تميل السيدة منى الصباح من مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة؛ لزراعة الأزهار في الأحواض البلاستيكية الجاهزة لتزيين منزلها، كما هنّ غالبية النساء الفلسطينيات، ولكنها كانت دائما تشعر بحاجة أكبر لتملأ حب الأرض والزراعة الذي سكنها منذ أن كانت طفلة.
ولم تعتقد السيدة التي تسكن في قرية بيت إيبا قضاء نابلس، أنها ستطور مشروعا مبتكرا للزراعة خلال أشهر قليلة، فحب الاطلاع والقراءة والبحث لديها أنتج نواة فكرة للزراعة المائية التي لها العديد من الإيجابيات.
وأثناء تصفحها لمواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي لمحت منى مشروعا قام به أحد الأشخاص للزراعة المائية في ساحة منزله، فأعجبت كثيرا بالفكرة وبدأت بالبحث حولها عن طريق الكتب والمواقع الإلكترونية، وبعد أن جمعت المعلومات الكافية بدأت بتطبيق الفكرة على سطح منزلها.
وتقول لـ عربي21 إنها سعت من البداية للسؤال أكثر حول هذه الزراعة؛ فاستشارت خبراء زراعيين وأشخاصا ذوي خبرة في هذا المجال؛ واستفادت من كم المعلومات التي كانت تحصل عليها وهي في قمة التحمس للمشروع.
وفي شهر سبتمبر/ أيلول الماضي بدأت بشراء المعدات اللازمة للبدء بتطبيق الفكرة؛ وهو الأمر الذي لم يكن سهلا نظرا للتكاليف المادية الباهظة، حيث إن معظم المواد المستخدمة لا يتم بالعادة استخدامها في الزراعة وتعتبر نادرة الشراء.
وتوضح الصباح التي تعمل معلمة لمادة الرياضيات وترسم اللوحات التشكيلية، أنها عملت على بناء الأحواض الخاصة بمشروعها وتعرضت في البداية لانتقادات كثيرة من معارفها، واعتبروا أنها تخوض مغامرة غير معروفة النتائج، ولكنها كانت تسير خلف حدسها الذي أيقنت أنه يقودها لمشروع هام.
ورغم الصعوبات التي صاحبت بداية المشروع إلا أنها لم تستسلم؛ حيث إنها في بدايته فشلت لكنها أعادت الكرة مرات عديدة إلى أن بدأت ترى ثمار تعبها وجهدها.
وتبين أن المشروع يقوم على فكرة استغلال المياه في ظل الوضع الذي تعيشه فلسطين من شح المياه نتيجة الاحتلال والمستوطنات، كما أن من فوائده استغلال المساحات الضيقة في محيط المنازل وأسطحها.
يقوم المشروع أساسا على زراعة نباتات مثمرة دون تربة؛ حيث تتم الزراعة من خلال وسيط في أكواب ويتم ريها بالماء الذي يستخدم مرارا في عملية الري دون ضياعه.
وتضيف السيدة: "الفكرة من الزراعة المائية هي استغلال المناطق التي لا تنجح فيها الزراعة العادية، وفي التربة عادة حين يتم الري يضيع ما نسبته أكثر من ٩٠% من المياه التي تمتصها التربة، بينما في الزراعة المائية يتم وضعها في خزان واستغلال المياه ذاتها للري عدة مرات".
طموح أكبر
أنواع عدة من النباتات الورقية تزرعها منى في حديقتها الجديدة منها الخس والسبانخ والبقدونس والنعنع وبعض النباتات المثمرة مثل البندورة والخيار، ورغم البداية الصعبة إلا أنها بدأت الآن تجني ثمار هذا الجهد وتحصل على منتج يكفي أسرتها.
وتشير في حديثها إلى أن الزراعة بهذه الطريقة تعتمد على مضخات الأكسجين؛ وأن الزراعة تتم عبر وضع النبات في كوب بلاستيكي مثقوب مع وضع وسيط مثل الحجر البركاني أو البرلايت، ثم توضع في الماء فتنبت الجذور حين يتوفر المناخ الجيد اللازم والمغذيات والأكسجين.
أي نوع من النباتات من الممكن أن تتم زراعته من خلال هذه الطريقة؛ والتي تنتج الثمار العضوية الخالية من المبيدات الحشرية أو الهرمونات وبالتالي تعتبر صحية بالكامل وتسد الحاجة الخاصة لأي منزل، ولكن منى تسعى إلى توسيع المشروع بحيث يشمل منازل أكثر.
وتضيف: "كل هدفي أن أنشر فكرة الزراعة المائية للمزارعين وربات البيوت؛ لأن فوائدها كبيرة جدا وتتغلب على مشاكل شح المياه وقلة الأراضي الزراعية التي تعاني منها فلسطين على يد الاحتلال".
ورغم تكلفتها الإنشائية العالية تحاول منى أن تنشر الفكرة بين المزارعين علها تساهم في تقليل هذه التكلفة عبر التعاون مع جهات مختلفة، حيث إنها تعرضت للاستغلال حين تقدمت لشراء المعدات في المرة الأولى بسبب عدم توفرها بشكل كبير.
وتقول الصباح إنها بصدد الإعداد لعمل دورات للنساء حول فوائد هذه الزراعة وأهميتها؛ كما أنها تسعى لعمل تصاميم للتخفيف قدر المستطاع من التكلفة الإنشائية بدون حفر وأنابيب؛ أي أنها تحاول جعلها مستوية بتكلفة قليلة بحيث يتم توفير المياه والأسمدة فقط.
ومن مميزات الزراعة المائية كذلك أنها تضمن الإنتاج السريع والكثير، أي أن 90 مترا من النباتات المزروعة مائيا من الممكن أن تنتج بقدر أرض مزروعة بمساحة دونم.
وتتابع: "أسعى لنشر هذه الفكرة كي نستعيد مجد فلسطين الزراعي، وكي نصل إلى مرحلة تصدير الثمار للخارج، وأشجع السيدات على عمل نماذج مصغرة في المنازل كي يحققن الاكتفاء الذاتي".
وهناك أكثر من شكل لهذا النوع من الزراعة فقد تكون معلقة أو في أحواض أو عن طريق الأنابيب، فهي تتنوع بحسب المساحة الموجودة، وتسعى منى كذلك للتوصل إلى تصميم لبيوت محمية معدة لتقلبات الطقس.
وتوضح أن الدعم المادي هو الذي يقف عائقا أمام تطوير الفكرة ومعداتها، حيث تتمنى أن تنتج الثمار في بيوت مكيفة، لافتة إلى أنها حاولت التوجه إلى وزارة الزراعة من أجل دعم المشروع ولكن العرض الوحيد لديهم كان الاعتماد على القروض البنكية وهو ما لم تقبل به.
قلة الأيدي العاملة في قطاع الزراعة من أبرز التحديات التي تواجه الإنتاج الزراعي في فلسطين؛ وهو ما درسته منى خلال بحثها المتواصل ما جعلها تقتنع أكثر بهذه الفكرة.
وتختتم حديثها قائلة: "كل يوم أتعلم شيئا جديدا؛ وأخطئ أحيانا ما يجعلني أتعلم كثيرا، أنا فقط في البداية ولكنني أطمح للوصول إلى مرحلة التسويق على الأقل على نطاق قريتنا قريبا".