يسأل البعض لماذا تكتبون وتكررون الكتابة عن التطبيع؟ السؤال الأصح هو: لماذا لا نكتب عن التطبيع؟ نعم ينبغي أن نواصل الكتابة دون ملل، وأن نكرر دون أن نشعر بوخزة ضمير أو قلق على القارئ من ثقل التكرار، باختصار لأننا في زمن التطبيع، مصحوبا بجوقة من المبررين.
وعقب السقوط المغربي، بات مرشحا ومتوقعا أن تقدم مزيد من الدول على التطبيع، لأن القوس يبدو أنه ما زال مفتوحا، إلا أن هناك ظاهرة أخرى ينبغي التوقف عندها كذلك وصاحبت ظاهرة التطبيع، وهي تبرير التطبيع. تبدو تلك الظاهرة أحد أعراض الإصابة بوباء التطبيع، وهنا لا نتحدث عن الذباب الإلكتروني، فذلكم الذباب كان يبرر من قبل، وواصل عمله وتبريره بعد التطبيع، لكن ظهور رئيس الوزراء المغربي الدكتور سعد الدين العثماني نهاية الأسبوع لتبرير التطبيع، يجعلنا نتوقف عند ظاهرة جديدة، وهي التبريرية التطبيعية المبتذلة.
هناك ظاهرة أخرى ينبغي التوقف عندها كذلك وصاحبت ظاهرة التطبيع، وهي تبرير التطبيع. تبدو تلك الظاهرة أحد أعراض الإصابة بوباء التطبيع، وهنا لا نتحدث عن الذباب الإلكتروني
سياسيا يمكن تفهم (ولكن بطبيعة الحال عدم تقبل) إدلاء السياسيين في البلدان التي طبّعت بتصريحات تبريرية، إلا أن محاولة بعضهم التذاكي والعمل على إقناع الجماهير بأن التطبيع هو الطريق نحو تحرير فلسطين، فيه قدر من الامتهان لشخوصهم أولا قبل عقول الجماهير. وفي الحالة المغربية ينبغي على صانع القرار هناك الإجابة عن سؤال واحد ومحدد: أيهما أكثر خطرا على المغرب: وجود إسرائيل في أحشائه، أم بقاء قضية الصحراء دون حل؟ والسؤال كذلك: أيهما أخطر على الأمة العربية: دخول إسرائيل لأحشاء المغرب العربي أم بقاء الصحراء ضمن الملفات العالقة في عالمنا العربي وما أكثرها؟
يستطيع المراقب تفهم بعض التبريرات التي يسوقها مغاربة على السوشيال ميديا، لكن ثمة مغالطة كبرى تكتنف تلك التبريرات، وهي الاختيار بين تأييد التطبيع أو الاتهام بعدم الانتماء والخيانة، بمعنى لا يمكن فهم كيف تم الترويج لتعريف جديد للوطنية، يقول بأن الوطني هو من يؤيد التطبيع، والخائن هو من يجرمه! هذا تعريف جديد للمواطنة يشيع الآن بين الإخوة المغاربة، وهو في ظني تعريف مشوه يسيء للمغرب أولا قبل أن يسيء لفلسطين وللعرب.
لا يمكن فهم كيف تم الترويج لتعريف جديد للوطنية يقول بأن الوطني هو من يؤيد التطبيع، والخائن هو من يجرمه
المواطنة هي الانتماء للوطن بالدفاع عنه والذود عن حماه وتسخير العقل والجسد في خدمته ونمائه، وعدم التعاون مع أعدائه. وهذا التعريف يتعارض بالضرورة مع تأييد إقامة علاقة مع عدو الوطن والأمة، مع مشروع صهيوني إحلالي اجتث عربا من أرضهم، ويعمل منذ ذلك الحين على نشر خلاياه السرطانية اختراقا أمنيا، ومعلوماتيا، واقتصاديا، واستهدافا للعرب من المحيط إلى الخليج.
المواطنة مشتقة من كلمة الوطن، وهو المكان الذي يقيم فيه المرء وينتمي له، المواطنة مصدر الفعل وَطَنَ، وهي علاقة متبادلة بين الأفراد والدولة، أساسها الوفاء والحرص على الوطن، إلا أن ما يجري اليوم هو قيام عدد من الحكومات العربية بحل بعض الملفات التي تسببت بها بالدرجة الأولى سياساتها الفاشلة بالأساس على حساب الشعب الفلسطيني، بل على حساب الشعب المغربي كذلك.
إن الاتفاق المغربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي سيحقق اختراقا اقتصاديا، وأمنا لإسرائيل ومستوطنيها، لكنه سيكون وبالا على المغرب والاتحاد المغاربي عموما، وسيفتح الباب واسعا للفتنة ودق الأسافين، التي لطف الله بالمغرب الكبير سنوات وحال دون أن تقع الفتنة بين مواطنيه، وفي القلب منه المغرب الذي كان محصنا من الاضطرابات والصراعات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، ومثل نموذجا في الحكمة في التعامل مع الغضب الجماهيري العارم واحتواء الجميع.
خسر المغرب في لعبة ترامب أوراقا كثيرة، أهمها شرف الائتمان على المقدسات، خسر ثقة الجماهير العربية، وربح ترامب الذي قدم هدية انتخابية لصديق دربه نتنياهو
عن الاستبداد والثورات المضادة والتطبيع مع إسرائيل
لا للانتقاص من مغربية الصحراء.. ولا مساومة على فلسطين
هل سيتوقف التطبيع في عهد بايدن؟