بات من المؤكد أن
لبنان دخل
غرفة الإنعاش على المستويات كافة، في ظل تصلب جميع الأطراف اللبنانيين عند مواقفهم
لمدة ثلاثة أسابيع دون الوصول إلى حل، بالرغم من الدفع الفرنسي الهائل، وبالرغم من
المبادرات التي خرجت من أطراف أساسية وشريكة في عملية التأليف، لتكون كاسحة ألغاما أمام
المطبات التي هي حتى الساعة دائرة على وزير هنا وحقيبة هناك، وميثاقية ضائعة بين
مصالح الطوائف وأدوار متراوحة من إقليمية تعطيلية من هنا وعقوبات خارجية من هناك، غير أن الناظر يرصد مجموعة ملاحظات يجب التوقف عندها:
أولا: أصبحت الحكومة العتيدة
مولودة ميتة سريريا بعد كثرة الطباخين فيها.
ثانيا: أضحى الوقت المستهلك رغم
ضيقه في فجوة مع المبادرة الفرنسية، حيث بات حسب الحقل بعيدا عن حساب البيدر، كما
في المثل اللبناني الشهير.
ثالثا: سقطت الأضواء عن قيمة
المبادرة الفرنسية في جوهرها لعدم تحقيقها خرقا في شكل الحكومة العتيدة وتركيبتها،
بفعل عدم إمكانية التأليف خارج توليفة الأحزاب ظاهرا أو ضمنيا.
رابعا: الكل يتحدث عن قدرة
اللاعب الإيراني في الساحة اللبنانية وعدم الحماسة للدخول في البازار اللبناني مع
الحكومة الفرنسية أو إعطائه إشارة مرور حكومية، حيث الفرنسي برأي الكثيريين وسيط
للأمريكان بالرغم من الزيارتيين للرئيس ماكرون للبنان. فالمقايضة أولى مع السيد الأمريكي
وأفعل وأقوى، وقد تكون مربحة في أكثر من ساحة، من لبنان إلى بغداد وغزة وصنعاء،
وآفاق أسواق النفط القادمة عند التسوية في ظل "كوفيد 19".
ولكن السؤال الكبير: من سيكون
سيد البيت الأبيض القادم؟ ففيما لو كان ترامب فمن الأجدى أن تكون المقايضة جزئيا
الآن على بعد أربعين يوما من الانتخابات الأمريكية المزمعة في تشرين الثاني/
نوفمبر القادم، وتاليا هل يبقى تمديد الوقت قائما حتى تاريخه بفعل حجج آنيّة
وظرفية وطائفية ومذهبية؟ فلا الطائفة السنية ومن خلفها الفرنسيون يخسرون رهان
التكليف للرئيس مصطفى أديب، ولا الطائفة الشيعية ومن خلفها دول محور المقاومة تخسر
إمكانية المقايضة في قابل الأيام. ولكن ماذا عن المسيحيين ودوروهم، وتحديدا رئيس
البلاد، أحد المعنيين الأساسيين في عملية التأليف العالقة في أسنان المنطقة
الشائكة، في وقت مهدور دون جدوى ويستنفد ما تبقى من عهد للرئيس اللبناني؟
خامسا: أين الأمريكان من كل ما
يجري، خاصة إذا استذكرنا العقوبات الأمريكية التي طالت طرفين أساسيين مقربين من
حزب الله، أحدهما الوزير علي حسن خليل ومن ورائه الرئيس نبيه بري، حيث قال بيان
حركة أمل بوضوح إن الرسالة وصلت، لكن ترى ما فحوها وأبعادها؟ وإلى أين مدها؟ وما
المقايضة المطلوبة من حزب الله؟ والآخر الوزير يوسف فنيانوس ومن ورائه نور عيون
المقاومة الوزير سليمان فرنجية، المرشح الدائم للرئاسة، في إنذار أمريكي له لإعادة
تموضعه في مكان جديد، إذا كان ما زال يطمح إلى المقام اللبناني الأول. وخلف كل
هؤلاء رسالة واضحة إلى الوزير جبران باسيل في لعبة العصا والجزرة.
سادسا: هل يدرك الأمريكان
المعنيون بملفات الترسيم والثروات النائمة بالبحر بفعل قرارت المنع الدولي؛ معنى
عدم وجود حكومة؟ وهل يستطيعون المضي بملفات الترسيم للحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي
في ظل الحكومة القائمة، وهي حكومة تصريف أعمال وليست حكومة فاعلة في موضع
المسؤولية القانونية للمفاوضات وإبرام صفقات؟ علما أن شظايا العقوبات والتهديدات
الأمريكية طالت المعني الأول بملف الترسيم، رئيس البرلمان نبيه بري. وتاليا، كيف
السبيل لإنجاز حكومة والضغط الأمريكي على ما يبدو آنيّا غير قابل للرجوع؟
سابعا: أين دور المملكة العربية
السعودية ودورها المحوري في لبنان؟ هي ومعها دول خليجية فاعلة كانت لها الأيدي
البيضاء من الطائف إلى الدوحة؟ ولم هذه الانكفاءة السعودية قبل خروج خادم الحرمين
بكلام واضح المعالم كثير الدلالات في وجه حزب الله ودوره في لبنان والمنطقة؟ والأخطر
حول السياق السعودي في اتهامات تحوم في انفجار المرفأ؟ وهنا يطرح السؤال: أين أصبحت
تحقيقات المرفأ بعد ما يفوق الأربعين يوما؟!
ثامنا: بعد كلام البطريرك
الماروني وصرخاته الواسعة المدى، ما هي العلاقة بين بعبدا وسيدها؛ وبكركي وسيدها،
وانعكاساتها في حال انحلت العقدة الشيعية الحكومية من المالية إلى التسمية؟ ترى هل
ستطفو على الواجهة العقدة المسيحية وممثليها في الحكومة العتيدة؟ وماذا عن حصة
الرئيس؟
تاسعا: كيف السبيل لعودة روح
الدفع للحكومة والحديث قائم عن جهنم اللبنانية وأخواتها بعد أن تفرغ خزينة الدعم
من جيوب الناس وأموالهم المودعة لدى المصارف والمصرف المركزي لدعم السلع الأساسية،
حيث صرخة الدواء والماء والكهرباء والمحروقات ورغيف الخبز الممزوج بالذل يوميا؟ فهل
سنرى خلال شهر ونيف انقطاع الدواء؟ أو وصوله لأسعار خيالية لا يستطيع المريض تحملها؟
وهل سنكون أمام فاتورة مولدات بمليون ليرة لعشرة أمبيرات مثلا؟ أم ستكون ربطة
الخبر بعشرة آلاف؟! وهنا السؤال: ماذا عن معاشات تآكلت بما يفوق الثمانين في
المئة؟!
عاشرا: أين الناس في حسابات كل
المعنيين بالتأليف وهم يرون اللبنانيين يركبون بواخر الموت، في مشهد يعيد للذاكرة
الطفل السوري إيلان الذي قضى هاربا من الصواريخ والحرب، بينما الهاربون من لبنان
هاربون من جهنم الجوع والعوز؟
لا شك في أن القادم من الأيام
ينتظر رجال دولة حقيقيين، يحملون حلولا مجدية وسريعة قادرة على انتشال اللبنانيين
من واقعهم المرير، خاصة أن حماسة بعض الغرب باتت ظاهرة للمساعدة أكثر من أي وقت
مضى، وأضحت أكثر إلحاحا من بعض الساسة أصحاب الشأن أنفسهم . فهل هناك من يدرك أن
ترف الوقت مضى منذ زمن طويل؟!