أجرى وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء الفائت 23 آذار (مارس) محادثات مع نظيره الصيني "ووانغ يي" في مدينة جويلين الصينية؛ بعد أيام قليلة من لقاء ضم عضو مجلس الدولة الصيني "يانغ جيه تشي" ووزير الخارجية ووانغ يي بوزير الخارجية الأمريكية "أنتوني بلينكن" ومستشار الأمن القومي "جيك سوليفان" في مدينة أنكورج بمقاطعة ألاسكا الأمريكية.
لقاء المسؤول الصيني بنظيره الروسي جاء متزامنا مع فرض دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا عقوبات على مسؤولين صينين بحجة التورط في عمليات قمع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينغيانع (تركستان الشرقية)؛ ما دفع الحكومة الصينية إلى توبيخ الدول الأوروبية المشاركة في العقوبات. اشتباك شجع وزير الخارجية الروسي لافروف على طرح إقامة تحالف للدول المناهضة للعقوبات الأحادية الجانب تتزعمه موسكو وبكين؛ معززا بدعوات لاستبدال الدولار الأمريكي بالعملات الوطنية في التبادلات التجارية.
الاجتماع الصيني ـ الروسي لم يتم بمعزل عن البيئة المتوترة التي أعقبت فوز جو بايدن بمنصب الرئاسة الأمريكية؛ الذي وجه انتقادات لاذعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصفه فيها بـ "القاتل"؛ ودعا في الآن ذاته إلى إحياء التحالف الرباعي الهندي الياباني الأسترالي ـ الأمريكي لمحاصرة الصين؛ فاللقاء الصيني ـ الأمريكي في ألاسكا لم يرسم مسارا جديدا للتفاهم والتعاون بين واشنطن وبكين بقدر ما رسم مسارا للتحالف والشراكة بين موسكو وبكين؛ بل رسم مسارا للتصعيد بين واشنطن وبكين ومن ورائهم موسكو وبروكسل؛ إذ وسع نطاق المواجهة لتشمل إدراجها على جدول أعمال حلف الناتو في بروكسل الأربعاء 24 آذار (مارس) الحالي.
الأزمات والخلافات داخل الناتو بعيد فوز ترامب غذت النفوذ الصيني كما غذتها أزمة المديونية من قبل ووباء كورنا المستجد من بعد؛ إذ قدمت بكين في ذروة أزمة الجائحة المساعدة لإيطاليا التي أدارت لها فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وبلجيكا الظهر؛ ولصربيا التي قدمت بكين لمواطنيها مليون جرعة لقاح .
وزير الخارجية الأمريكي بلينكن جاء إلى بروكسيل ليذكر الصين قبل روسيا بعمق وقوة التحالفات التي تنسجها الولايات المتحدة الأمريكية؛ فواشنطن تمثل القوة القادرة على التصدي "للجار الخطر" روسيا بحسب وصف جوزيب بوريل الممثل الأعلى للأمن والسياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي؛ وقادرة على التصدي للصين في الآن ذاته في وسط وشرق أوروبا .
التصعيد الأوروبي الأمريكي لم يعد مقتصرا على روسيا التي دعا بوريل "الى ضرورة تطويقها خاصة عندما تنتهك القانون الدولي، بالتعاون مع الناتو" بل شمل بكين التي خضعت للعقوبات الأوروبية؛ فبكين باتت لاعبا مهما في أوروبا مستثمرة بتداعيات أزمة المديونية في العام 2012؛ مطلقة آلية للتعاون بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا لمواجهة أزمتها الاقتصادية؛ آلية ترجمتها بكين بقمم دورية ضمت الصين ودول وسط وشرق أوروبا آخرها في 9 شباط (فبراير) الماضي.
قمة خاطب فيها الرئيس الصيني شي جين بينغ قادة الدول الأوروبية المشاركة بالقول "إن التعاون بين الجانبين يعتمد على الاحترام المتبادل وليس له قيود سياسية، مضيفا أن جميع الدول المعنية، بغض النظر عن حجمها، شركاء متساوون في آلية تعاون تتميز بمشاورات مكثفة ومساهمة مشتركة ومنافع مشتركة"؛ تلميح يغمز بقناة القوى الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا التي خذلت شركاءها الأوروبيين تارة خلال أزمة المديونية وتارة أخرى خلال أزمة جائحة كورونا.
الأزمات والخلافات داخل الناتو بعيد فوز ترامب غذت النفوذ الصيني كما غذتها أزمة المديونية من قبل وباء كورنا المستجد من بعد؛ إذ قدمت بكين في ذروة أزمة الجائحة المساعدة لإيطاليا التي أدارت لها فرنسا وألمانيا وهولندا وإسبانيا وبلجيكا الظهر؛ ولصربيا التي قدمت بكين لمواطنيها مليون جرعة لقاح.
بكين تحولت إلى محط اهتمام وزراء خارجية دول الناتو المجتمعين في بروكسيل؛ ليعود وزير الخارجية الأمريكي في لقاءاته ببروكسيل للإشادة بثلاثين دولة عضو في الناتو تضم مليار نسمة؛ مقدما إشارة واضحة إلى أن التفوق الأمريكي لا يقتصر على التكنولوجيا أو على الجوانب الجيوسياسية الممتدة من أقصى الشمال في ألاسكا وممرات القطب الشمالي إلى وسط وجنوب آسيا؛ بل يشمل الجانب الديموغرافي أيضا بما يوفره من قوى بشرية وأسواق كبرى وفاعلة عالميا.
ختاما لقاء وزراء خارجية الناتو في بروكسيل لم يتمكن من تجاهل الصين أو إخفاء الهاجس الذي تمثله لقادة الحلف الأوروبيين والأمريكيين؛ إذ حولها إلى أجندة يتم إدراجها شيئا فشيئا على جدول أعمال حلف الناتو والاتحاد الأوروبي؛ فبكين حضرت بقوة في أقوال وأفعال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن وفي عقوبات الاتحاد الأوروبي الأخيرة على الصين؛ فهواجس أمريكا من الصين باتت أقوى من أن يتم تجاهلها أو إهمالها لصالح الجار الخطر روسيا الذي يسعى كغيره للتعلق في الصين ولكن كحليف وشريك لا كخصم في هذه المواجهة.
hazem ayyad
@hma36
هل ما زال التحالف الأمريكي الأوروبي ضد الصين ممكناً؟