قبل عشرة أيّام تقريباً، وخلال زيارته للولايات المتّحدة، أعلن رئيس الوزراء العراقيّ مصطفى
الكاظمي عن مشروع "الشام الجديد". وبعد عودته من واشنطن بأقلّ من 24 ساعة، تمّ ترتيب الاجتماع الأبرز بين دول المشروع،
العراق والأردن ومصر، في العاصمة الأردنيّة، عمّان، وهو مشروع غير واضح المعالم والأهداف، ولا يتّفق مع الواقع العراقيّ غير المستقرّ أمنيّاً وسياسيّاً وشعبيّاً!
تاريخيّاً تضمّ بلاد الشام عدّة دول، وهي: سوريّا ولبنان والأردن وفلسطين التاريخيّة، لكن يبدو أنّ
مشروع "الشام الجديد" لم يضمّ إلا الأردن، وتجاهل بقيّة الدول لأسباب سياسيّة وأمنيّة وأخلاقيّة وغيرها!
المشروع ليس جديداً، حيث سبق لرئيس الوزراء العراقيّ السابق حيدر العبادي أن طرحه قبل بضع سنوات، ولاحقاً أطلقت الدول الثلاث آليّة للتعاون بدأت من القاهرة في آذار/ مارس 2019، بحسب تقرير نشرته "سبوتنيك".
مشروع "الشام الجديد" يهدف لربط
العراق ومصر عبر الأردن، ويركّز على التعاون الاقتصاديّ والتجاريّ بين البلدان الثلاثة في" خطّة ستكون تدفّقات رأس المال فيها أكثر حرّيّة، وتكون نسخة مصغّرة عن الاتّحاد الأوروبّيّ"!
وقد كشف القيادي في ائتلاف النصر العراقيّ، عقيل الرديني، أنّ "المشروع العملاق يقوم على أساس أنّ مصر تمثّل كتلة بشريّة والعراق كتلة نفطيّة، والأردن دخل على الخطّ للاستفادة من خدمات كليهما".
لا شكّ أنّ المشروع مهمّ وحيويّ، لكن حينما يكون العراق هو الدولة المُقْتَرِحة للمشروع فهذا يجبرنا على وضع عشرات علامات الاستفهام والتعجّب، ذلك لأنّ حكومة الكاظمي لم تُثبت حتّى الآن قدرتها على بسط هيبة الدولة والقانون، وبعض المليشيات، حتّى الساعة، تتحدّى الدولة وتطلق الصواريخ بشكل شبه مستمرّ على مطار بغداد والمنطقة الخضراء. فكيف يمكن، في ضوء هذا الواقع الهشّ سياسيّاً وأمنيّاً، أن تُرتب مثل هكذا مشروع بحاجة إلى أمن واستقرار واضحين؟
ثمّ كيف يمكن لحكومة بغداد أن تضبط مسار أنبوب النفط الذي سيمتدّ من البصرة حتّى الحدود الأردنيّة، ولأكثر من 1200 كيلو متراً، وهذا الأنبوب هو جوهر المشروع، وغالبيّة المدن التي سيمرّ عبرها لا تمتلك الدولة سيطرة تامّة عليها؟
حقيقة لا ندري ما هي الغايات الدقيقة لهذا المشروع، وهل فعلاً يُراد منه سحب العراق من الحضن الإيرانيّ وإعادته للواحة العربيّة، أم أنّ للمشروع جملة من الأهداف والغايات السياسيّة الاستراتيجيّة الكبيرة الأخرى، وربّما سنرى بعض مقدّمات هذه الأهداف مع سباق الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة بعد أقلّ من شهرين؟
إيران لديها اليوم تبادل تجاريّ مع العراق يتجاوز العشرين مليار دولار سنويّاً، وهو ما يعادل عشرة أضعاف التبادل التجاريّ العراقيّ مع الأردن ومصر مجتمعتين!
بعض المحلّلين السياسيّين يقولون إنّه في مرحلة التوافق على مجيء الكاظمي لرئاسة الحكومة تمّ الاتّفاق على أن تكون سياساته متوازنة ومقسّمة إلى ثلاثة أقسام: ثلث للعراق، وثلث لإيران، وثلث لأمريكا!
وأتصوّر أنّ تحرّكات الكاظمي الأخيرة، ربّما، تدفعنا للقول بأنّه يحاول تقسيم سياساته لأربعة أرباع، بحيث يكون رُبعها للعراق، وربعها الآخر لإيران، وربعها الثالث لأمريكا، وربعها الأخير للعرب!
لكنّ السؤال الأصعب والأبرز: هل سينجح الكاظمي
في مهمّته، وهل ستتركه القوى الداخليّة والخارجيّة المستفيدة من تغولها في المشهد العراقيّ لينفتح على المحيط العربيّ؟
وهل ستسمح إيران للكاظمي، عبر أذرعها الفاعلة في البرلمان والشارع العراقيّين، بأن يكمل مسيرة الانفتاح على العرب، والتي ستجهض صفقات الوقود والطاقة الإيرانيّة مع العراق، وكذلك كساد المئات من شركاتها وبضائعها المُعتمدة على السوق العراقيّ؟
بتقديري موقف الكاظمي صعب جداً!
خلاصة القول نحن نأمل أن يكون مشروع "الشام الجديد" بداية لانفتاح عراقيّ نحو المنظومة العربيّة، وأن يكون للعرب الحصّة الأكبر من التبادل التجاريّ، وأن تحظى الشركات العربيّة بحصّة الأسد في مشاريع الإعمار المرتقب في "العراق الجديد"!
لكنّ أرى أنّ بلاد الرافدين بحاجة لمشروع "عراق جديد" خال من أيّ كيان، أو شخصيّة متّهمة بقتل العراقيّين، وتكون فيه القوّة والسيادة للقانون، ويقوم على ثوابت وقواعد حقوق الإنسان وحفظ كرامته في ظلّ نظام عادل لا يفرّق بين المواطنين بأيّ حال من الأحوال، ثمّ يمكن بعدها أن ننطلق لترتيب المشاريع الخارجيّة المتنوّعة، وبخلاف ذلك فكلّ المشاريع التي لا تبدأ من ترتيب البيت العراقيّ هي مشاريع وهميّة وعبثيّة!
twitter.com/dr_jasemj67