نشر موقع "Vice" تقريرا للصحفيين ليا فيغر ونك تيرس، قالا فيه إن عرسا لعائلتي العامري والتيسي كان قد استهدف من الطائرات الأمريكية بدون طيار في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2013، ما تسبب بمقتل 12 شخصا، سبعة منهم من عائلة العامري وخمسة من عائلة التيسي، وجُرح ستة آخرون.
وقال أحمد محمد الشافعي التيسي، الذي قتل ابنه البالغ من العمر 25 عاما في الهجوم، في شهادته لاحقا: "كان الجميع مصدومين.. تلك الطائرات لا تطير فقط.. إنها تقتل الناس".
وعلى مدى خمسة أعوام بعد ذلك، ظلت العائلتان وجيرانهما ضحية لست هجمات أخرى، وكان عام 2017 بالذات وحشية، حيث يقولون إنه قتل 15 شخصا من عائلتيهما في 29 كانون الثاني/ يناير بعد مداهمة برية، كما قتل 6 أقارب بعيدين في آذار/ مارس، وقتل أحد أفراد العائلة في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر، وثلاثة قتلوا في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، وقتل آخر في 22 كانون الأول/ ديسمبر.
وقتل شخصان آخران من العائلة في 18 أيلول/ سبتمبر 2020. ففي سبع هجمات أمريكية مختلفة، بما فيها ست بالطائرات بدون طيار، قتل 36 فردا من عائلتي العامري والتيسي، ربعهم من الأطفال بين ثلاثة أشهر و14 عاما.
اقرأ أيضا: واشنطن بوست: لماذا تراجعت هجمات CIA بطائرات "الدرون"؟
وخسرت العائلات أفرادا وبيوتا وماشية إضافة إلى جيران، حيث قتل 12 شخصا آخر في الغارات.
ومع أن السلطات الأمريكية تزعم أنها لا تستهدف إلا الإرهابيين، إلا أن المحققين والعائلات يكذّبون ذلك.
وبينما مر سبع سنوات على أول غارة لم يحصلوا على أي أجوبة ويعيشون في خوف دائم.
ومع أنه كان هناك تقارير إعلامية غطت كل حادثة حين وقوعها، إلا أن تلك التقارير فشلت في تصوير حجم الكارثة لعائلتي العامري والتيسي، حيث تعرضوا لهجمات متكررة دون إبداء أسباب، ولم يتعرض أحد للمساءلة بشأن الضحايا الذين سقطوا.
ويقول علي مبخوت العامري؛ "إنها حياة في خوف مستمر.. وتشعر بالتوتر طيلة الوقت، إذا خرجت في سيارتك تكون خائفا، إذا مشيت وحدك تكون خائفا.. أنت خائف دائما من أن تغادر القرية؛ لأنك تظن أنه يمكن استهدافك خطأ".
ورفعت العائلة بزعامة عزيز العامري قضية في 25 كانون الثاني/ يناير ضد الحكومة الأمريكية من خلال "لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان".
وبمساعدة من منظمة "ريبريف" الحقوقية الدولية، فإن عائلة العامري تطالب بمحاسبة المسؤولين.
وقالت جنيفر غيبسون، المحامية الحقوقية: "العائلة تبحث عن أجوبة ومنعوا من الحصول على أي أجوبة من الحكومة الأمريكية.. لذلك توجهوا إلى لجنة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان على أمل الحصول على بعض الأجوبة .. التي لم يحصلوا عليها من الحكومة أو المحاكم الأمريكية".
وقدمت العائلة لدعم قضيتها أدلة ووثائق بما في ذلك ملف من خمسين صفحة من الأدلة، ويسعون للحصول على حكم "بالإجراءات الاحتياطية" بأمر من المحكمة ضد الاغتيالات.
وقالت غيبسون؛ إن العائلة تحاول بكل طريقة ممكنة أن ترفع يدها وتقول: "انتظروا قليلا، إنكم تضربون الأشخاص الخطأ. نرجو التوقف عن استهدافنا، ودعونا نقدم الأدلة على أننا لسنا الأشخاص الذين تظنونهم".
ومع أن اللجنة لا تملك سلطات تنفيذية، إلا أن لها وزنا كبيرا في المجتمع الدولي، ويمكنها مطالبة أمريكا بالتحقيق والاعتراف علنا بتداعيات ما كانت لحد الآن حربا لا وجه ولا اسم لها، وأن تعوض الناجين بما يناسب.
وتحدث موقع "VICE" مع كل من محمد علي مبخوت العامري وعبدالله عبد ربه التيسي حول تجربتهما وآمالهما من رفع القضية.
وفقد الرجلان عشرات من عائلتيهما وكانا حاضرين شخصيا في ثلاث هجمات للطائرات بدون طيار. وفقد التيسي سبعة أبناء عم قريبين والعامري أربعة أبناء عم وعم وزوجة أخيه. وتقول العائلتان بأنه تم استهدافهما دون سبب، ولا يزال لم يتصل بهما أحد من أمريكا بعد الهجمات.
وقالت بريانكا متابارثي من كلية معهد حقوق الإنسان في كلية القانون في كولومبيا: "المثير في هذه القضية هي ما تقوله عن انعدام الحلول المتوفرة للضحايا.. وتظهر كيف لم يستطيعوا رفع القضية من خلال المحاكم الأمريكية، ولم يتوفر لهم أي آلية للإصلاح، حتى لما قتل أعضاء من عائلتيهما، وحتى عندما عانوا من إصابات خطيرة، وحتى عندما دمرت بيوتهم وأماكن عملهم وسياراتهم لم يتوفر لهم أي ملاذ".
وبسبب الضبابية الأمريكية في الحرب في اليمن من الصعب معرفة السبب الأكيد لماذا قتل هؤلاء الناس، ولكن الأدلة تشير إلى مقاربة تكنوقراطية من الجيش، قائمة على عدم فهم الثقافة؛ مقاربة تعتبر عائلات بكاملها أو قبائل مشبوهة، إن لم تكن مجرمة.. الذنب بالارتباط كدليل مسموح والعقوبة الجماعية كحل مشروع.
اقرأ أيضا: «الدرون» تدشن عصر حروب من دون جيوش!
وقال التيسي: "يحدونا الأمل؛ لأن هناك إدارة جديدة في البيت الأبيض أن ينظروا إلى الأمور بشكل مختلف.. نريدهم أن يعلموا أننا أبرياء ونريدهم أن يدرسوا تعويضات عادلة لعائلاتنا وأطفالنا. وكل ما نطلبه هو تحقيق شفاف".
وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قال في رسالة لقيادات الكونغرس؛ إن أفراد الجيش الأمريكيين تم نشرهم في اليمن للقيام بعمليات ضد القاعدة في الجزيرة العربية وتنظيم الدولة. ولكن عندما بدأت أمريكا حربها على الإرهاب، لم تكن أي من المجموعتين موجودة في اليمن.
وكانت أول عملية تقوم بها اغتيال تقوم بها الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 بتوجيه من مدير المخابرات المركزية وقتها جورج تنت، حيث تم استهداف سيارة تقل قايد سالم سنان الحارثي، قائد كبير في القاعدة يشتبه بأنه خطط للهجوم ضد سفينة يو أس أس كول الحربية، متسببا بمقتل 17 من بحاريها.
وتسبب الهجوم بمقتل كل من في السيارة بمن فيهم كمال درويش، وهو مواطن أمريكي. وبقي هذا الهجوم الوحيد الذي تقوم به الطائرات المسيرة في اليمن، حتى دخل باراك أوباما البيت الأبيض عام 2009 واشتدت الحرب الأمريكية في اليمن.
وقامت حرب الطائرات المسيرة الأمريكية في اليمن على نوعين من الغارات، تلك التي تستهدف أشخاصا "إرهابيين" وازنين على قائمة الاغتيال تسمى "غارات الشخصيات"، وأخرى تقوم بناء على الاشتباه ضد أشخاص غير مشهورين وتسمى "غارات الشارة".
إضافة إلى العمليات الخاصة مثل العملية ضد أسامة بن لادن أو أبو بكر البغدادي. ويقول متحدث باسم قيادة الوسط (CENTCOM): "في كل غارة ومداهمة نتخذ إجراءات دقيقة للتخفيف من الخسائر في المدنيين ونتحمل مسؤولية أفعالنا.. وعندما ينتج عن عملياتنا العسكرية تقارير عن أضرار للمدنيين نقوم بتقييم مصداقية تلك التقارير، كي نحدد طرقا لتحسين عملياتنا وتحديد الاستجابة المناسبة".
ومع حلول 2012 كان هناك غارة كل ستة أيام، وفي العام التالي وصل عدد الغارات 59، وبلغت خلال رئاسة أوباما 185 غارة، قتل فيها ما يقدر بـ 88 إلى 101 مدني بحسب مركز دراسات "نيو أمريكا".
وأظهرت دراسة للعمليات العسكرية الأمريكية في اليمن ما بين 2009 و 2014 أن 80% من الضحايا المدنيين تسببت بها الطائرات المسيرة.
وأظهرت دراسة لمنظمة ربريف عام 2014 لعمليات الطائرات المسيرة في باكستان واليمن، أنه تم قتل 1147 مدنيا خلال محاولات لاغتيال 41 شخصا، وأن هناك 18 شخصا اغتيلوا أو استهدفوا في اليمن عدة مرات، وأدت الغارات التي استهدفتهم إلى مقتل 273 شخصا آخر، وهو ما يصل إلى ما يقارب نصف كل حالات القتل المؤكدة بين اليمنيين.
ومع أن سنوات أوباما شهدت تصعيدا في الحرب في اليمن، إلا أن الهجمات ارتفعت بشكل كبير في 2017 تحت إدارة ترامب، حيث أعلنت أمريكا عن 133 غارة ومداهمة.
ووصل عدد الهجمات خلال أربع سنوات من إدارة ترامب 181 وهو ما يساوي تقريبا عدد الهجمات خلال ثماني سنوات من رئاسة أوباما. وقد تكون هذه أرقاما مخفضة جدا؛ حيث إن قيادة المنطقة الوسطى لا تعلن عن كل عملياتها، ووكالة المخابرات المركزية لا تؤكد أو تنفي عملياتها.
وتقول مجموعة الرصد (إيرويز) في المملكة المتحدة، أن هناك 146 هجوما إضافيا خلال سنوات حكم ترامب.
ولا يظهر هناك أي سبب للهجوم على عائلتي العامري والتيسي، وضحايا الهجمات كانوا من المزارعين والرعاة وعمال البناء وبعضهم حتى من الجيش اليمني. وكان الأدميرال جون كيربي المتحدث باسم البنتاغون وقتها قال إن الحكومة اليمنية قالت إن الأهداف في الغارة على العرس عام 2013 كانوا "أعضاء بارزين وخطرين في القاعدة"، ولكن شوقي علي أحمد البعداني، أحد قيادات القاعدة في الجزيرة العربية لم يكن حاضرا العرس، ولم يكن حتى مدعوا بحسب العائلة.
وكان الجنرال جوزيف فوتيل قائد قيادة العمليات الخاصة المشتركة قد أمر بإجراء تحقيق، وطلب البيت الأبيض تحقيقا آخر يقوم به المركز الوطني لمكافحة الإرهاب (رفض فوتيل أن يتحدث مع موقع VICE).
وكان مسؤول أمني يمني قال لتلفزيون "سي أن أن" وقتها: "لم يكن أحد ممن قتلوا المشتبه بهم، مطلوبا من الحكومة اليمنية. كما وجد تحقيق قامت به منظمة هيومن رايتس ووتش، أن القافلة كانت قافلة عرس، وأن بعض إن لم يكن كل من قتلوا أو جرحوا هم من المدنيين".
وقالت "رايتس ووتش" في تقريرها: "ثم أقرت السلطات المحلية بصفة غير رسمية بالخسائر في صفوف المدنيين، إذ وفرت النقود والبنادق – وهو أسلوب تقليدي للاعتذار في اليمن – لأهالي القتلى والمصابين".
وكان عم محمد مبخوت العامري، عبدالله مبخوت العامري، العريس في عرس 2013. قال العامري: "كان رجلا لطيفا"، ويوم عرسه كان "مليئا بالسعادة والفرح".. وبعد الغارة زاره في المستشفى فوجده يبكي ولا يصدق ما حدث. بعد ذلك بأربع سنوات قتل العم هو وطفلاه في غارة أخرى.
وبقيت الحكومة الأمريكية خلال كل الهجمات على عائلتي العامري والتيسي تتنكر للمسؤولية، وتشكك في ضحايا الهجمات. وبعد غارة 2017 التي نتج عنها مقتل 15 شخصا من عائلتي العامري والتيسي بمن فيهم ستة أطفال، إضافة إلى تسعة آخرين قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض شون سبايسر عن غارة يكلا؛ إنها "جهد تم تخطيطه وتنفيذه بشكل جيد".
وقام ترامب بالاستشهاد بقول وزير الدفاع حينها جيمس ماتيس، بأن العملية "ولدت كمّا كبيرا من المعلومات الاستخباراتية المهمة، ستؤدي إلى انتصارات كثيرة في المستقبل ضد أعدائنا".
وقال الجيش الأمريكي لمكتب الصحافة الاستقصائية؛ إن غارة 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 أدت إلى مقتل "إرهابيين اثنين" مع أن منظمة "ريبريف"، قالت إن مدنيين اثنين، أحدهما عمره 14 عاما قتلا في الغارة.
وبينما قالت القيادة الوسطى "CENTCOM"؛ إن عملية 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 تسببت بمقتل ثلاثة أعضاء في تنظيم الدولة، وقال المسؤولون اليمنيون؛ إنها تسببت بقتل ثلاثة أعضاء في القاعدة، قالت منظمة "ريبريف"؛ إنها تسببت بمقتل ثلاثة أطفال أعمارهم بين 10 و 12 سنة.
وأن ريبريف قالت؛ إن غارة 22 كانون الأول/ ديسمبر 2017 تسببت بمقتل صاحب دكان لم تعترف القيادة الوسطى بالغارة، ما قد يشير إلى أن وكالة المخابرات المركزية هي من قامت بها.
وقال العامري: "ليس هناك أي شخص من عائلتنا أو قبيلتنا مطلوب للأمن، ولا نعرف أعضاء في القاعدة".
وأضاف التيسي كون بعض أفراد عائلتهم جزءا من الجيش اليمني: "أي شخص يقول إنه استهدف إرهابيين [بغارة جوية على عائلتنا]، إما أنه يكذب أو لا يعرفنا".
وتأمل عائلتي العامري والتيسي من أن قضيتهما ستؤدي إلى تحقيق شفاف ومساءلة حول المعلومات الاستخباراتية الخاطئة التي تسببت بالهجمات، وتعويضات عن الأضرار التي تسببت بها تلك الهجمات.
ويقول العامري: "أريد الضغط على إدارة بايدن لتوقف كل غارات الطائرات المسيرة على منطقتنا".
وقال هو والتيسي بأنهم يقومون برفع القضية بسبب وجود رئيس جديد، مضيفا: "نريد المزيد من الأصوات الأمريكية لتقف تضامنا معنا، ويسألوا حكومتهم.. نحن بشر مثلهم".
WP: عائلات يمنية تطالب بتعويضات عن عمليات أمريكية "سرية"
WP: توكل كرمان تدعو بايدن لوقف فوري للحرب في اليمن
FT: قرار ترامب ضد الحوثيين سيقود إلى مجاعة واسعة في اليمن