لا تزال الأجيال تردد بعنفوان وعاطفة جياشة قصيدته التي غناها مارسيل خليفة قبل نحو 36 عاما: "منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي.. في كفي قصفة زيتون.. وعلى كتفي نعشي".
يعد من الشعراء القلائل الذين ارتبط شعرهم بالمقاومة والقضية الفلسطينية..
تميز سميح القاسم عبر مسيرته الأدبية بغزارة إنتاجه الأدبي وتنوعه، فقد شملت أعماله الأدبية النثر والشعر والقصص والمسرح والتوثيق وفنون أخرى.
ولد سميح القاسم في مدينة الزرقاء بالأردن عام 1939 لعائلة من "الموحدين الدروز"، وهو أصلا من قرية الرامة في الجليل الأعلى شمالي مدينة عكا على الساحل الفلسطيني.
كان والده ضابطا في قوة حدود شرق الأردن، وحين كانت العائلة في طريق العودة إلى فلسطين في القطار أثناء الحرب العالمية الثانية بكى الطفل سميح فخاف الركاب أن تهتدي إليهم الطائرات الألمانية وبلغ بهم الذعر درجة التهديد بقتل الطفل إلى أن اضطر الوالد إلى إشهار سلاحه في وجوههم لردعهم، وحين رويت الحكاية لسميح قال: "حسنا لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم، سأتكلم متى أشاء وفي أي وقت وبأعلى صوت، لن يقوى أحد على إسكاتي".
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة "راهبات اللاتين" وفي مدرسة الرامة، ثم تابع دراسته في مدينة الناصرة في "كلية تراسنطة"، ثم في "الثانوية البلدية".
عمل في بداية حياته مدرسا، ثم انصرف لمزاولة النشاط السياسي في "الحزب الشيوعي" قبل أن يترك الحزب ليتفرغ لعمله الأدبي.
أسهم في تحرير صحف "الغد" و"الاتحاد"، ثم ترأس تحرير صحيفة "هذا العالم" عام 1966. عاد بعدها للعمل محررا أدبيا في "الاتحاد" و"الجديد" ثم رئيس تحريرها. وأسس منشورات "عربسك" في حيفا عام 1973، وأدار فيما بعد "المؤسسة الشعبية للفنون" في حيفا.
وترأّس تحرير الفصلية الثقافية "إضاءات" التي أصدرها بالتعاون مع الكاتب نبيه القاسم. وكان رئيس التحرير الفخري لصحيفة "كل العرب" الصادرة في الناصرة.
كما ترأس "اتحاد الكتاب العرب" و"الاتحاد العام للكتاب العرب الفلسطينيين" في فلسطين منذ تأسيسهما.
سجن سميح القاسم أكثر من مرة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي كما وضع رهن الإقامة الجبرية والاعتقال المنـزلي وطرد مِن عمله مرات عدة بسبب نشاطه الثقافي والتنويري والسياسي وواجه أكثر مِن تهديد بالقتل.
قاوم التجنيد الإلزامي الذي فرضه الاحتلال على أبناء الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها، وأسس حركة "الشبان الدروز الأحرار" في أواخر الخمسينات لمناهضة السياسة الإسرائيلية إزاء العرب.
يعتبره النقاد شاعرا "مُكثرا" فما أن بلغ الثلاثين حتى كان قد نشر ست مجموعات شعرية حازت على شهرة واسعة في العالم العربي.
صدر له أكثر من 73 كتابا في الشعر والقصة والمسرح والمقالة والترجمة، وصدرت أعماله في سبعة مجلدات عن دور نشر عدة في القدس وبيروت والقاهرة وعمان.
ترجم عدد كبير من قصائده إلى أكثر من 14 لغة.
كتب سميح القاسم أيضا العديد من الروايات، ومن بين اهتماماته كان إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية عالمية كما يحمل في الوقت نفسه رسالة سياسية قادرة على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
حصل سميح القاسم على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف في عدة مؤسسات. فنال جائزة "غار الشعر" من إسبانيا، وحصل على جائزتين من فرنسا عن مختاراته التي ترجمها إلى الفرنسية الشاعر والكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي. وحصل على جائزة البابطين، وحصل مرتين على "وسام القدس للثقافة" من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وحصل على جائزة نجيب محفوظ من مصر، وجائزة "السلام" من واحة السلام، وجائزة "الشعر" الفلسطينية.
صدرت في الوطن العربي وفي العالم عدة كتب ودراسات نقدية، تناولت أعمال الشاعر وسيرته الأدبية وإنجازاته وإضافاته الخاصة، وترى الشاعرة والباحثة والمترجمة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، أنه الشاعر الوحيد الذي تظهر في أعماله ملامح ما بعد الحداثة في الشعر العربي.
وأطلق عليه عدد من الأدباء ألقابا عدة من بينها "هوميروس من الصحراء" وفقا للكاتب سهيل كيوان، فيما اعتبرته الشاعرة والباحثة رقية زيدان "قيثارة فلسطين" و"متنبي فلسطين".
وقال عنه الشاعر والناقد المتوكل طه بأنه "شاعر العرب الأكبر"، ووصفه الكاتب محمد علي طه بـ"شاعر العروبة بلا منازع وبلا نقاش وبلا جدل". ويؤكد الكاتب والناقد نبيه القاسم إنه "الشاعر المبدع، المتجدد دائما والمتطور أبدا."، فيما اكتفى الناقد المصري رجاء النقاش بالقول عنه أنه "شاعر الغضب الثوري"، ويعدد الأكاديمي والباحث والناقد عبد الرحمن ياغي ألقابه ومنها "شاعر الملاحم"، و"شاعر المواقف الدرامية" و"شاعر الصراع".
كان سميح القاسم يؤمن أننا كشعب عربي بالعموم، وكشعب فلسطيني على وجه الخصوص، لابد أن ندرك أن الثقافة هي "خندقنا الأخير".
يضيف في حديث صحافي نشر قبل وفاته بفترة قصيرة: "ليس لدينا سلاح طيران، ولا دبابات، ولا نفط، ولا نحاس، ولا ذهب، ولا حديد. ليس لدى شعبنا إلا ثقافته، واعتزازه بتاريخه، وثقته بعدالة قضيته، فنحن ضحايا عدوان".
كان يرد على من ينسب نجومية الشاعر إلى شعر المقاومة وشعر القضية بقوله: "حلوا قضيتي وقضية شعبي وروحوا بستين داهية انتو والشعر".
يضيف: "نحن لم نصنع الكارثة لنكتب شعر مقاومة وشعر قضية. ما به شعر الحب والمرأة والطبيعة، لكن حين نسحق بحذاء جندي أجنبي لابد أن نصيح. قصيدتنا هي آهاتنا وهي وسيلتنا في رفض الدوس بالحذاء.. ما نريده أن نعيش أحرارا كبقية شعوب الأرض. حين نتحرر في فلسطين ونتخلص من آثار جريمة "سايكس بيكو"، لن يعود هناك مبرر لكتابة شعر المقاومة".
يوضح وجهة نظره بقوله: "حينها قد يكون عمري ربما 200 أو 220 سنة، وسأبحث آنذاك عن "صبية حلوة" لأكتب شعر الغزل فيها. شعر المقاومة والقضية ضرورة تاريخية، ما دام هناك احتلال وعنصرية وعنف وديكتاتوريات وطاغوت. شعر المقاومة ليس فقط ضد الاحتلال، بل ضد الطاغوت العربي، وضد التخلف والجهل، وضد ما أسميه "الجاهلية الجديدة". جميع أدباء التاريخ كانوا يتحدثون عن قضاياهم الوطنية، فلماذا تحلل لهم وتحرم علينا. ذات مرة هاجم ناقد فرنسي فيكتور هوغو لـ"كثرة حديثه عن الشعب"، فرد عليه هوجو بسؤال استنكاري مفاده "وهل الشعب قافية رديئة!".
توفي سميح القاسم بعد صراع مع مرض سرطان الكبد الذي داهمه مدة 3 سنوات والذي أدى إلى تدهور حالته الصحية في الأيام الأخيرة حتى وافته المنية في 19 أب/ أغسطس عام 2014.
رحل سميح عنا، كما يقول الشاعر والكاتب زكريا محمد، تاركا لنا تراثا ضخما مكونا من عشرات المجموعات. وربما كان علينا الآن نحن أن ننقي هذه المجموعات. أن "نستخرج ذهبها". علينا أن نصنع من كل هذه المجموعات مختارات تساوي ثلاث أو أربع مجموعات، ونقول: "هذا هو سميح القاسم الحقيقي. هذا هو لهبه. وهذه هي ناره".
وقد عجز الشاعر عبد الرحمن الأبنودي عن وصف رحيل سميح القاسم، فقال في تصريح صحافي: "لم تعد الكلمات تصلح للرثاء.. كلمات الرثاء القليلة ظلم للكيانات الكبيرة أمثال سميح القاسم ومحمود درويش.. حقا فجعني نبأ رحيل القاسم".
وتابع: "أعتقد أن سميحا رحل متألما متمزقا بسبب ما يحدث في غزة، ولكن تظل أشعاره هو ودرويش قنديلا يضيء الأمة العربية وليس فلسطين فقط".
تاريخ الرياضة الفلسطينية.. "على هذه الأرض مايستحق الحياة"
النكبة واتجاهات تطور المتاحف الفلسطينية
فنان تشكيلي أردني: تربطني بكل شهيد في فلسطين علاقة وجدانية