نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا، قالت فيه إن الشرطة الإيطالية ألقت اللائمة في الاتجار في الكبتاغون من سوريا إلى دول أخرى حول العالم على تنظيم الدولة، لكنها أوضحت أن النظام السوري قد يكون المتاجر الحقيقي بها.
وسبق للشرطة في إيطاليا أن اعترضت في ميناء ساليرنو شحنات مؤلفة من 84 مليون حبة كابتاغون مقلدة، قيمتها مليار يورو، وهو ما يعتبر "أكبر مصادرة لأمفيتامينات في العالم".
ووصلت الحبوب المصادرة إلى ساليرنو على متن ثلاث سفن قادمة من مرفأ اللاذقية السوري، وسارعت الشرطة الإيطالية إلى الإعلان بأن تنظيم الدولة هو المسؤول عن الإنتاج والشحن، بزعم تمويل التنظيم وعملياته الإرهابية في أنحاء العالم.
وتظهر هذه الحادثة مدى سوء فهم العلاقات بين الاتجار بالمخدرات والحرب.
اقرأ أيضا: منظومة الأسد تتخلى عن حذرها وتنزل إلى أسواق المخدرات
وبحسب المجلة، قامت وسائل الإعلام العالمية بنشر المعلومات التي وفرتها الشرطة الإيطالية، دون أي تساؤلات، مكررين المعلومات الخاطئة، دون التفكير في مدى تمكن تنظيم أعضاؤه مشتتون القيام بعملية كبيرة كهذه – ولكن الحقيقة هي أنه ربما لا علاقة له بالأمر.
وأفادت بأنه "في الواقع، فإن الاحتمال الأكبر هو أن يكون نظام بشار الأسد له يد بإنتاج الكبتاغون، للحصول على الأرباح التي يمكنه أن يستثمرها في حملته المسلحة ضد المدنيين، وتؤذي صحة الكثير من السوريين، الذين أصبحوا الآن مدمنين على الأمفيتامينات بعد سنوات من الحرب".
ولعبت الحكومة السورية دورا في تهريب المخدرات منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي.
وقال لورانت لانيال، المحلل لدى مركز الرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان عليها: "عندما غزت سوريا لبنان في التسعينيات [هكذا ورد في التقرير] كان هناك تقارير كثيرة تظهر أن الجيش السوري كان يساعد ويحفز على إنتاج الحشيش والأفيون في سهل البقاع".
وأنتج العلماء حبوب الكبتاغون، وهي الاسم التجاري للمادة المخدرة فينيثالين، في ستينيات القرن الماضي لعلاج الاكتئاب، ونقص الانتباه لدى الأطفال المصابين باضطراب فرط النشاط. وبعد عقدين، قامت منظمة الصحة العالمية بحظره؛ بسبب احتمال الإدمان عليه، وسوء الاستخدام، وغير ذلك من الآثار السلبية على الصحة.
ولكن الكبتاغون المقلد -الذي يكون أحيانا خليطا من الأمفيتامينات التي لا تحتوي على الفينثالين- عليه طلب في السوق السوداء في الشرق الأوسط.
وازدهر إنتاج الكبتاغون في سوريا بعد 2013، عندما اضطرت الحملة في الجارة لبنان حزب الله بنقل إنتاج المخدرات إلى سوريا. وجاء هذا في الوقت المناسب بالنسبة للنظام السوري، حيث يحتاج إلى تمويل حملاته العسكرية ضد المعارضة.
ميناء اللاذقية
وبعد حوالي عقد من الحرب الأهلية في سوريا، لا يزال إنتاج الكبتاغون يزيد على حساب المدنيين. وإنتاج حبوب الكبتاغون المقلدة أمر سهل نسبيا. فليس هناك حاجة لمساحة مصنع، ولكن غرفة تكفي لجهاز تشكيل الحبوب والمكونات القليلة التي من السهل الحصول عليها.
ونقلت المجلة أن اقتصاد المخدرات غير الرسمي يعتبر "شريان حياة لنظام الأسد"، بحسب كارولاين روز، المؤلفة المشاركة لتقرير حول الكبتاغون، الذي أنتجته وحدة سياسات المخدرات الدولية في جامعة لندن للاقتصاد.
ومعظم مواقع إنتاج الكبتاغون في سوريا هي في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، بحسب أبو جعفر، سائق الشاحنة السابق الذي كان يعمل بين حمص وريف دمشق وحلب.
وقال أبو جعفر، الذي طلب أن يذكر باسمه المستعار فقط بسبب مخاوف على سلامته: "كل ما تحتاجه هو بعض البيوت المهجورة وعدد صغير من العمال يشرف عليهم شخص له علاقات قوية".
وقال إن مواقع الإنتاج منتشرة بين ضواحي حلب ودمشق واللاذقية وحمص والقصير وتل كلخ.
ولأن المؤسسات الدولية غير قادرة على إجراء تفتيش على الأرض، فمن الصعب إنتاج أدلة أكيدة تربط نظام الأسد بتجارة الكبتاغون.
لكن المصادر تقول إن هناك حاجة لحماية قوية لإنتاج وبيع وتصدير هذا المخدر من المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وقال لانيال: "إنه من المحتمل دائما في بلد تعيش حالة حرب أن الناس الذين يتمتعون بوضع أفضل للقيام بتصنيع مخدر بأمان وبكميات كبيرة هم الأشخاص التابعون للنظام.. أو في المناطق التي يضمن فيها النظام الأمن".
اقرأ أيضا: صدور حكم بحق أمير "الكبتاغون" السعودي في لبنان
وما كانت عمليات إنتاج المخدرات السورية لتكون ممكنة دون الخبرة الفنية لحزب الله، والمرتبط بإنتاج الكبتاغون في حمص وتل كلخ والقصير بالقرب من الحدود اللبنانية.
وفي مناطق أخرى في سوريا، يقوم البدو بلعب دور رئيس في بيع ونقل الكبتاغون، بحسب أبو جعفر، الذي أضاف أنهم كانوا من بين أول من اشترى شحنات الأمفيتامينات القادمة من بلغاريا من خلال تركيا؛ للبيع في سوريا والأردن ودول الخليج، ويلعبون الآن دورا في تصنيعها.
وتم اعتراض 33 مليون حبة كابتاغون العام الماضي في اليونان، بعد أن تم شحنها عبر اللاذقية.
تهريب عبر الشاي يرتبط بالأسد
وفي نيسان/ أبريل هذا العام، اعترضت الجمارك السعودية أكثر من 44 مليون حبة مخبأة في عبوات شاي من شركة مقربة من عائلة الأسد.
وقال لانيال: "يمكنك القول إن أي شيء يخرج من ميناء اللاذقية مرتبط بالنظام أو شخص دفع لاستخدام المرفأ".
تنظيم الدولة بريء
وبالرغم من العلاقة المحتملة، إلا أن الكثيرين خارج الشرق الأوسط ربطوا الكبتاغون بشكل خاطئ بتنظيم الدولة.
وأشارت التقارير بعد هجمات باريس عام 2015 إلى أن مرتكبي الهجمات كانوا يستخدمون الكبتاغون الذي وصفوه بأنه مخدر الجهاديين. وأظهرت تقارير السموم بعد ذلك بأن المهاجمين كانوا خالين من آثار المخدرات.
وفي ذروة سيطرته على الأراضي، كان لتنظيم الدولة نشاط في السوق السوداء، حيث كان يتاجر بالآثار المنهوبة والسلاح والنفط. ولكن ليس هناك أدلة بأن التنظيم أنتج أي كابتاغون، حتى لو استخدم بعض مقاتليه هذا المخدر في ساحات المعارك.
ولم يكن من الممكن أن يكون سمح بذلك على المستوى المؤسساتي للتنظيم، حيث هو تنظيم سلفي: وكان زعماء تنظيم الدولة يعاقبون أي شخص قبض عليه وهو يدخن أو يبيع الدخان، ما يجعل من الصعب تخيل أن التنظيم يقبل تصنيع الأمفيتامينات.
كما أن الشرطة الإيطالية استنتجت خطأ بأن أوروبا هي المكان المقصود النهائي لشحنة الكبتاغون التي تمت مصادرتها في تموز/ يوليو، ما أدى إلى تضييع الفرصة لمحاسبة دول أخرى على هذه التجارة المحظورة.
فالسعودية مثلا هي المستهلك رقم واحد للكابتاغون، الذي يسود استخدامه بين شباب الطبقة الثرية في حفلاتهم، وفق المجلة، التي أضافت: "كما أنه ومع استمرار الحرب في ليبيا، يمكن أن تكون الشحنة الكبيرة موجهة إلى بنغازي مرورا بميناء أوروبي".
ويمكن لتلك الحبوب أن تكون مرسلة لقوات خليفة حفتر، الذي تدعمه روسيا في حملته ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس. وروسيا هي أهم الضامنين لنظام الأسد، ويمكن أن تكون هذه التجارة المحرمة بهدف جيوسياسي: لدعم مقاتلي حفتر.
وبينما تبقى وجهة الكبتاغون المنتج في سوريا للأسواق الخارجية، يعاني السوريون من أسوأ آثار هذه التجارة.
وبحسب روز، فإن أسوأ نوعية من حبوب الكبتاغون تباع في سوريا نفسها بتكلفة دولار للحبة. وعادة ما يقوم المنتجون بخلط المكونات للتخفيف من التركيبات، وتحتوي بعض الحبوب على مستويات سامة من الزنك والنيكل.
وقالت روز: "يقومون ببيع أسوأ الحبوب في سوريا؛ لأنها الأرخص، والناس مضطرون".
ويعرف عن الكبتاغون أنه يكبت التعب والجوع والخوف. ولكن استخدامه الآن سائد بين كل الفئات في سوريا، وليس بين المقاتلين فقط. وأكثر الآثار الجانبية شيوعا تتضمن الاكتئاب والأرق وسوء التغذية وتسمم الدم والقلب. ومن يصبح مدمنا عليه لا يجد مساعدة من نظام صحي دمرته سنين الحرب.
وتعد مصادرة الشحنة في إيطاليا فرصة للحكومات للعمل على إيقاف إنتاج الكبتاغون. وهناك حاجة إلى المزيد من البحث في عمليات اعتراض الشحنات الأخرى من الكبتاغون لجمع البيانات، بما في ذلك فحص المكونات وتتبع شبكات التهريب ووتيرة الشحن. ويمكن مشاركة تلك البيانات بين الحكومات ومؤسسات فرض القانون.
ويمكن للبلدين بعدها محاسبة من هم في قمة سلسلة إنتاج وتصدير الكبتاغون عن طريق فرض العقوبات وغيرها من الإجراءات، ما يجعل هذه التجارة غير مربحة.
وقالت روز: "إن تجارة الكبتاغون لن تنتهي.. ولكن الشحنة في إيطاليا، لن يكون بإمكانهم القيام بذلك لو تم فرض عقوبات إضافية".
ويتطلب القيام بفعل جاد لوقف هذه التجارة إلى تعاون المجتمع الدولي، وزيادة في الوعي العام للآثار السيئة لتجارة الكبتاغون على المدنيين السوريين. كما يجب كشف الأسطورة بأن الجماعات الإرهابية تقوم بإنتاج واستخدام هذا المخدر، وإظهار عدم مصداقيتها.
موقع أمريكي: صراعات عالمية قد تنشأ بسبب ندرة مياه الشرب
NYT: انفجار بيروت يذكّر بانقسام أمريكا وسيادة القبلية فيها
موقع فرنسي: إسرائيل نفذت تفجير مرفأ بيروت بسلاح جديد