هل يحق لرئيس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، الملك
محمد السادس ملك
المغرب، أن يطبع
العلاقة مع دولة الاحتلال الغاصب التي جعلت القدس عاصمة لها مقابل اعتراف ترامب "الراحل" من السلطة بعد نحو شهر بمغربية الصحراء؟
وبغض النظر عن الانتقادات الكثيرة الموجهة لهذا الاعتراف، فإنني كفلسطيني أؤمن بأهمية وحدة الدول العربية والإسلامية في سبيل تحرير
فلسطين ورفعة هذه الأمة وكرامتها، أرفض المساومة على
وحدة التراب الوطني المغربي أو تعزيز انقسام أي إقليم عن بلده، فتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ كارثة خيّمت على بلادنا في أكثر من بقعة جغرافية، ولا تخدم سوى الدول الغربية التي تلعب على هذه التناقضات وتستفيد من تجارة السلاح.
"أنا وأخوي على ابن عمي وانا وابن عمي ع الغريب".. تردد هذا المثل على أفواهنا كثيرا في الآونة الأخيرة، فلو عكسناه لوجدناه يصف حال الشرق الأوسط: "أنا والغريب ع أخوي وابن عمي".
ترامب شخصيا يسارع لبيع المغرب المزيد من الأسلحة مقابل نحو مليار دولار، وفِي النهاية يوجه الأخ سلاحه لأخيه، والرابح الأكبر هم تجار الحروب ودعاة الخراب.
أما القدس خاصة وفلسطين عامة، فالحزن يخيم عليها وقد انفرط عقد أشقائها، وباتوا يباركون لمن اغتصبها فعلته الشنعاء ويرحبون بِه شخصا طبيعيا بينهم. وكلٌ يسعى لمكاسب هزيلة، فالسودان يعدونه برفع اسمه من قائمة الإرهاب! والإمارات بالسماح لها بشراء طائرات عسكرية، والبحرين لا حول لها ولا قوة أصلا لتقرر أو تختار، ثم المغرب الذي ساهم بإضعاف بايدن سياسيا قبل أن يحكم بانتزاع ورقة كان يمكن أن يعمل عليها في النزاع بين المغرب والجزائر وفِي التعامل مع دولة الاحتلال ذاتها.
الشعب المغربي بوصلته واضحة،
والتطبيع مع الكيان الصهيوني مرفوض لدى الشعب بشكل لا تهاون فيه، ولكن المثير للشفقة والقلق في آن واحد
موقف حزب العدالة والتنمية "الحاكم" ممثلا برئيسه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الذي رفض
التطبيع بشكل حاسم من قبل، ولكنه توارى اليوم واختار الاختباء تحت عباءة الملك!! ولا يُستبعد أن يمثله بتوقيع اتفاقيات مع الاحتلال سواء في الرباط أو في القدس المحتلة!
يصر الإسلاميون (وأنا معهم) على رفض تخيل هذا المشهد فضلا عن تقبله، ولا يزالون يأملون انسحاب العثماني وفريقه حفظا لماء وجهه، ولا قيمة لبيانات شبيبة الحزب في إدانة التطبيع ولا حتى الحزب نفسه إن لم تترجم عمليا على الأرض بالانسحاب من الحكومة.
وفي السياق هناك سؤال يفرض نفسه: لماذا يتجاوز بعض الإسلاميين عن تطبيع
العدالة والتنمية في تركيا ويرفضون تطبيع العدالة والتنمية في المغرب؟ والجواب بسيط، حيث أن التطبيع مبدئيا مرفوض من الجميع عربا كانوا أو أتراكا، ولكن هناك فرق بلا شك بين نظام مطبّع تاريخيا مثل تركيا العلمانية، وعليه فعلى أردوغان وفريقه التعامل مع إرث خمسين عاما من ذلك، وبين نظام ملكي يعلن الإسلام مرجعه رسميا ويتمتع الحاكم فيه بصفة "أمير المؤمنين " ويرأس لجنة القدس على مستوى العالم الإسلامي! وقد كرر رئيس وزرائه الإسلامي سعد الدين العثماني رفضه المطلق للتطبيع فيما مضى! والأنكى أن التاريخ سيسجل اسم العثماني وإخوانه في العدالة والتنمية مقرونا بعودة العلاقات مع الاحتلال في عهدهم وفي ظل حكومتهم! والتي قد تكون - إن لم يأخذوا موقفا - آخر حكومة لهم؛ فشعبيتهم بتراجع كبير، وقد يكون تطبيعهم المسمار الأخير في نعش حقبة تمتعهم بالأغلبية البرلمانية في البلاد.
وهنا لا بد من كلمة لمن يتحدثون عن إكراهات السياسة وتبعات الدخول في دهاليزها، بحيث يبررون وفق حسابات الربح والخسارة
التعامل مع الموقف للحفاظ على وجود الحزب ذي المرجعية الإسلامية في رأس السلطة، وهذا الميزان خاسر من عدة أوجه: أولها أن رئاسة الحكومة في المغرب محدودة الصلاحية، فالخارجية والدفاع وحتى الداخلية بيد الملك لا بيد رئيس الحكومة. وثانيا، فالنظام في المغرب ليس قمعيا بالصورة التي عليها نظام السيسي، ولهذا فإن انسحاب العثماني وإخوانه من المشهد لن يقابل باستئصالهم أو الزج بهم في السجون وحظر نشاطهم السياسي. وأما ملف الصحراء فإن هذا الاعتراف لن ينهي النزاع المسلح مع انفصاليي البوليساريو فيها؛ وعليه فالحسابات السياسية على المستوى الداخلي في الحزب أو على مستوى إدارة الدولة لن تتأثر كثيرا بانسحابهم من المشهد، إلا إذا كان بريق السلطة وسجادها الأحمر وامتيازاتها المالية قد خطف الأنظار ولم يعد هناك مجال للتفكير بالذات بعيدا عنها.
وفي النهاية نبقى نكرر أن
الصحراء مغربية وفلسطين عربية إسلامية ولا مجال للتفريط في الصحراء فضلا عن التنازل عن فلسطين، ومن المعيب ربط التفريط بأحدهما مقابل الاعتراف بالآخر، ولا يقبل أن ترد علي بتصريحاتك المتناقضة بينما أنا أشاهد فعل يديك على الأرض.
فتطبيع المغرب من شأنه أن يكسر الجليد ويمهد الطريق لجر جيرانه إلى قعر المستنقع الذي غرق به غيرهم..