التدخّل
الأجنبيّ الخارجيّ في الشؤون العراقيّة، والتحكّم الداخليّ ببعض مفاصل الدولة رغما
عن حكومة محمد شياع السوداني؛ من أبرز مميزات المرحلة الحاليّة.
ويتحدّث
السوداني باستمرار، وبثقة كبيرة، عن القرار العراقيّ المستقلّ، ولكنّ تقرير معهد "واشنطن
لسياسة الشرق الأدنى"، الصادر في الثالث من كانون الأوّل/ ديسمبر 2024، تطرّق
لقضيّة عراقيّة داخليّة بحتة، وكان العنوان لافتا بعنوان: "كيف يمكن لواشنطن
إنقاذ جهاز مكافحة الإرهاب في
العراق؟".
التقرير
الذي أعدّه "مايكل نايتس" المتخصّص في الشؤون العسكريّة والأمنيّة
للعراق وإيران، تناول الخضوع لاختراقات المليشيات المدعومة من إيران، والتسييس،
والفساد الذي أضعف "جهاز مكافحة الإرهاب"، رغم التمويل الأمريكيّ السخيّ!
عراقيّا،
يُعرف "جهاز مكافحة الإرهاب" باسم "الفرقة الذهبيّة"، ويحصل
أفراده على رواتب تُقارب ضعفي رواتب الجنود العاديّين، وكان يقوده الفريق الأوّل
ركن عبد الوهاب الساعدي، قبل إقالته بداية تشرين الثاني/ نوفمبر 2023!
أين هو القرار الوطنيّ العراقيّ المستقلّ، ونحن نتابع هذا الخطاب الفوقيّ الآمر بالعمل ضمن السياقات الأمريكيّة؟ وكيف يمكن لحكومة بغداد أن تقول بأنّ العراق يمتلك "إرادة حرّة ومستقلّة"، وهذا التقرير تَصدّى لتفاصيل مرهقة ومؤكّدة للتدخّلات الأمريكيّة في الشؤون الأمنيّة الدقيقة والحسّاسة؟
وأكّد التقرير الأمريكيّ أنّ تدهور "الجهاز" يُهدّد أمن
العراق، وقد يُعيد سيناريو العام 2014، نتيجة لعزل قيادات "الجهاز"
العليا في العام 2023، وتحويل الذخائر الأمريكيّة المقدّمة "للجهاز" إلى
الحشد الشعبيّ، وأيضا لتدريب "الجهاز" لقوّات من الحشد خلافا للاتّفاقيّات
الأمريكيّة- العراقيّة، وكذلك منح "الجهاز" 12 مليون دولار من ميزانيّته
لعام 2023 لشركة "مملوكة للفصائل"!
وفي
دلالة واضحة على غياب القرار الوطنيّ العراقيّ، قال التقرير؛ إنّ واشنطن اعترضت على
تعيين ضابط لمنصب رئيس استخبارات "الجهاز"، بسبب "علاقاته الأسريّة
الوثيقة بالفصائل"!
وخُتم
التقرير بمطالبة العراق بضرورة تشكيل قيادة جديدة "للجهاز"؛ بدءا من
القمّة، لاستعادة ثقة واشنطن، وتدقيق بغداد بالاستخدام النهائيّ للأدوات والأموال
الأمريكيّة المقدّمة "للجهاز"!
فأين
هو القرار الوطنيّ العراقيّ المستقلّ، ونحن نتابع هذا الخطاب الفوقيّ الآمر بالعمل
ضمن السياقات الأمريكيّة؟ وكيف يمكن لحكومة بغداد أن تقول بأنّ العراق يمتلك "إرادة
حرّة ومستقلّة"، وهذا التقرير تَصدّى لتفاصيل مرهقة ومؤكّدة للتدخّلات
الأمريكيّة في الشؤون الأمنيّة الدقيقة والحسّاسة؟
ثمّ
هل العراق الغني بموارده الطبيعيّة الضخمة، بحاجة لـ22 مليون دولار أمريكيّ، قيمة
التمويل الأمريكيّ السنويّ "للجهاز" -الذي سينخفض خلال العام 2025 إلى
9.3 مليون دولار-، لتكون سببا للتحكّم بمؤسّسات أمنيّة مفصليّة، أم إنّ الأمور لا
حيلة للعراق فيها؟
ومقابل
"التعليمات الأمريكيّة" الصريحة لحكومة السوداني، قال زعيم منظّمة بدر، هادي
العامري، حول أحداث
سوريا: "الهجوم خير وسيلة للدفاع، ومن غير
الصحيح أن نبقى نترقّب التصعيد من بغداد"!
فمَن الذي يُدير الحكومة: السوداني، أم زعماء الفصائل والإطار التنسيقيّ بقيادة نوري المالكي، الذي أكّد أنّ "الجولاني دعا إلى "عدم دخول الحشد إلى سوريا، لكنّنا لسنا
على الحياد، وسنقاتل في أيّ مكان دفاعا عن الإسلام والمسلمين"؟!
وفي
المقابل، صرّح السوداني يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2024: "لن نقف متفرّجين
تجاه أحداث سوريا، ولن نرسل 45 مليون عراقيّ للمجهول"! فهل العراق يريد
أن يؤدي الأدوار السلميّة والحربيّة بذات التوقيت، وهذا الدور لا تقوم به إلا
الدول الكبرى؟
ومع
ذلك، لاحظنا في الخامس من كانون الأوّل/ ديسمبر الحاليّ، أنّ القوى المالكة للسلطة من
"الإطار التنسيقيّ"، أعلنوا عن "مبادرة عراقيّة لدعوة الدول المعنيّة
بالأزمة السوريّة لاجتماع عاجل ببغداد"! ولكنّها لم تر النور!
والمبادرة
يمكن قبولها من باب احتماليّة انتقال "تجربة التغيير" السوريّة للعراق،
ولكن ما لا يمكن تقبّله، هو لماذا لا تفتح القوى الحاكمة أبواب التفاهم والمصالحة
مع المعارضة العراقيّة المنتشرة في أرجاء الأرض، قبل أن تحاول ترميم الدول الأخرى؟
ثمّ
أليس من المنطق والحكمة أنّ الدول التي تُطلق مثل مبادرات كهذه، أن تكون "مُتْخمة"
بالأمن والأمان، ولا تعاني من هموم أمنيّة كبيرة كما في حالة العراق، الذي دخل مرحلة
الإنذار منذ بداية الأحداث السوريّة وحتّى اللحظة؟
العراق، بعد نهاية الأسد، يعيش أصعب مراحل الترقّب من القادم المبهم! فمَن يبني حُكْمه على الظلم والرعب، سيعيش بدوّامات الخوف والتكهّن؛ لأنّ الظلم لا يدوم، والدول لا تُعمّر بالقهر والحديد والنار.
والعجيب، أن جميع هذه المواقف الحماسيّة المتداخلة تغيّرت بعد سقوط الأسد، وصارت تتحدّث عن
احترام إرادة السوريّين!
حالة
التناحر في القيادة والمسؤوليّات في العراق، تشير إلى احتماليّة خروج الأمور من يد
السوداني، وقد نشهد في الأيّام القليلة المقبلة تحرّكات عسكريّة عراقيّة، داخليّة ومناوشات
حدوديّة مع سوريا بعد سقوط الأسد، بحجّة الهجوم خير وسيلة للدفاع، وفقا لكلام
العامري!
وبموجب
هذه الدلائل المؤكّدة للتدخّلات الخارجيّة والمناحرات الداخليّة، أين السيادة
العراقيّة، وأين الحكومة المنتخبة؟
ومع
جميع هذه الظروف الغامضة، نأمل ألّا يكون تصريح مستشار الأمن القوميّ الأمريكيّ "جيك
سوليفان"، يوم 7 كانون الأول/ ديسمبر
2024، بأنّهم "قلقون من انتقال الصراع في سوريا إلى الخارج"، يقصد به
العراق، وحينها سنكون في مواجهة مصير مظلم وغامض ومجهول وفوضوي!
ويبدو
أنّ لقاء ممثّل الأمم المتّحدة في العراق، محمد الحسان، بالمرجعيّة الدينيّة في
النجف، الخميس، حمل العديد من رسائل التحذير، وأبرزها التحذير من ذهاب العراق إلى "الفوضى
في ظلّ الأوضاع الحرجة والمتسارعة في المنطقة"، و"ألا يكون العراق ساحة
لتصفية الحسابات"!
العراق، بعد نهاية الأسد، يعيش أصعب مراحل الترقّب من القادم المبهم! فمَن يبني حُكْمه
على الظلم والرعب، سيعيش بدوّامات الخوف والتكهّن؛ لأنّ الظلم لا يدوم، والدول لا تُعمّر
بالقهر والحديد والنار.
x.com/dr_jasemj67