تناول الصحفي البريطاني المقيم في الناصرة، جوناثان كوك، تعيين سفيرة إسرائيل الجديدة لدى المملكة المتحدة، معتبرا أن الأخيرة "ستفضح أوهام زعماء اليهود في بريطانيا"، وفق قوله.
وأضاف في مقاله في موقع "ميدل إيست أي" البريطاني، وترجمته "عربي21"، أن "الجالية اليهودية في المملكة المتحدة ستجد نفسها في موقف الدفاع".
وأوضح أن السفيرة الجديدة تسيبي هوتوفلي، "لا تخفي عداءها للإسلام، ولا إنكارها لتاريخ الشعب الفلسطيني، وتناصر المجموعات المتطرفة التي تؤمن بنظرية النقاء العنصري، مثل ليهافا، التي تسعى إلى إنهاء العلاقات بين اليهود وغير اليهود".
وأكد أنها "تفاخر بتفوق عنصري يهودي ديني يدعي ملكية حصرية لفلسطين التاريخية".
وأكد أن هوتوفلي "ستكون بدون شك شيئاً مختلفاً عن كل من سبقوها من السفراء".
ولفت إلى أن "زعماء اليهود في المملكة المتحدة بدأوا يشعرون بالارتباك والهلع إزاء تعهدات نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية، لأن ذلك من شأنه أن يخرج إلى العلن وبوضوح لا يخفى على أحد البرنامج الصهيوني لسلب فلسطين وتشريد أهلها والذي ما لبثوا يؤيدونه بهدوء على مدى عقود".
وقال: "منذ ما قبل جيرمي كوربين وأغلبية الجالية اليهودية في بريطانيا ترى أنها فقدت حزب العمال. وكل شيء فيما عدا الدعم غير المشروط لإسرائيل – وحتى بينما كانت إسرائيل تنتقل أكثر فأكثر نحو القومية المتطرفة وتصبح محاذية لما يصفه الخبراء الإسرائيليون بالفاشية – كان يندد به ويعتبر دليلاً على معاداة السامية داخل التيار اليساري".
وأضاف: "أما وقد ذهب البعبع كوربين، لسوف تجبر تسيبي هوتوفلي أخيرا اليهود الليبراليين في بريطانيا على مواجهة الحقائق التي دفنوها قبل وقت طويل حول إسرائيل".
وتاليا النص الكامل كما ترجمته "عربي21":
أما وقد ذهب البعبع كوربين، لسوف تجبر تسيبي هوتوفلي أخيراً اليهود اللبراليين في بريطانيا على مواجهة الحقائق التي دفنوها قبل وقت طويل حول إسرائيل
بعد سنين من النجاح في جذب الاهتمام بعيدا عن جرائم إسرائيل المكثفة ضد الشعب الفلسطيني من خلال إثارة موضوع ما يُفترض أنه "أزمة معاداة سامية" متنامية داخل حزب العمال البريطاني، يثير حفيظة زعماء الجالية اليهودية في المملكة المتحدة أن يجدوا أنفسهم دون توقع منهم في موقف الدفاع.
في الشهر الماضي، سحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو السجادة من تحت أقدام المنظمات اليهودية البريطانية من خلال تعيين تسيبي هوتوفلي لتكون سفيرة إسرائيل القادمة لدى المملكة المتحدة، والتي يتوقع أن تستلم مهام عملها هذا الصيف.
لا يبدو أن هوتوفلي، أول شخص يشغل منصب وزير المستوطنات الذي استحدث مؤخراً، يحتوي بدنها على عظمة دبلوماسية واحدة. إنها نجم صاعد في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو – وتحتل القلب من ظاهرة صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف على مدى العقد الماضي.
"ّهذه الأرض لنا"
لا تخفي هوتوفلي عداءها للإسلام، ولا إنكارها لتاريخ الشعب الفلسطيني، وتناصر المجموعات المتطرفة التي تؤمن بنظرية النقاء العنصري، مثل ليهافا، التي تسعى إلى إنهاء العلاقات بين اليهود وغير اليهود، وتفاخر بتفوق عنصري يهودي ديني يدعي ملكية حصرية لفلسطين التاريخية.
في خطاب ألقته في عام 2015 عندما عينت نائباً لوزير الخارجية، رفضت هوتوفلي حل الدولتين وقالت: "هذه الأرض لنا. كلها لنا. لم نأت هنا لكي نعتذر عن ذلك."
ثم سلمت كوزيرة للمستوطنات مسؤولية الإشراف على ما يخشى على نطاق واسع أن يكون ضماً وشيكاً لما يقرب من ثلث أراضي الضفة الغربية حسبما وعد بذلك نتنياهو، الأمر الذي سيقضي على آخر أمل في إقامة الدولة الفلسطينية.
ولكنها تذهب إلى أبعد من ذلك، فهي تفضل ضم كافة أراضي الضفة الغربية، بما يفهم منه دعمها إما لنظام أبارتيد إسرائيلي صريح ومباشر يُحكم من خلاله ملايين الفلسطينيين أو لعمليات تطهير عرقي جماعي تفضي إلى إخراج الفلسطينيين من وطنهم.
كما تدعم هوتوفلي الاستيلاء على مجمع المسجد الأقصى في القدس الشرقية، الذي يعتبر واحداً من أهم المواقع الإسلامية في العالم. ومثل هذه الخطوة لو تمت يمكن أن تشعل الشرق الأوسط بأسره.
تدخل السفارة
ستكون هوتوفلي بدون شك شيئاً مختلفاً عن كل من سبقوها من السفراء.
منذ عام 2007 وحتى عام 2016، شغل المنصب الدبلوماسيان المحترفان رون بروزر ودانيال توب، وكانا يتبعان المنهج التقليدي المعتاد في إدارة السفارة، ويبذلان جل الجهد في تحويل الأضواء بعيداً عن الاضطهاد المنظم الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين.
وكانا يركزان على حل الدولتين على الرغم من أنه في واقع الأمر لم يكن موضع اهتمام أحد داخل الحكومة الإسرائيلية، وكانا يلقيان باللوم لعدم تحقيق تقدم في هذا المجال على ما يزعمان أنه تعنت الفلسطينيين وإرهاب حماس.
وفي مطلع عام 2016، عُين دبلوماسي آخر، هو مارك ريغيف، وإن كان بصفة سياسية بحتة، وكان قبل ذلك يشغل منصب الناطق باسم نتنياهو، وكان مقرباً منه وموضع ثقته.
تصادف وصول ريغيف مع دور للسفارة في لندن أكثر عنفواناً – وإن كان بشكل خفي – من حيث التدخل المباشر في السياسة البريطانية. كان عليه أن يتعامل مع جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال المنتخب حديثاً، والذي كان يعتبر مصدر تهديد كبير لإسرائيل بسبب دعمه الصارخ للفلسطينيين.
وكان تحقيق للجزيرة بثته في مطلع عام 2017 قد كشف عن أن مسؤولاً في السفارة الإسرائيلية كان ينسق بشكل سري مع المنظمات اليهودية لتقويض كوربين. وكانت إحدى هذه المجموعات حركة العمال اليهودية التي أعيد تنشيطها مؤخراً داخل حزب العمال بهدف التصدي لكوربين.
وتبين بالدليل أن الجهود التي كانت تبذلها السفارة لإلحاق الضرر بكوربين كانت تدار من داخل إسرائيل من قبل وزارة الشؤون الاستراتيجية. كانت المهمة الرئيسية للوزارة هي نزع الصدقية عن التضامن الدولي مع الفلسطينيين، وبشكل خاص حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس) التي تستهدف إسرائيل وكانت آخذة في النمو والانتشار.
إسرائيل الصهيونية ومعاداة السامية
وكما تبين من البرنامج الوثائقي، كان واحداً من الأسلحة في جعبة إسرائيل تلطيخ سمعة النشطاء المتضامنين مع الفلسطينيين بتهمة معاداة السامية.
وكان يتحقق ذلك من خلال تمويه الفروق ما بين معاداة السامية ومعارضة الصهيونية، علماً بأن الصهيونية عبارة عن أيديولوجيا سياسية متطرفة – حتى في أشكالها العلمانية – تقوم على فرضية أن لليهود حقاً مستلهماً من التوراة يبيح لهم تشريد الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين، من وطنهم.
وجد كوربين نفسه عرضة لهجمات متزايدة تشنها عليه حركة العمال اليهودية وكذلك المنظمة القيادية اليهودية الأساسية داخل المملكة المتحدة المعروفة باسم "مجلس المندوبين"، بزعم أنه كان ينشر "طاعون" معاداة السامية داخل حزب العمال. بينما كانت معاداة السامية في المملكة المتحدة تتزايد بالمجمل خلال السنوات الأخيرة، إلا أن الإحصائيات كشفت عن أن تلك التهمة الموجهة ضد حزب العمال بالذات لم يكن لها أساس على الإطلاق.
في نهاية المطاف أجبر الحزب على قبول التعريف الجديد لمعاداة السامية – والذي صاغه التحالف الدولي لذكرى المحرقة – والذي اعتبر أن العنصرية تشمل توجيه النقد الجاد لإسرائيل وكذلك دعم الحقوق الفلسطينية.
يعطي كير ستارمر، خليفة كوربين في منصب زعيم حزب العمال، كل الانطباع بأنه تعلم درساً من الدمار الذي لحق بكوربين على أيدي لوبي إسرائيل، فأعلن عن نفسه بأنه صهيوني وألزم نفسه بالتعهدات العشر التي وردت من مجلس المندوبين اليهود، والتي تلزم من يقر بها بعدم انتقاد إسرائيل.
ولذلك أقدم ستارمر في نهاية الشهر الماضي على طرد ريبيكا لونغ بيلي من وزارة الظل بزعم أنها شاركت في إشاعة "نظرية المؤامرة" المعادية للسامية من خلال إعادة تغريد مقال انتقد ضلوع إسرائيل الموثق في تدريب قوات الشرطة الأمريكية.
تهديدات فارغة
يبدو نتنياهو الآن واثقاً من أنه تم الآن القضاء على التهديد السياسي الذي تشكله المملكة المتحدة على إسرائيل، وأن أياً من الحزبين السياسيين الرئيسين في بريطانيا لن يولي موضوع الحقوق الفلسطينية أكثر من مجرد كلام.
ويؤكد على ذلك كون تعيين هوتوفلي يتصادف مع الخطوة المتوقع أن يتخذها نتنياهو لضم مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية خلال الأسابيع القادمة انسجاماً مع خطة السلام الأخيرة التي أعلن عنها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب.
وكان ما يقرب من خمسين من خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة قد وصفوا الشهر الماضي خطة إسرائيل المقترحة للضم بأنها نذير بإقامة نظام أبارتيد (فصل عنصري) للقرن الحادي والعشرين.
وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد أعلن عن معارضته للضم، كما فعل ذلك أيضاً ستارمر، ولكن أياً منهما لم يشر إلى أنه يمكن أن يتخذ أي إجراء انتقامي.
ولربما يفهم من تعيين هوتوفلي ممثلة للسياسة الإسرائيلية لدى بريطانيا أن نتنياهو يدرك بأن زعماء الأحزاب السياسية البريطانية لن يصدر عنهم أكثر من مجرد تهديدات فارغة.
محو الفلسطينيين
ولكن بينما قد يكون نتنياهو مسروراً بأن تقوم هوتوفلي بتسويق ضم الضفة الغربية لدى الجمهور البريطاني والدفاع عن انتهاكات إسرائيل المستمرة والمتنامية ضد الفلسطينيين، فإن الشخصيات اليهودية البارزة في المملكة المتحدة تستعد لخوض معركة.
فقد أمضوا السنوات الخمس الماضية وهو يغيرون المناظير في المملكة المتحدة، ويعيدون تغليف الصهيونية – أيديولوجية إسرائيل الاستيطانية الاستعمارية – بحيث تبدو حميدة، بل حتى صحية، باعتبارها حركة سياسية محسنة كل همها ببساطة هو تمكين اليهود وتحريرهم من معاداة السامية.
إلا أن ذلك الوهم يعتمد أساساً على محو الفلسطينيين وتغييب ما يتعرضون له من اضطهاد فلا يراه أو يسمعه به أحد.
بلغت الحملة حداً فائقاً من النجاح لدرجة أن من يحاولون تذكير البريطانيين بالظروف التي نشأت فيها إسرائيل وما تبع ذلك من أحداث تاريخية يندد بهم ويوصمون بمعاداة السامية.
فإقامة إسرائيل، التي تكفلت بها الحكومات البريطانية على مدى ما يزيد من قرن، اعتمدت على التطهير العرقي لما يقرب من ثمانين بالمائة من الفلسطينيين وإخراجهم من ديارهم عام 1948 وكذلك على الاستمرار في إقصاء الملايين من ذراريهم. ومازالت إسرائيل تخضع ملايين آخرين منهم لاحتلالها العدواني.
تهدد هوتوفلي بتخريب كل تلك الإنجازات وبكشف اللوبي المؤيد لإسرائيل – وكذلك بعض كبار الأسماء داخل الجالية اليهودية في بريطانيا – والتسبب بوصمهم بالدجل والخداع.
التحمس لإسرائيل
بدأ زعماء اليهود في المملكة المتحدة يشعرون بالارتباك والهلع إزاء تعهدات نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية، لأن ذلك من شأنه أن يخرج إلى العلن وبوضوح لا يخفى على أحد البرنامج الصهيوني لسلب فلسطين وتشريد أهلها والذي ما لبثوا يؤيدونه بهدوء على مدى عقود.
في وقت مبكر من الشهر الماضي، وقبل الإعلان عن تعيين هوتوفلي، بادر ما يقرب من أربعين من أبرز الشخصيات اليهودية في بريطانيا، ومن بينهم المؤرخون سايمون شاما وسايمون سيباغ مونتفيوري والثري المحسن فيفيان دافيلد والوزير السابق في حكومة المحافظين مالكولم ريفكيند، بالكتابة إلى ريغيف يحثون الحكومة الإسرائيلية على إعادة التفكير بموضوع الضم.
وقالوا في خطابهم إنهم بوصفهم "صهاينة ملتزمين ومدافعين بحماسة عن إسرائيل" عملوا بجد من أجل "خلق بيئة أكثر تعاطفاً مع إسرائيل" في المملكة المتحدة. إلا أن الضم، كما حذروا، سوف يمزق أوصال الجالية اليهودية في البلد كما أنه سوف "يشكل تهديداً وجودياً لتقاليد الصهيونية في بريطانيا."
ومن الملاحظ أن بعض الشخصيات التي كانت فاعلة في الحملة التي أطاحت بكوربين بسبب مناصرته للحقوق الفلسطينية كانوا من بين الموقعين على الخطاب، بما في ذلك عضو البرلمان سابقاً عن حزب العمال لوسيانا بيرغر، وكذلك تريفر تشين، وهو من كبار المتبرعين لحملة ستارمر، ودانيال فينكلستاين، المحرر المشارك في صحيفة ذي تايمز، وجوليا نيوبيرغر، أحد الحاخامات البارزين، وأنطوني جولياس، المحامي الشهير.
ليس الضم بالشيء الجديد
إلا أن الضم ليس سياسة جديدة كما يقترح هؤلاء المشاهير من اليهود. فقد ضمت إسرائيل بشكل رسمي القدس الشرقية في عام 1980 منتهكة بذلك القانون الدولي ومخضعة ما يزيد عن 370 ألف مقيم فلسطيني للعيش تحت حكم نظام أبارتيد (فصل عنصري) إسرائيلي دائم. وفعلت إسرائيل الشيء ذاته بمرتفعات الجولان السورية في السنة التالية.
وهل الضم في واقع الأمر أسوأ من عمليات التطهير العرقي التي نفذتها إسرائيل ليس فقط في عام 1948 وإنما أيضاً للمرة الثانية في عام 1967؟ منذ ذلك الحين وإسرائيل تنفذ سياسة تطهير عرقي بشكل خفي في المناطق المحتلة – تلك السياسة التي تعتبر الوجه الآخر لسياسة "الضم الزاحف" التي تنتهجها – إذ تستولي على المزيد من الأرض الفلسطينية لتوطن فيها اليهود.
ألم تدفع تلك الجرائم بزعماء الجالية اليهودية في بريطانيا نحو إعادة النظر في "التزامهم الحماسي" بدعم إسرائيل؟
ولماذا فقط هذه المرحلة الأخيرة من الضم هي التي تجعلهم يثيرون تساؤلات حول "وضع إسرائيل كديمقراطية ليبرالية" – وليس البنى القانونية المقننة في العشرات من التشريعات التي تميز حقوق المواطنة لليهود على ما يزيد عن 1.8 مليون نسمة تتشكل منهم الأقلية الفلسطينية، أي ما نسبته خمس السكان؟
إن الضم الرسمي ما هو ببساطة سوى المآل المنطقي لما يزيد عن قرن من الاستعمار الصهيوني في فلسطين، والذي كان دوماً يقوم على فكرة استبدال السكان الأصليين باليهود. أما الشعور بالقلق في هذه المرحلة المتأخرة من المهمة الاستيطانية الاستعمارية لإسرائيل، وكما لو أن خطاً أحمر من نوع ما قد تم تجاوزه، فهو إيهام للذات من أعلى المستويات.
رفع الحرج عن الحلفاء
ولكن إذا كان الضم يوجه ضربة شديدة للصورة التي يرى عليها هؤلاء "الصهاينة المتحمسون" أنفسهم كأصحاب عقول نزيهة وليبراليين مرهفي الإحساس، فإن تعيين هوتوفلي سفيرة قد يؤذن بزوال مجدهم.
كانت الحكومات الإسرائيلية فيما مضى تدرك الحاجة إلى تلميع صورتها للتورية عن الاضطهاد الذي تمارسه بحق الفلسطينيين بهدف رفع الحرج عن مناصريها في الدول الغربية. كانت تلك هي إحدى مهمات وزارة الخارجية الإسرائيلية وسلكها الدبلوماسي. كما كان ذلك هو غاية قطاع الإعلام الموالي لإسرائيل – الذي يبث دعاية تنتجها الدولة متنكرة في زي "معلومات" محايدة.
ثم وجدت حكومات نتنياهو المتعاقبة أنه لم يعد ممكناً الاستمرار في نشر هذا الخداع في زمن يتسلح فيه الفلسطينيون بكاميرات الهواتف النقالة التي بإمكانها توثيق ما يتعرضون له من انتهاكات، ونشر ما ينتج عن ذلك من فيديوهات عبر اليوتيوب.
إلا أن كثيراً من اليهود البريطانيين تجنبوا التدبر فيما تراه الأعين، مصرين على أن الانتقاد الفعال لإسرائيل إنما هو نوع من الشيطنة التي يحفز عليها العداء للسامية. ولكن خداع الذات الذي تعشقه كثير من الجاليات اليهودية في الخارج لم يعد مستساغاً لدى اليمين الإسرائيلي الذي يعتقد بتوفق الجنس اليهودي. وما هوتوفلي ببساطة سوى الاختيار الأخير لسفيرة لا تولي اهتماماً بما يراه الحلفاء المحليين من اليهود.
في عام 2015، قبل أن يتولى منصب الرئاسة في البرازيل القومي المتطرف جير بولسونارو، حاول نتنياهو فرض أحد زعماء المستوطنين، واسمه داني دايان، سفيراً لدى البرازيل. كانت هوتوفلي حينها تشغل منصب نائب وزير الخارجية في إسرائيل، وتحدثت بقوة دفاعاً عن تعيين دايان، مهددة حتى بتخفيض مستوى العلاقة مع البرازيل.
وبعد مشادة دبلوماسية، تقرر في نهاية المطاف تعيين دايان قنصلاً عاماً لإسرائيل في نيويورك.
خسارة الأصدقاء
يعتقد البعض داخل الجالية اليهودية في المملكة المتحدة أن بإمكانهم أن يحققوا نجاحاً مشابهاً. ولقد وقع عدة مئات من اليهود البريطانيين على عريضة أطلقتها مجموعة مناهضة للاحتلال اسمها نعامود، تحث من خلالها المملكة المتحدة على رفض تعيين هوتوفلي سفيرة لإسرائيل في بريطانيا. وهناك آخرون يفكرون بمقاطعتها إذا ما تم اعتمادها.
انضم إليهم زعماء الجالية اليهودية من اللبراليين في المعارضة. قال عضو مجلس اللوردات عن حزب العمال اللورد بيتشام في تصريح لصحية ذي جويش كرونيكل إن تعيين هوتوفلي لن تساهم في كسب الأصدقاء في المملكة المتحدة – ولا حتى في أي بلد آخر يفكر الناس فيه بطريقة عقلانية.
وأيدته في ذلك لاورا جانر كلاوسنر، كبير حاخامات حركة الإصلاح إذ قالت: "تصطدم آراء هوتوفلي بشأن الفلسطينيين والضم والتعددية الدينية مع قيمنا الأساسية."
إلا أن جميع الأدلة الأخيرة تثبت أن جانر كلاوسنر جانبها الصواب. نعم، صحيح أن قيم هوتوفلي البسيطة قبيحة وعنصرية على المكشوف، وأنها لا تخفي رؤيتها التي تقوم على نظرية التفوق العنصري لليهود بل وتفاخر بها، إلا أن سياساتها الداعمة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية لم تزل هي السياسة الأساسية التي انتهجتها كل واحدة من الحكومات الإسرائيلية منذ عام 1967، عندما بدأ الاحتلال. والخاتمة المنطقية للمستوطنات التي لا تكف عن النمو كانت على الدوام هي الضم سواء بتخويل من القانون أو بخلق الحقائق على الأرض.
معظم الجالية اليهودية في بريطانيا، كما يذكرنا باستمرار زعماؤها، هم صهاينة متحمسون. تصف المطبوعات اليهودية نعامود، التي أطلقت العريضة ضد هوتوفلي، بأنها مجموعة هامشية لأنها "تنشط ضد الاحتلال ولأنها تناصر الحقوق الفلسطينية."
الحياة في كذبة
لطالما أيد المستوطنات ودافع عنها، ولسنوات طويلة، بعض أعضاء الجالية اليهودية البريطانية. ومن هؤلاء مجموعة اسمها الصندوق القومي اليهودي في بريطانيا، والذي رحب بتعيين هوتوفلي مشيراً إلى أنهم وصفوها بالحاملة لكثير من الصفات والإنجازات الإيجابية."
إلا أن البعض الآخر غض الطرف عما كان يجري من تطورات داخل الأراضي المحتلة على مدى ما يزيد عن نصف قرن. ومن هؤلاء مجلس المندوبين – الأقرب إلى ما يشبه المؤسسة الناطقة باسم الجالية اليهودية في بريطانيا – الذي قال إنه سيعمل مع هوتوفلي، وفيما يخص الضم، قال: "نحن لا ننحاز إلى طرف ضد آخر في السياسة الإسرائيلية."
والبعض الآخر لا يزيد موقفه عن تأييد بالكلام لمعارضة المستوطنات، بينما يعيش كذبة أخفاها حتى عن نفسه. وكلما انتقلت إسرائيل إلى اليمين وكلما توسعت المستوطنات على حساب الفلسطينيين كلما زاد هؤلاء الليبراليون من دعمهم لإسرائيل وكلما زاد رفضهم لتأييد ما يعد مخالفة لها.
يصبح الدعم الأعمى لإسرائيل مقياساً لما إذا كانوا سيدعمون حزباً سياسياً ما، كما اكتشف إيد ميليباند، وهو يهودي سبق كوربين في زعامة حزب العمال.
هوية قومية متطرفة
منذ ما قبل كوربين وأغلبية الجالية اليهودية في بريطانيا ترى أنها فقدت حزب العمال. وكل شيء فيما عدا الدعم غير المشروط لإسرائيل – وحتى بينما كانت إسرائيل تنتقل أكثر فأكثر نحو القومية المتطرفة وتصبح محاذية لما يصفه الخبراء الإسرائيليون بالفاشية – كان يندد به ويعتبر دليلاً على معاداة السامية داخل التيار اليساري.
غدت "معاداة السامية" وسيلة لتجنب التفكير بشأن إسرائيل وما الذي تمثله وطريقة لرفض منتقدي إسرائيل دون التطرق لحججهم. وهي بذلك أشبه ما تكون ببطانية الراحة، تطمئن كثيراً من اليهود البريطانيين بأن سياستهم كانت دفاعية بدلاً من أن تكون متطرفة أو معادية.
أما وقد ذهب البعبع كوربين، لسوف تجبر تسيبي هوتوفلي أخيراً اليهود اللبراليين في بريطانيا على مواجهة الحقائق التي دفنوها قبل وقت طويل حول إسرائيل.
إنها لحظة الحساب – لحظة طال انتظارها.
(عن موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مترجم خصيصا لـ"عربي21")
التايمز البريطانية: علينا التوقف عن بيع الأسلحة للسعودية
MEE: عقوبات بريطانيا بحق السعودية لن تعفيها من دماء الأبرياء
اتهام للندن بالاعتذار للرياض بعد عقوبات متعلقة بقتل خاشقجي