أثار العثور على مدير
شركة "دايو" الكورية المنفذة لمشروع ميناء "الفاو الكبير" في
البصرة
العراقية، مشنوقا داخل غرفته، تساؤلات عدة حول حقيقة "
انتحاره"،
ومن هي الأطراف المستفيدة من تعطيل تنفيذ الميناء الذي يعول عليه العراقيون كثيرا.
اللافت أن إعلان حادثة
"انتحار"، بارك تشول هوبا، جاء بعد ثلاثة أيام من توقيع السلطات
العراقية مع الجانب الكوري عقدا لبدء تنفيذ مشروع الميناء، حيث قدرت حكومة العراق
السابقة، التكلفة الإجمالية التقديرية لإتمامه بنحو 4.4 مليار يورو.
"مؤامرة كبرى"
وتعليقا على ذلك، قال
عضو لجنة النزاهة البرلمانية العراقية صباح العكيلي لـ"عربي21"؛ إن
"الكثير من العراقيين لم يصدقوا بأن ما جرى حادثة انتحار، إضافة إلى أن ما
تسرب بشكل غير رسمي عن تحقيقات، يوضح أن الأمر ليس انتحارا".
وأضاف العكيلي أن
"
ميناء الفاو، مشكلة لا نرى لها حلا في المستقبل، لأن الخلافات السياسية حول
الموضوع من الممكن أن تجرنا إلى مشكلات كبيرة، لذلك لم نصدق منذ البداية بأن
إنشاءه سيكتمل، ومن ثم فإن إعلان حادثة الانتحار ليس من باب الصدفة، لأسباب
كثيرة وعلى رأسها أن الأمر مرتبط بالميناء نفسه".
وتابع: "بصفتي
محاميا قبل أن أكون نائبا، فإنني مطلع على حوادث من هذا النوع، وأرى أن الوضع العام
للجثة وما ظهر من آثار على أطراف أصابعه، لا يمكن للحادثة أن تكون بدافع شخصي، أو
القول إنه أقدم على الانتحار".
ولفت العكيلي إلى أن
"العراق كما يعرف الجميع حدوده مفتوحة منذ عام 2003، لذلك لا نستبعد أن تدخل
جهات أجنبية ومخابرات دول كثيرة، ولا نستثني من ذلك حتى الأمريكيين، لذلك لا يمكن
ترك الأمر إلى الصدفة أو أن الحادث شيء طبيعي، وإنما هو مؤامرة كبيرة ومدبرة على
مستوى عال، الهدف منه إيقاف المشروع".
وطالب النائب
"الحكومة العراقية بالعمل بشكل جدي للكشف عن ملابسات الحادث، لأن الشخص ضيف
وقد يؤدي الموضوع إلى إرباك سياسي كبير مع دول الجوار، قد يصل إلى أمور لا تحمد
عقباها".
وبخصوص تداعيات الحادث
على إكمال إنشاء ميناء الفاو بالبصرة، قال العكيلي؛ إن "المشروع أصبح حلما
للشعب العراقي حتى يرفع من وضع البلد
الاقتصادي في المرحلة المقبلة، ولا يمكن أن نعطل موضوع بنائه الكبير بسبب الحادثة
هذه".
"عواقب وخيمة"
من جهته، قال المحلل
السياسي غانم العابد لـ"عربي21"؛ إن "ملف ميناء الفاو الكبير حتى
قبل حادثة الانتحار، دار حوله الكثير من اللغط والاتهامات لبعض الأطراف السياسية
العراقية أنها تلقت رشاوى من دولة مجاورة في سبيل تعطيل إنشائه، إضافة إلى وجود
خلافات على المغانم".
وأضاف: لا نستطيع
استباق نتائج التحقيقات لنقول إنه "انتحار" أم "اغتيال"، لكن
في الوقت نفسه علينا ألا ننسى أن البصرة فيها الكثير من المليشيات التي تسيطر
على موانئ الدولة العراقية ومواردها، والتي هي إحدى المشكلات التي تواجهها حكومة
مصطفى الكاظمي.
وأكد العابد أن
"ملف ميناء الفاو ليس ببعيد عن موضوع العراق ككل، فهناك الكثير من الدول ليس
من مصلحتها أن يستقر البلد ويعود لأخذ دوره الطبيعي في المنطقة".
وتابع؛ "لأن ذلك
يمثل خطرا على كثير من الدول على المستوى الاقتصادي والصناعي والتجاري، لأن موقع
العراق الجغرافي بإمكانه ربط آسيا مع أوروبا، ولهذا فإن دولا كثيرة ترى أن نهضة
العراق ستسبب لها خسائر بمليارات الدولارات".
وأشار العابد إلى أن
"هذه الحادثة تعد الثانية من نوعها خلال شهر تقريبا، وذلك بعد إعلان انتحار
موظف فلبيني يعمل في الأمم المتحدة بمدينة كركوك، لكن كثرة هذه الحوادث ستؤثر على
فرص الاستثمار التي هي بالأساس ضعيفة، وتتسبب بأعباء كبيرة على الاقتصاد وستلحق
ضررا الحكومة".
ورأى أن "
كوريا الجنوبية،
بالتأكيد ستطلب بأن تكون حاضرة بالتحقيق الذي تجريه الحكومة العراقية، ولن يكون
مصيره مثلما يحدث مع الاغتيالات التي ترتكبها المليشيات بحق العراقيين، وإنما
سيركز عليه الإعلام الدولي أيضا، حتى تظهر نتائج التحقيق، وإذا تأكد الحادث بأنه
اغتيال، فالعواقب ستكون وخيمة".
ردود رسمية
وعلى المستوى الرسمي،
أعلنت الحكومة العراقية تشكيل لجنة للتحقيق في الحادثة، فيما وصفتها رئاسة البرلمان
بـ"الخطيرة"، مشيرة إلى أن ما يُثير الاستغراب أنها جاءت بعد الإعلان
الرسمي عن قرب البدء بالمرحلة الأولى لإنشاء ميناء الفاو الكبير!
وفي السياق ذاته،
أعربت وزارة النقل العراقية، عن أسفها إزاء حادثة "انتحار" المدير الفني
لشركة "دايو" الكورية المنفذة لمشروع ميناء الفاو الكبير، فيما أكدت
استمرار العمل بالمشروع وعدم توقفه، حسبما أفاد بيان رسمي.
وقالت الوزارة
العراقية؛ "إننا نؤكد استمرار العمل في الميناء، وإن تلك الحادثة لن تؤثر على
المضي قدما فيه"، مشيرة إلى أن "شركة دايو أعلنت من جانبها امتلاكها من
الخبرة والخبراء ما يجعل العمل مستمرا في الميناء".
أما الجانب الكوري،
فقد علّق سفيره لدى العراق، جانغ كيونغ أوك، قائلا؛ إن "السفارة الكورية علمت
في الساعة التاسعة صباح اليوم، بوفاة مدير شركة دايو للإنشاء المنفذة لمشروع ميناء
الفاو الكبير".
وأكد كيونغ أوك في
بيانه أن "السفارة أبلغت بقيام وزارة الداخلية في جمهورية العراق بتشكيل لجنة
للتحقيق في هذه الحادثة المؤلمة، وبدأت هذه اللجنة بالتحقيق بالتعاون مع سلطة شرطة
البصرة، ونحن بانتظار أن تظهر النتائج بعد إكمال التحقيقات".
وفي حديث سابق مع
"عربي21"، قال محافظ البصرة الأسبق القاضي وائل عبد اللطيف؛ إن
"إكمال ميناء الفاو الكبير في البصرة، يعد نهاية جميع الموانئ في جبل علي
(الإمارات) والكويت وإيران، لأن العراق عندما يستكمل الميناء، سيمد خط سكك حديدية
إلى منطقة المعقل في البصرة، التي فيها خط سككي يصل إلى أوروبا وتحديدا
ألمانيا".
وأكد عبد اللطيف أنه
"لا يوجد دولة تملك هذه الميزة في الشرق الأوسط سوى العراق. والميزة الأخرى
التي يتمتع بها ميناء الفاو، هي أن العمق الغاطس يصل إلى أكثر من 20 مترا، وبذلك
يتحمل أضخم البواخر. والأمر الآخر امتداده باتجاه البحر، وليس إلى المنعطفات
الداخلية التي تستغرق وقتا في مسيرة البواخر".