الكتاب: جذورُ العنف في الغرب الإفريقي: حالتا مالي ونيجيريا
المؤلف: عايدة العزب موسى
الناشر: دار البشير للثقافة والعلوم
الطبعة الأولى: عام 2015م
عدد الصفحات: 144 صفحة
الحديث عن العنف حديث ذو شجون، فقارات العالم تعجُّ بصيحات المظلومين والمشردين الذين يبحثون عن ملجأ يهربون إليه خوفاً من تيار العنف الجارف الذي لا يبقي ولا يذر، وتعتبر القارة الإفريقية من أبرز قارات العالم التي نالت حظاً وافراً من مخاطر صراعات العنف قديماً وحديثاً.
وسنحاول في هذه المقالة أن نسلط الضوء على خريطة تاريخ العنف في الغرب الإفريقي (مالي ونيجيريا تحديداً)، من خلال جولة في كتاب "جذور العنف في الغرب الإفريقي: حالتا مالي ونيجيريا" للكاتبة المصرية المتخصصة في الشأن الإفريقي عائدة العزب موسى، التي استعرضت في كتابها نماذج من تاريخ هذه القارة التي حاصرها الاستعمار والفقر والجهل والمرض والرصاص زمناً طويلاً، ولا تزال تقاوم من أجل استعادة الحرية والكرامة والأمن والاستقرار.
بين دفتيْ الكتاب
يعتبر كتاب "جذور العنف في الغرب الإفريقي" من أهم الكتب الحديثة التي تناولت تاريخ العنف في القارة الإفريقية حديثاً، وقد قامت المؤلفة بتوزيعه إلى مقدمة وخلاصة ومبحثين رئيسيين: الأول خصَّصته لتاريخ العنف في دولة مالي، وتحدثت فيه عن "خريطة جماعات العنف والإرهاب، ومالي وطوارق أزواد مالي، وأطراف الصراع، والخلفية الحقيقية لأحداث الغرب الإفريقي"، أما الثاني فخصّصته لتاريخ العنف في دولة نيجيريا، واستعرضت فيه "جماعات العنف والمؤامرة"، و"الاستعمار يدفع إلى العنف"، و"الخروج من دائرة العنف".
أكدت المؤلفة في المقدمة أن فهم التنظيمات في إفريقيا يستلزم العودة إلى "تاريخ إفريقيا على مدى القرنين الماضيين، أو ما يزيد على ذلك"، من أجل استخلاص "أوجه الصراعات والنزاعات الحادة التي جرت على مدى هذه القرون، وأخلَّت بالنسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي لتلك الشعوب"،(ص5). وتحاول المؤلفة في هذا الكتاب أن تُجيب على جملة من الأسئلة، لعل من أبرزها: من المسؤول عن العنف؟ ما أطراف الصراع؟ ما أبعاد المؤامرة؟
جذور العنف في مالي
في المبحث الأول، تناولت المؤلفة أربع نقاط رئيسية، ركزت في الأولى على خريطة جماعات العنف والإرهاب في المغرب الإسلامي والشمال الإفريقي، والتي من أبرزها: تنظيم القاعدة، وجماعة أنصار الدين، وحركة الجهاد والتوحيد، والحركة الوطنية لتحرير أزواد.
وفي خضم ذلك أشارت إلى أهداف الغرب في المنقطة، وقالت إن "الولايات المتحدة لم يكن هدفها من مبادرة الساحل محاربة الإسلاميين في مجال المعارك القتالية فحسب، بل كانت ترغب في محاربتهم بالنسبة لعقائدهم المتطرفة"، (ص17).
وفي محالة للإجابة على السؤال الكبير: من المسؤول عن العنف؟ ألقت المؤلفة مسؤولية العنف في مالي على أربعة أطراف رئيسية، الأول: حكومة مالي التي استمرت صراعاتها مع الطوارق، حيث ظل "إقليم أزواد في شمال مالي أخطر مناطق الساحل والصحراء اشتعالاً"، والثاني: التدخل الفرنسي، فـ "هدف فرنسا من تدخلها في مالي وغيرها من دول الصحراء والساحل هو استعادة موروثها الاستعماري في المنطقة"، ولذلك فـ "هي تستغل انتشار المجموعات الإرهابية، من أجل تعزيز انتشارها في الحزام الأمني لدول الساحل والصحراء..".(ص57).
وفي هذا السياق، طرحت المؤلفة سؤالاً جوهرياً هو: ما هي دوافع الفرنسيين في الحرب في مالي والساحل؟ وأجابت قائلة: "السبب المعلن هو الحفاظ على مصالح فرنسا الاقتصادية في غرب إفريقيا، والسبب الحقيقي هو الأطماع لكل دول أوروبا في شمال وغرب ووسط إفريقيا.."، {ص61}. والثالث: دول الجوار التي تدعم التدخل الفرنسي، وهي: الجزائر، موريتانيا، النيجر، بوركينا افَّاسو، ساحل العاج، السنغال. والرابع: الولايات المتحدة "التي لم يكن لها تاريخياً أي نفوذ في مالي ولا في غيرها من دول المنطقة"، لكنها "تتنافس مع فرنسا الآن للسيطرة"،(ص66).
ثورات الطوارق وأحداثها
في محور "مالي وطوارق أزواد"، وقفت المؤلفة مع ثورات الطوارق وأحداثها، وقالت إن الطوارق عاشوا "طوال حياتهم في مظالم أتتْ عليهم من الدول الاستعمارية، ثم من الدول الوطنية التي عملت على دمجهم في هيكل الدولة، وتقسيم الحدود الدولية التي يعيشون فيها..".(ص36). ثم ذكرت أن الطوارق قاموا بأربع ثورات رئيسية، الأولى: ثورة كيدال، وكانت عام 1962، و"انطلقت بعمليات صغيرة تعترض طريق دوريات جنود مالي، وتستولي على سلاحهم، وتمنعهم من التوغل داخل مخيمات الطوارق والعرب..".(ص38).
والثانية كانت أعوام 1990-1996م، و"ارتكب الجيش المالي خلالها الكثير من الجرائم في حق المدنيين العزل.. وأدت الثورة إلى هجرة جماعية إلى البلدان المجاورة..". أما الثالثة فكانت عام 2006، "وقادها ضباط من الطوارق.. وشنوا هجمات على حاميات عسكرية في كيدال، ولكن لم تصمد الحركة طويلاً، وانتهت الانتفاضة من العام نفسه". والرابعة عام 2012، و"حققت استقلال إقليم أزواد، وانفصاله عن جمهورية مالي"، (ص45).
جذور العنف في نيجيريا
الحالة النيجيرية ليست بعيدة عن الحالة المالية، لذلك فإن نيجيريا تعتبر مثالاً بارزاً على بشاعة العنف في غرب إفريقيا. في بداية الحديث عن الحالة النيجيرية، قالت المؤلفة إن "التنظيمات الإرهابية والجماعات الأصولية الإسلامية المتشددة" لم تظهر في الغرب الإفريقي قبل أحداث 11 سبتمبر، رغم أن هناك "جماعات معارضة وحركات مناوئة لحكمها، كانت تقوم بانقلابات دموية، أو بصراعات قبلية عنيفة".
و"بعد ثلاثة أيام من حادث سبتمبر، بدأنا نسمع عن الإرهاب الإسلامي، وبدأ التحرك الأمريكي ينبري لمكافحته، حيث طلبت واشنطن من الدول الإفريقية تأييد الحرب على الإرهاب"، (ص91)، وهنا ظهرت حركات عديدة، منها: الطوارق، والأزواد في مالي، والقاعدة، وحركة الإصلاح والجماعات الأصولية في النيجر، وسيليكا في إفريقيا الوسطى، وبوكو حرام في نيجيريا.
هاجس "الاستعمار الجديد"
في سياق الحديث عن المؤامرة والاستعمار الجديد، أشارت المؤلفة إلى نقطتين، الأولى "أن أغلب جماعات العنف أو الجماعات الجهادية التي تتسم بالإرهاب بدأت جماعات معارضة سلمية تطالب بحقوق قد تكون مشروعة أو مغالِ فيها، وأنها لم تشهر السلاح وتتحول إلى العنف إلا بعدما مورست ضدها ألوان من القهر تصل حد الإبادة"، (ص118).
أما الثانية، فهي أن "الاستعمار الجديد يدفع إلى العنف"، ولعل هذا ما جعل الأفارقة "يستشعرون خطر أن تقع إفريقيا في يد القوى الاستعمارية من جديد"، فالصراعات تفتح الباب للمستعمر فيدخل لتحقيق أهدافه، ومنها: "نشر الفتنِ بين جماعات البلد الواحد، وحماية المصالح والشركات الأوروبية العاملة في إفريقيا، ومواجهة النفوذ الصيني وغيره المتصاعد هناك..".(ص122).
ختمت المؤلفة حديثها عن الحالة النيجيرية بمحور مهم يتعلق بكيفية "الخروج من دائرة العنف"، ومما قالت فيه "إن إفريقيا غارقة في وهن يعجزها عن التقدم والتنمية"، وأكدت أن هذا الوهن يعود إلى خمسة أسباب، هي: "الاستعمار، والصراعات القبلية، والفقر، والجهل، والأمراض المتوطنة".
ولعل السؤال الذي يمكن طرحه في ختام هذا العرض، هو: متى تخرج إفريقيا ـ وليس لا مالي ونيجيريا فقط ـ من هذا الوهن، فتطرد الاستعمار، وتتجاوز الصراعات القبلية، وتهزم الفقر والجهل، وتقضي على الأمراض؟؟
صحفي موريتاني