قالت مجلة "فورين
أفيرز" إن الكثير من المؤيدين المتحمسين، للرئيس الأمريكي جو بايدن،
يعتقدون أنه وضع المصالح الاستراتيجية الأمريكية قبل قيمها، بشأن تجنب معاقبة ولي
العهد السعودي محمد بن سلمان، "مما سمح في الواقع للقاتل المدان بأن يفلت من
العقاب".
وأوضحت في تقرير
ترجمته "عربي21" أن المدافعين عن قرار بايدن يجادلون بأن المصلحة
الوطنية تتطلب من الرئيس الاحتفاظ بالقدرة على التعامل مع القادة السعوديين، تماما
كما يفعل مع القادة الصينيين والروس المسؤولين عن انتهاكات لحقوق الإنسان بنفس
الشناعة.
وشددت المجلة على أن
دور السعودية كمنتج مؤثر للنفط، وعضو عربي مهم في التحالف المناهض لإيران، وزبون
رئيسي لمبيعات الأسلحة الأمريكية، من وجهة نظرهم، يفرض "إعادة ضبط"
العلاقة بدلا من "تمزيقها". علاوة على ذلك، فإن الإدارة التي تعتبر
أولى أولوياتها في السياسة الخارجية هي مواجهة الصين الصاعدة، يجب أن تتجنب دفع
السعودية إلى أحضان بكين.
وتهدد "القناعات
العاطفية لأحد الجانبين والضرورات الإستراتيجية للطرف الآخر بإخفاء المعضلة
الحقيقية التي تطرحها قضية خاشقجي لإدارة جديدة. فالدبلوماسية فن يتطلب الدقة، لكن
كلا الجانبين قدم الحالة السعودية بالأبيض والأسود وعلى أساس المحصلة الصفرية. وإذا
كانت إدارة بايدن تأمل في النجاح في إعادة التوازن بين القيم والمصالح في سياستها
الخارجية، فسيتعين عليها القيام بعمل أفضل في تحديد والدفاع عن طريق وسط تجمع بين
المقاربتين".
ورأت المجلة أن إدارة
بايدن "تبنت بالفعل أهم عناصر طريق وسط، لكنها لم تحسن شرحها، وبالتالي فهي
غير مفهومة كثيرا. على سبيل المثال، خفضت أمريكا مرتبة محمد بن سلمان من زائر شرف،
كما كان خلال ولاية ترامب، إلى زعيم لم يعد مرحبا به في أمريكا، ناهيك عن البيت الأبيض
في عهد بايدن. وسعى منتقدوه إلى هذه النتيجة على وجه التحديد من خلال المطالبة بفرض
عقوبات على محمد بن سلمان بشكل مباشر - لكن فرض العقوبات على ولي العهد لم تكن
ضرورية لتحقيق هذا الغرض".
وأضافت: "بدلا من
ذلك، فرضت أمريكا عقوبات على عناصر الحماية الشخصية لمحمد بن سلمان، وهي قوة
التدخل السريع، لأن أعضاءها نفذوا مقتل خاشقجي. فمحمد بن سلمان لديه سبب للخوف من
الاغتيال، ولن يسافر بدون حراسه الشخصيين. لقد تعرض الحاكم الفعلي في الواقع لحظر
سفر".
وقالت إن الأمر الأكثر
إهانة هو تخفيض مستوى القناة التي سيسمح لمحمد بن سلمان باستخدامها للتواصل مع
إدارة بايدن. لا يعتبر المنتقدون أن الفضل يعود لبايدن في هذا الإجراء لأنهم يفضلون رؤية ولي
العهد منبوذا تماما. لكن في أيام ترامب، كان لولي العهد قناة مستخدمة بشكل متكرر
ومباشرة للبيت الأبيض من خلال جاريد كوشنر، صهر الرئيس السابق. والآن قناته
الوحيدة هي من خلال الجنرال لويد أوستن، وزير دفاع بايدن.
اقرأ أيضا: واشنطن تطلق اسم خاشقجي على سياسة عقوبات جديدة
فبدلا من الاعتراف
بمحمد بن سلمان باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة، يشير بايدن علنا إلى أنه لا يعترف
إلا بولي العهد في دوره الأصغر كوزير للدفاع. وفي الواقع، من حيث البروتوكول، يجب
أن تكون نائبة الرئيس كامالا هاريس نظير ولي العهد. لكن منحه هذا الوضع سيمكنه من
امتلاك قناة في البيت الأبيض، وهو ما أوضح بايدن أنه غير ممكن من خلال تحديد نظير
له عبر نهر البوتوماك في البنتاغون.
وقالت المجلة إن ابن
سلمان لا يزال يحظى بشعبية بين شعبه بسبب الإصلاحات التي أدخلها، لكن البعض داخل
الطبقة الحاكمة غاضبون ومستاؤون من الطريقة التعسفية والعقابية التي تعامل بها
معهم. ولن يفوت أي من الأمراء فكرة أن البيت الأبيض يعامل في الواقع ولي العهد
وكأنه منبوذ، تماما كما وعد بايدن. ولكن من خلال القيام بذلك بطريقة تتجنب قطع
الاتصال مع الحاكم الفعلي للمملكة، يمكن لبايدن أن يقلل من قدرة محمد بن سلمان على
حشد دعم العائلة المالكة على أنه ضحية يعامل بشكل غير عادل من أمريكا التي تمارس
معايير مزدوجة.
وشددت على أنه و"للحفاظ
على هذا النهج الدقيق، يتطلب من المتحدثين باسم الإدارة الحفاظ على الانضباط في
مواجهة هجوم النقد من أولئك الذين يطالبون بعقوبة صريحة لمحمد بن سلمان. ولسوء
الحظ، برر أعضاء فريق بايدن نهجهم بالقول، على حد تعبير وزير الخارجية أنتوني
بلينكن، من المرجح أن يكون ولي العهد في موقع القيادة لسنوات وعقود قادمة".
واعتبرت أن هذه
الرسالة التي تشير إلى أن بايدن ليس لديه خيار سوى التعامل معه تقلل من قيمة
الإشارة التي أرسلها الرئيس من خلال منع وصول ولي العهد إلى البيت الأبيض. وإن
الاعتراف بأن محمد بن سلمان سيظل الحاكم لفترة طويلة قادمة قد يضعف أفراد العائلة
المالكة الذين ربما جادلوا بأن هناك حاجة إلى استبداله لأن المملكة لا تستطيع تحمل
أن يكون ولي العهد شخصا لا يمكنه التواصل مباشرة مع رئيس الدولة، التي تحمي
المملكة. وهذا يشجع محمد بن سلمان على الاعتقاد بأنه يستطيع مواصلة العمل
كالمعتاد، لأن بايدن في النهاية سيضطر للتعامل معه، تماما كما فعل قادة الأعمال
الأمريكيون بالفعل.
وتهدد الرسائل
المختلطة المجلة أيضا بتقويض ما يجب أن يكون الهدف الأعلى لجهود إدارة بايدن
لتحقيق التوازن بين القيم والمصالح في نهجها تجاه السعودية، لإقناع كل من يحكم
الرياض باتباع نهج أكثر استنارة تجاه الشعب السعودي وأكثر مسؤولية في المنطقة.
وقالت: "لا يزال
محمد بن سلمان يمارس انتهاكات حقوق الإنسان، وقمع المعارضة من خلال مضايقة واعتقال
منتقديه في الداخل والخارج. تعهدت إدارة بايدن بحماية المعارضين السعوديين في
الخارج من خلال تطبيق عقوبات قانون ماغنتسكي على أولئك الذين يرهبونهم. لكن يجب
على الإدارة أن توضح أن الطريقة التي تعامل بها السعودية مواطنيها في الداخل ستؤثر
أيضا على سياسة أمريكا".
ولفتت المجلة إلى أن
"أفظع انتهاكات حقوق الإنسان السعودية تقع في الجوار باليمن، حيث ساعد سلوك
محمد بن سلمان في الحرب على التعجيل بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. والطريقة
الوحيدة لإنهاء الحرب في وقت قصير هي أن يقرر ولي العهد من جانب واحد وقف حملة
القصف السعودي ورفع الحصار عن الموانئ اليمنية. وهذا هو مسار العمل الذي يجب حث
محمد بن سلمان على اتخاذه من خلال قناة البنتاغون".
وأضافت: "يجب على لويد
أوستن أن يوضح أن أمريكا ستساعد السعودية، في الدفاع عن نفسها من خلال تعزيز
الدفاعات السعودية المضادة للصواريخ إذا واصل الحوثيون هجماتهم بطائرات بدون طيار
وصواريخ على الأراضي السعودية بعد إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد".
وتابعت: "لكن عليه
أن يؤكد مجددا أنه لن يكون هناك المزيد من الدعم العسكري أو السياسي الأمريكي
للعمليات الهجومية السعودية في اليمن. وإن معاملة بايدن لمحمد بن سلمان باعتباره
منبوذا بحكم الأمر الواقع يمكن أن تعطي ولي العهد حافزا لإصدار هذا الإعلان من
جانب واحد وهو ما سيمكنه من إصلاح العلاقات مع الرئيس".
وقالت المجلة إن واشنطن
ستحتاج إلى السعودية المسؤولة، التي تعمل مع حلفاء وشركاء آخرين للولايات المتحدة
لوقف مصادر عدم الاستقرار والصراع في المنطقة. وهذا هو مدى الضرورة الاستراتيجية
في العلاقات الأمريكية السعودية. بعد تحويل الاهتمام تجاه آسيا.
لكن يمكن لإدارة بايدن
أيضا وضع القيم الأمريكية في العلاقة بطريقة لم تتم تجربتها من قبل. وللقيام بذلك،
يجب على بايدن الإصرار على أن يواصل محمد بن سلمان الإصلاحات التي أدخلها لتحديث
المجتمع السعودي ومنح المرأة حقوقا متساوية - ولكن دون القمع المصاحب والسلوك
العدواني في الخارج الذي أصبح السمة المميزة له.
وشككت المجلة في قدرة
ابن سلمان على لعب هذا الدور، بناء على سلوكياته السابقة، ورأت أن النهج الذي يمكن
أن يعيد تأهيله هو إنهاء حرب اليمن والقمع الداخلي، وتقديم القيم والمصالح الأمريكية.
BBC: هل يؤثر تقرير CIA على روابط أمريكا والسعودية القديمة؟
التايمز: السياسة الخارجية الأمريكية ترى السعودية شريكا فقط
الغارديان: دعوات لبايدن بمعاقبة السعودية بسبب خاشقجي