تنتشر على امتداد سواحل غرب وجنوب غرب تركيا
العشرات من الجزر الخاضعة لسيادة أثينا رغم ابتعادها مئات الأميال عن البر
اليوناني، ما يجعل رسم حدود البلدين البحرية في إيجة والمتوسط أمرا في غاية
التعقيد، وسببا للتوترات التي قد تؤدي إلى صدام عسكري في أية لحظة.
ويطرح هذا المشهد تساؤلات عن خلفياته
التاريخية، لا سيما أن بعض تلك الجزر، ومنها "كاستيلوريزو" على سبيل
المثال، تبتعد عن البر التركي نحو كيلومترين فقط، مقابل أكثر من 550 كيلومترا عن
نظيره اليوناني، وترفض أثينا تنقيب تركيا عن النفط في المياه التي تليها لآلاف
الكيلومترات، رغم أن مساحة الجزيرة لا تتجاوز الـ12 كيلومترا مربعا، وهو ما تعتبره أنقرة منافيا لـ"القانون والمنطق".
ومن أهم تلك الجزر وأكثرها إثارة للجدل مجموعة "دوديكانيسيا"، وتتكون من 15 جزيرة كبيرة ونحو 150 أخرى صغيرة، 26 منها غير مأهولة، وتمتد بالدرجة الأولى على شكل سلسلة متصلة قبالة سواحل ولاية موغلا السياحية التركية، وتعد بمثابة قواعد متقدمة لليونان أمام تركيا، ولا سيما جزيرتي "رودس" و"كوس".
اقرأ أيضا: هل تحتم "الذاكرة التاريخية" حربا بين تركيا واليونان قريبا؟
وتستعرض "عربي21" تاليا تاريخ انتقال هذه الجزر إلى قبضة أثينا، بعد أن كانت اليونان، فضلا عن غيرها من دول المنطقة، خاضعة بأكملها للدولة العثمانية، ولعدة قرون.
جزر عثمانية
ثار اليونانيون على الحكم العثماني عام 1821،
واندلعت حرب أججها الدور الغربي، استمرت حتى عام 1829، وصولا إلى اتفاق القوى
الثلاث الكبرى، بريطانيا وفرنسا وروسيا، على الاعتراف باستقلال اليونان، بموجب
"بروتوكول لندن" لعام 1830.
لكن الجزر المحاذية لبر الأناضول لم تصبح جزءا
من المملكة اليونانية الوليدة، التي أعلن عن قيامها عام 1832، وبقيت عثمانية،
يسكنها أتراك ويونانيون.
احتلال إيطالي ثبتته "لوزان"
احتلت إيطاليا جزر "دوديكانيسيا" عام 1912، في إطار حربها مع الدولة العثمانية
على ليبيا، ثم أصبح الأرخبيل قاعدة بحرية متقدمة لروما وحليفتيها، باريس ولندن،
خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، ما شكل تهديدا للمضائق التركية وصولا
إلى إسطنبول.
وفي إطار معاهدة "لوزان" الشهيرة،
عام 1923، تم تثبيت الاحتلال الإيطالي للجزر (المادة 15)، وأعلنت روما
ضمها إلى أراضيها بشكل رسمي، وبدأ الزعيم الفاشي "بينيتو موسوليني" حملة
لإدماجها بالثقافة الإيطالية.
تسليم لليونان
استخدمت إيطاليا، وحليفتها ألمانيا النازية،
خلال الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، جزر دوديكانيسيا منطلقا لعملياتها في
المنطقة، ولا سيما غزو جزيرة كريت اليونانية عام 1941.
وإثر استسلام إيطاليا وخروجها من الساحة عام
1943، تحول الأرخبيل إلى ساحة لمعركة بين الحلفاء، الذين حاولوا السيطرة عليها، وألمانيا
التي تمكنت من صدهم ووضعت يدها على المنطقة حتى نهاية الحرب.
وبعد هزيمة برلين، سلم الألمان الجزر
للبريطانيين، الذين سلموها بدورهم إلى اليونان، وتم تثبيت ذلك في معاهدة السلام
بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947 (المادة 14)، دون اكتراث لكونها انتزعت من الدولة
العثمانية بالأصل، وتشكل امتدادا طبيعيا للأناضول.
وأزعجت تلك الخطوة أنقرة بشدة، فيما اعتبرت
أثينا أن "دوديكانيسيا" عادت إليها بعدا غياب استمر 740 عاما، بينما
اختار كثير من سكانها المسلمين الهجرة إلى تركيا، لا سيما بعد اندلاع الأزمة
القبرصية عام 1974.
وتعتبر تركيا أنه من غير المعقول أن تبقى محاصرة بعشرات الجزر الصغيرة التي تحرمها من
مد منطقتها الاقتصادية في عمق البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن تشكيلها تهديدا
استراتيجيا.
لكن أثينا رفضت إعادة
النظر في أي من المعاهدات أو بترسيم الحدود البحرية، فضلا عن رفضها التوقف عن نشر
قدرات عسكرية على تلك الجزر.
وتثير تلك الخلافات
توترات في المنطقة من فترة لأخرى، وبوتيرة متزايدة منذ مطلع التسعينيات، وسط سباق
على التسلح بين البلدين، كان آخر فصوله إصرار أنقرة على الحصول على منظومة للدفاع
الجوي، بالنظر إلى قوة سلاح الجو اليوناني.
ومع عدم اهتمام
الحليفة واشنطن بمنح أنقرة منظومة "باتريوت"، فقد قامت الأخيرة بشراء
"أس400" الروسية، رغم الرفض الأمريكي، ونشرت المنظومة الدفاعية بولاية إزمير، الأكبر والأهم في الغرب والجنوب الغربي للبلاد، المقابل للبر
اليوناني على الطرف الآخر من بحر إيجة.
اقرأ أيضا: تركيا تعلق التنقيب بالمتوسط لمدة شهر.. وتعليق أوروبي
حراك سعودي موسع بخصوص ملف ليبيا.. ما أهدافه؟
هل تحتم "الذاكرة التاريخية" حربا بين تركيا واليونان قريبا؟
دعم روسي جديد لمرتزقة "فاغنر".. هل يفسد التفاهمات مع تركيا؟