعمل معظم سكان مخيم شعفاط في القدس على الجانب الآخر من الجدار، بعضهم صيادلة وبعضهم ممرضون وطهاة وعمال تنظيف يخدمون في الأحياء التي باتت الآن يهودية، وهي نفس الأحياء التي فرت منها عائلاتهم أو طردت في عام 1948.
ينحدر عدد من عائلات شعفاط من حي القطمون المقدسي، وهو حي مزدهر وثري، كان يسكنه في الأغلب مسيحيون فروا بعد أن قامت الهاغانا، المليشيا الصهيونية الرئيسية قبل قيام الدولة، بتفجير فندق سميراميس في يناير 1948، فقتلت ستة وعشرين مدنياً.
كانت العائلات بين ما يتراوح بين مائتين وخمسين ألفاً وثلاثمائة ألف فلسطيني فرض عليهم أن يتحولوا إلى لاجئين قبل الرابع عشر من أيار/ مايو 1948، عندما أعلنت إسرائيل قيامها وقامت الجيوش العربية بمحاربة احتلالها.
خلال الشهور التالية تحول نصف مليون فلسطيني آخر إلى لاجئين، وهؤلاء هم الذين يقوم بعض أحفادهم وأولاد أحفادهم اليوم بإلقاء قنابل المولوتوف (الزجاجات الحارقة) والأصباغ الملونة على أبراج المراقبة الإسرائيلية التي يعلوها السخام، وهي تطل برأسها من الجدران العالية لجيب شعفاط / عناتا، والذي تطل عليه أيضاً من مرمى البصر الجامعة العبرية.
مثله مثل جميع الفلسطينيين الذين يتواجدون بشكل قانوني في المناطق المحتلة، مُنح عبد رقم هوية خاصاً به مسجلاً لدى الجيش الإسرائيلي ووزارة الداخلية. ليس بإمكان أي فلسطيني بدون ذلك الرقم وبطاقة الهوية الإسرائيلية المرافقة له عبور أي نقطة تفتيش، ولا فتح حساب بنكي في رام الله أو مغادرة الأراضي المحتلة.
في غزة، حيث يعيش ما يقرب من مليوني إنسان وسط برك من مياه المجاري، وبلا ماء قابل للشرب أو تيار كهربائي منتظم، يتوجب على كل واحد من سكان القطاع التسجيل للحصول على رقم هوية إسرائيلي لكي يتمكن من الحصول على تصريح لمغادرة المنطقة، وإن كان مثل هذا التصريح لا يمنح إلا لعدد قليل جداً من الناس – في الأغلب لرجال الأعمال والمرضى الذين يحتاجون الخروج للعلاج والرعاية الطبية التي لا تتوفر داخل هذا القطاع الساحلي المعدم.
فعلى الرغم من ادعاء إسرائيل بأنها أنهت احتلالها لغزة، ما زال عشرات الآلاف من الناس محصورين هناك لأنهم لا يحملون رقم هوية إسرائيلي – كثير من هؤلاء هم أولاد لفلسطينيين دخلوا بتأشيرة سياحية – وبالتالي لا يمكنهم المغادرة تحت أي ظرف، ولا حتى عبر الحدود مع مصر. كما يعيش آلاف الغزيين الآن في الضفة الغربية تحت طائلة الطرد لأن إسرائيل لم توافق على انتقالهم من جزء من المناطق المحتلة إلى جزء آخر.
داخل جيب شعفاط / عناتا، بإمكان عبد أن يتنقل هنا وهناك دون الحاجة لأن يساوره القلق حول ما إذا كان، في أي لحظة من اللحظات، يعبر من الضفة الغربية إلى شرق القدس التي تم ضمها. فعندما كان يشتري احتياجات الرحلة في ضاحية السلام، وهي ذلك الجزء من عناتا الذي تعرض للضم، كان هو وميلاد بحكم "المتسللين غير الشرعيين" إلى إسرائيل، على الرغم من أنهما كانا ببساطة يمشيان داخل البلدة التي ولد ونشأ فيها عبد ووالداه وأجداده.
يحمل عبد وزوجته بطاقات هوية خضراء من النوع الذي يتم إصداره للفلسطينيين في غزة وفي مناطق الضفة الغربية التي لم يتم ضمها. بعض من أقاربهم، مثل أولاد عمومة عبد، يحملون بطاقات هوية زرقاء، وهذا يشير إلى أنهم من سكان القدس الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات البلدية الإسرائيلية ولكن ليس في الانتخابات التشريعية العامة.
ولقد تم فعلاً إلقاء القبض على فلسطينيين يقيمون في جزء من عناتا، من حملة البطاقات ذات اللون الأخضر، لأنهم ضبطوا وهم يعملون في جزء آخر من نفس البلدة، ولكنه غدا جزءاً من مدينة القدس. ولكن لا يوجد حاجز يفصل بين ضاحية السلام والجزء الذي لم يتم ضمه من عناتا. ولكي يعرف المرء أين ينتهي ذلك الجزء ويبدأ الجزء الآخر فإن عليه أن يعثر على آخر مبنى ثبتت على جداره لوحة عنوان صغيرة باللونين الأزرق والأبيض مكتوب عليها بالعربية والعبرية معاً.
عندما كان شاباً، تزوج شقيق عبد، الذي يحمل بطاقة هوية خضراء، امرأة شابة تحمل بطاقة هوية زرقاء. ومثل كثيرين ممن في حالتهم من الأزواج، مُنعا من الإقامة داخل مدينة القدس، إلا أن يختارا أن يجازفا ويقيما بشكل غير قانوني في أحد جيوب القدس البائسة المعزولة عن باقي المدينة بفعل الجدار.
لم يكن بإمكان الزوجة جلب زوجها ليعيش معها في القدس قبل أن يبلغ الخامسة والثلاثين من عمره ويصبح ممن يحق لهم التقدم بطلب تصريح إقامة مؤقت في القدس، والذي ينبغي أن يجدد سنوياً ولا يحصل حامله على خدمات صحية أو تأمين وطني وكل ما يأتي معه من امتيازات يحصل عليها حاملو بطاقة الهوية الزرقاء.
كان بإمكانها التقدم بطلب للحصول على الجنسية الإسرائيلية، وحينها كان سيسمح لها بالعيش مع زوجها في عناتا، إلا أن الإجراءات طويلة ومرهقة، ونسب الرفض عالية. كما أن هذا الفعل محفوف بالمخاطر السياسية لأنه سينظر إليه على أنه إضفاء للشرعية على ضم إسرائيل شرق القدس.
ناهيك عن أنه لا يحل مشكلتها لأنه بموجب القانون قد لا يتمكن المواطنون الإسرائيليون أيضاً من الحصول على الجنسية لأزواجهم الذين يعيشون في المناطق المحتلة، ما لم يكن الزوج يهودياً.
وعندما قُدم طعن ضد هذا القانون، الذي يميز بين المواطنين على أساس انتمائهم العرقي بهدف تقليص عدد السكان الفلسطينيين داخل إسرائيل، رفضت المحكمة العليا الالتماس الذي رفع إليها بهذا الشأن في عام 2006 ثم في عام 2012. حينما صدر قرار المحكمة في عام 2012، كتب نائب الرئيس فيها يقول: "حقوق الإنسان ليست وصفة للانتحار الوطني".
لم تتمكن زوجة شقيق عبد نفسها من الانتقال للعيش خارج مدينة القدس، ولا حتى في حي مجاور لها لم يتم ضمه مثل النصف الشرقي من جيب شعفاط / عناتا. ولو أقدمت على ذلك لسحبت إسرائيل منها هوية القدس الزرقاء، مما سيفضي إلى إبعادها إلى الأبد وحرمانها من العيش في المدينة التي نشأت فيها وحيث تقيم عائلتها.
والحال كذلك، ظل مفتشون تابعون للمؤسسة التي تقدم خدمة التأمين الوطني الإسرائيلي، يرافقهم مقاولون من مؤسسة أمنية خاصة، يزورون شقتها في ضاحية السلام بانتظام لمطالبتها بدليل يثبت أن محل إقامتها ذاك هو بالفعل "مركز حياتها".
كثيراً ما يصل مثل هؤلاء المفتشون عند منتصف الليل، رجاء أن يثبتوا أن حامل بطاقة الهوية قد غادر المدينة، في العادة إلى إحدى بلدات الضفة الغربية المجاورة. من خلال فرض شروط شاقة على سكان المدينة ورصد تحركاتهم واحتمال انتقالهم للعيش خارجها، تمكنت إسرائيل من تجريد ما يقرب من خمسة عشر ألف فلسطيني من حق الإقامة في القدس.
أما في الضفة الغربية وقطاع غزة فقد أبعدت إسرائيل ما يقرب من 240 ألف من سكانهما. كثير من هؤلاء أبعدوا لمجرد غيابهم أثناء قيام إسرائيل بإجراء تعداد سكاني أو لأنهم سافروا إلى الخارج من أجل الدراسة أو العمل.
يعتبر سحب إسرائيل حقوق الإقامة في القدس من الفلسطينيين جزءاً من استراتيجية أوسع لدفع الفلسطينيين نحو الخروج. كانت لجنة وزارية قد أوصت في عام 1973 بأن تحافظ الحكومة على "التوازن السكاني" الذي كان قائماً في القدس حينذاك، حيث كانت نسبة السكان 73.5 بالمائة من اليهود مقابل 26.5 بالمائة من الفلسطينيين.
إلا أن إسرائيل أخفقت في تحقيق هدفها، وما لبثت أن غيرت النسبة المرغوب فيها للسكان لتصبح سبعين بالمائة يهود مقابل ثلاثين بالمائة من الفلسطينيين، ثم عدلتها تارة أخرى لتصبح 60 إلى 40. تحذر الخطة الشاملة التي توجه السياسة البلدية في القدس، واسمها "الخطة العامة للقدس 2000"، من أن "استمرار النمو المطرد للسكان العرب في القدس من المحتم أن يقلص نسبة السكان اليهود في المستقبل" وتدعو إلى "منع مثل هذه السيناريوهات، أو ما هو أسوأ، من أن يحدث".
ومع زيادة حصة الفلسطينيين من السكان في القدس زادت الضغوط التي تمارس عليهم حتى يغادروا، والأداة الأساسية التي تستخدم في ذلك هي سياسة الإسكان. فمنذ عام 1967، بدأت الحكومة الإسرائيلية في عملية تخطيط وإنشاء ما يزيد عن خمسة وخمسين ألف وحدة سكنية في مستوطنات شرق القدس، التي يشكل سكانها الآن ما نسبته أربعة وعشرون بالمائة من التعداد الكلي لسكان المدينة.
بالمقارنة مع ذلك، في الأحياء الفلسطينية شرق القدس، حيث يشكل سكانها ما نسبته 40 بالمائة من سكان المدينة، بادرت الحكومة بإنشاء ستمائة وحدة سكنية. ونظراً للتخطيط التمييزي يجبر الفلسطينيون على الانتقال للعيش في الضفة الغربية أو البناء بدون تراخيص.
ونتيجة لذلك، فإن ثلث المنازل الفلسطينية في المدينة بدون تراخيص، مما يضع ما يقرب من مائة ألف نسمة تحت طائلة التهديد بالإخلاء وهدم المنازل. خلال العقد الماضي تم تدمير منازل 2500 فلسطيني تدميراً كاملاً، بل أجبر المئات منهم على هدم بيوتهم بأيديهم ليتجنبوا دفع غرامات باهظة.
والأداة الأخرى هي إهمال البنية التحتية في الأحياء الفلسطينية، فكثير من هذه الأحياء في شرق القدس طرقها ضيقة لا تسمح بدخول شاحنات جمع القمامة، الأمر الذي يتسبب في بقاء الشوارع قذرة حتى أن البعض يلجأ إلى حرق الفضلات، الأمر الذي يؤدي إلى انبعاث الدخان من سفوح التلال. حال هذه الأحياء أشبه ما يكون بالجزر الصغيرة المحاطة بطرق مرورية رئيسية صممت لربط الأحياء اليهودية في المدينة بعضها ببعض، والتي في معظمها يوجد بها خطوط منفصلة لحافلات الركاب.
أما الطريق الرئيسي الذي يتنقل عبره سكان القدس الفلسطينيون من الشمال إلى الجنوب، طريق بيت لحم، فلا يتسع لأكثر من سيارة في كل اتجاه، على الأقل في الأجزاء التي لا تكون السيارات متوقفة على جوانبها. وهو طريق منحدر وخطير وتكثر فيه المنحنيات الضيقة، ولا يوجد فيه الكثير من حواجز الحماية أو ممرات المشي الجانبية، ولا مسارب ولا إشارات مرورية ولا إضاءة أو معابر للمشاة. بينما الشريان الرئيسي الذي يربط الشمال بالجنوب في غرب القدس، طريق بيغن السريع المكون من أربعة إلى ستة مسارات والذي تم مؤخراً توسيعه، فيربط المستوطنات جنوب بيت لحم بمركز مدينة القدس وما بعدها بكل سهولة. علماً بأن التوسعة أقيمت على أراض مصادرة من الأحياء الفلسطينية التي تم ضمها في شعفاط وبيت صفافا، والتي يشطرها الطريق السريع إلى قسمين.
والأداة الثالثة هي السياسة التمييزية في التعليم. إذ تعاني الأحياء الفلسطينية من نقص شديد في الفصول الدراسية، ولذلك فأقل من نصف الطلاب الفلسطينيين فقط يتمكنون من الدراسة في المدارس الحكومية، وثلث الطلاب الفلسطينيين – مقارنة بما يقرب من 1.5 بالمائة من الطلاب اليهود – يتوقفون عن الدراسة.
في الشطر الغربي من جيب شعفاط / عناتا، والذي يقع ضمن مدينة القدس ويقطنه ما يقرب من ثمانين ألف نسمة، لم تبن البلدية سوى مدرسة واحدة، في مبنى كان سابقاً يستخدم حظيرة للماعز. ونظراً لانعدام التعليم الحكومي الكافي، يلجأ كثير من أولياء الأمور إلى تسجيل أطفالهم في المدارس الخاصة، ومنها المدرسة التي كان يذهب إليها ميلاد، مدرسة نور الهدى، التي تقع داخل الجيب ولكن خارج مدينة القدس، في واحد من المباني الأقرب متاخمة للجدار.
على الجانب الآخر من الجدار، على بعد بضع مئات من الأمتار، تطل الأسطح الكرميدية الحمراء للفلل التي تتكون منها مستعمرة بيزغات زئيف في القدس.
عبد سلامة يحمل صورة لميلاد آذار/ مارس 2021 - التقطت بواسطة إيهاب جاد الله
عبد سلامة، البيرة، الضفة الغربية، آذار/ مارس 2021 - بواسطة إيهاب جاد الله
رافعة تكمل قسما من جدار الفصل العنصري الإسرائيلي بالقرب من مخيم شعفاط للاجئين
القدس 20 كانون الأول/ ديسمبر 2011- جيتي
حفارة تهدم صفا من المحلات التجارية في مخيم شعفاط للاجئين
في القدس، الضفة الغربية، 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 - التقطت بواسطة أحمد غراب
فني الطوارئ الطبية نادر مرار، يعالج جريحا في سيارة الإسعاف في البيرة
الضفة الغربية، 2015- التقطها حرييت سالم
مسعفون للطوارئ في موقع التحطم قرب حاجز قلنديا، الضفة الغربية،
16 شباط/ فبراير 2012- جيتي
ناشطون إسرائيليون وفلسطينيون يحتجون على شارع 4370، الضفة الغربية
23 كانون الثاني/ يناير 2019- جيتي
ميلاد سلامة مع شقيقه الأكبر، آدم- بواسطة عبد سلامة نفسه
الطريق 4370، الملقب بـ"طريق الفصل العنصري"، الضفة الغربية، 2019- بواسطة ثوماس كويكس
خطة دروبلز لعام 1978 لتطوير المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة
إعادة تخصيص أراضي الضفة الغربية وفقا لاتفاقية أوسلو الثانية لعام 1995- مايك كينج
توضح المنطقة الشمالية من شرق القدس التي تم ضمها بناء على بيانات رسم الخرائط من مكتب الأمم المتحدة
مدرسة نور الهدى، عناتا، الضفة الغربية، آذار/ مارس 2021- بواسطة إيهاب جاد الله
مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين، محاط بسور من مستوطنة إسرائيلية
شرق القدس، الضفة الغربية، كانون الثاني/ يناير 2021 - بواسطة أحمد غراب
حركة مرور تنتظر في طابور عند حاجز قلنديا على مشارف شرق القدس
الضفة الغربية، 6 أيلول/ سبتمبر 2005- جيتي
رسم ميلاد سلامة وهو يرتدي سماعات رأس من رسم فداء سلامة- 17 آذار/ مارس 2021- التقطت الصورة من فداء سلامة
مختصون: خطط متنوعة للاحتلال تهدف إلى تهجير فلسطينيي 48
45 عاما على ثورة "يوم الأرض" الفلسطينية (شاهد)
الخطيب لـ عربي21: يوم الأرض محطة فارقة للفلسطينيين (شاهد)