الرئيس ميشال عون كان يعلم، ورئيس الوزراء حسان دياب أيضا كان يعلم، ومع ذلك لم يحركا ساكنا حتى حلت الكارثة! هذا ما أظهرته وثيقة أكدت تحذير جهاز أمن الدولة اللبناني الرئيس ورئيس وزرائه الشهر الماضي من أن وجود 2750 طنا من نترات الأمونيوم في مخزن بمرفأ بيروت يمثل خطرا أمنيا؛ ربما يدمر العاصمة بأسرها إذا انفجرت تلك المواد.
وبعد ما يزيد على أسبوعين من التحذير حلت الكارثة ووقع الانفجار الهائل الذي محا معظم المرفأ، وأسفر عن مقتل 171 شخصا وإصابة ستة آلاف آخرين، ودمر حوالي ستة آلاف بناية.
كثيرة هي مشاهد تلك اللحظة، لأناس طبيعيين يمارسون حياتهم من أعمال روتينية؛ أو مواعيد خصّوا بها هذا اليوم لتكون ذكرى جميلة مختزلة لا تُنسى تفاصيلها، وهذا ما كان فلن ينسوه بل لن ينساه العالم والتاريخ!
كثيرة هي مشاهد تلك اللحظة، لأناس طبيعيين يمارسون حياتهم من أعمال روتينية؛ أو مواعيد خصّوا بها هذا اليوم لتكون ذكرى جميلة مختزلة لا تُنسى تفاصيلها، وهذا ما كان فلن ينسوه بل لن ينساه العالم والتاريخ!
فهذه
عروس تلتقط الصور بثوب زفافها، وذك والد يهدهد طفله، وفتاة تلعب مع صديقتها، وطفل ينتظر تمريرة بالكرة، أو
قس في كنيسته يمارس صلواته، ومصل في محرابه، وبائع في دكانه، وآخر يجلس على شرفة منزله وقد التقط للتو هاتفه يصور الأدخنة المتصاعدة من المرفأ البعيد عن منزله والذي يكاد يراه من بيته في الطابق العشرين، ليتحول من مجرد مراقب إلى ضحية.
طالهم التفجير رغم بعد المكان.. في لحظات تغير كل شيء وأصبحت المدينة المبتسمة حزينة، وباتت بيروت أسيرة جراح فتحت وقد لا تندمل.
رحم الله من مات وشافى من جرح، وأعان من تشرد وتدمر بيته أو انهار محله التجاري، وألهم الجميع الصبر وحسن العزاء. ولكن إن عدنا إلى أصل الحكاية أو قل الكارثة: فقد تطورت بين يدي زيارة مفترضة لرئيس الوزراء حسان دياب يتفقد بها المكان، حينها قام الجهاز المعني بصيانة المكان، وتحديدا العنبر رقم 12، باستقدام فريق من العمال السوريين البسطاء دون أي إشراف هندسي أو وقائي، وأثناء عملهم لإصلاح الأبواب المعدنية انطلقت شرارة من شرر أعمال اللحام المتطاير خلال الإصلاح فتحولت الشرارة إلى حريق ثم استعرت نيرانا أكلت كل ما في طريقها من بشر أو شجر أو حجر!
لا أحد يعرف ما حل بأولئك العمال أو يكترث لهم فيما يبدو، وكم من مغلوب على أمره لا يكترث له أحد في زماننا الذي باتت تحكمه شريعة الغاب. أكاد أتخيل قلب أم ذلك العامل السوري الذي كان أول الضحايا غالبا
ولا أحد يعرف ما حل بأولئك العمال أو يكترث لهم فيما يبدو، وكم من مغلوب على أمره لا يكترث له أحد في زماننا الذي باتت تحكمه شريعة الغاب. أكاد أتخيل قلب أم ذلك العامل السوري الذي كان أول الضحايا غالبا، وقد لا يكون عندها خبر بما حل لابنها، ولا زالت كل صباح تنتظر عودته محملا بالأرزاق والهدايا!
قصص المعاناة وحجم ما حل بالضحايا وذويهم، من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين وجنسيات أخرى، أكبر من أي وصف. هناك حديث عن ثمانية مسعفين لا يعثر لهم أحد على أي أثر على الإطلاق، ويبدو أن تلك المواد شديدة الخطورة قد أذابت أجسادهم بشكل تام!
مسؤول أمني أكد أن تخزين مفرقعات في العنبر نفسه تسبب بحريق آخر أكبر؛ امتد إلى المادة الخطرة التي انفجرت بشكل هائل عندما تجاوزت درجة الحرارة 210 درجات.
التقصير والإهمال مع سوء الإدارة والتخزين اجتمعوا معا ليفجروا كل شيء في البلاد، ويستيقظ اللبنانيون على كارثة هي الأفظع في تاريخهم المعاصر، والنتيجة أن حسان دياب قدم استقالته! استقالة لا معنى لها ما دام رئيس الجمهورية ميشال عون لم يقدم استقالته
التقصير والإهمال مع سوء الإدارة والتخزين اجتمعوا معا ليفجروا كل شيء في البلاد، ويستيقظ اللبنانيون على كارثة هي الأفظع في تاريخهم المعاصر، والنتيجة أن حسان دياب قدم استقالته! استقالة لا معنى لها ما دام رئيس الجمهورية ميشال عون لم يقدم استقالته، واللبنانيون جميعا يعلمون أن دياب لم يكن "لا للعير ولا للنفير" كما يقال، وليس له من الأمر شيء، وعليه فإخراجه كبش فداء لإنقاذ غيره لن يحل المشكلة ولن يهدئ من غضب اللبنانيين.
من الطبيعي أن يحاول كل فريق إزاحة النيران عن قرصه وإلقاء اللائمة على غيره، ولكن ما لا شك به أن بقاء نفس الوجوه في المشهد ودوام نفس الأشخاص في القيادة سيعيق أي حل وسيمنع أي بارقة أمل بإصلاح، وعليه وجد اللبنانيون أنفسهم من جديد في الميدان يكررون الشعار الذي رفعوه من قبل: "كلن يعني كلن"، لا نستثني منهم أحدا.