قال البروفيسور يزيد صايغ، الباحث الرئيسي بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن الجيش
المصري استغل حالة الانقسام المجتمعي في مصر للإعداد للانقلاب العسكري في 2 تموز/يوليو
2013، على الرئيس الراحل محمد مرسي.
وأضاف صايغ الحاصل على دكتوراه في دراسات الحرب من كلية كينغز في لندن، في حوار
خاص مع "عربي21" أن "هناك قوى داخلية في الدولة المصرية ساعدت على إفشال
حكومة مرسي بشكل متعمد إلى جانب تولد قناعة لدى القوات المسلحة المصرية أنه لا يمكن
التعايش مع حكم جماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم بدأت للإعداد للانقلاب".
وبشأن وجود دور لدول إقليمية في الإعداد للانقلاب، استبعد صايغ أن تكون هناك
دول قد ساعدت أو شاركت في الانقلاب، ولكنه لم يستبعد استشارة قيادات الجيش لتلك الدول،
مشيرا إلى أن دور بعضها كالسعودية والإمارات كان أكثر وضوحا بعد الانقلاب.
اقرأ أيضا: سبع سنوات عجاف على انقلاب السيسي (1-2)
واعتبر أن أكبر تغيير طرأ على الجيش المصري بعد انقلاب 3 تموز/يوليو أنه "لم
يعد لديه حلفاء بالمجتمع"، رغم إظهار أن له "تأييدا شعبيا".
ورهن صايغ حدوث أي انتقال سلمي للسلطة المدنية بـ"تراجع الجيش عن تدخله في كل
نواحي الاقتصاد والتنمية، ليتمكن الوزراء من القيام بأدوارهم الحقيقية، إلى جانب عودة
التوازن السليم بين السلطتين العسكرية والمدنية في مصر".
تاليا نص الحوار:
كيف نجح الجيش المصري في التحرك للإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي؟ وما هي العوامل التي ساعدته في ذلك؟
كان من الواضح أن هناك انقساما كبيرا في مصر تجاه إدارة الرئيس محمد مرسي، ووجود
الإخوان المسلمين وإسلاميين آخرين، ونجحت قوى عديدة تابعة للقوات المسلحة والداخلية
المصرية في أن تتعامل مع هذا المناخ الشعبي، وتوجيهه تمهيدا لخلق ظرف يسمح بتدخل عسكري
مباشر.
واضح أن إدارة مرسي أخفقت في إدارة العملية السياسية في التعامل والتحاور مع
القوى الأخرى المعارضة، وأخفقت في إدراج سياسات وبرامج اجتماعية واقتصادية جديدة، فكان
هناك فشل حكومي مع الأخذ في الاعتبار أن هناك قوى (داخلية) كانت تعمل على إفشال مرسي وحكومته.
لكن في المجمل كان هناك تلاق ما بين الإخفاق في الرئاسة من جهة والحكومة من
جهة أخرى، ووصول القوات المسلحة في مصر إلى قناعة بعد حين إلى أن التعايش مع (حكم) الإخوان المسلمين غير ممكن، وانتقلت منذ
آذار/مارس 2013 إلى التحضير لإزاحة الرئيس والحكومة التابعة له.
هل تحرك القوات المسلحة ضد الرئيس مرسي كان خالصا من داخل الجيش أم بالتنسيق مع الخارج؟ ومثل من؟
لا أعتقد أنه كان هنالك دور خارجي محرك أو أساسي. نعرف أن الحكم الجديد قوبل
بترحيب من قبل دول الخليج كالسعودية والإمارات، ولكن أعتقد أن دورهم كان أهم في أعقاب
الانقلاب، وليس في الإعداد للانقلاب.
ربما استشارت القوات المسلحة جهات خارجية، ولكن بالنهاية كانت مبادرة (الانقلاب
العسكري) داخلية، لأن القوات المسلحة منذ 60 سنة لها رأي في العملية السياسية ومن يحكم
البلاد.
ما التغير الجوهري الذي طرأ على الجيش المصري؟ ما هي أوجه الاختلاف بين ما قبل 3 يوليو والآن؟
في اعتقادي، الاختلاف الكبير بين ما قبل 3 يوليو والآن، وأهم اختلاف، هو إزاحة
جميع القوى السياسية أو المجتمعية التي بإمكانها إما أن تشكل معارضة أو طرفا في الحكم
سواء من خلال البرلمان أو دخول الحكومة أو في الميدان السياسي العام، وهذا يشمل الأحزاب
السياسية والجمعيات الأهلية والنقابات العمالية وما شابه.
كل هذه القوى التي كانت موجودة في عهد
مبارك وتمارس عملها بشكل علني وصريح ومنها جماعة الإخوان المسلمين مع أنه كان تواجدا غير رسمي، ولكن كان مسلما به في الواقع.
ما هي القوى التي اختفت في مصر وتلك التي برزت في حقبة حكم السيسي؟
جميع القوى المدنية عمليا مُسِحت وهُمِشت تماما ولم يعد لها أي وزن في الميدان
السياسي المصري، وهذا الاختلاف الأساسي والكبير، لأن القوات المسلحة كانت هي صمام الأمان،
وعمود الاتكال الأهم والأخير بالنسبة لمبارك.
في عهد مبارك كانت هناك قوى حزبية وبرلمانية وسياسية ومجتمعية تلعب دورا في
خلق توازنات بين شرائح وطبقات ومؤسسات الدولة والمجتمع، لكن اليوم لم يعد هناك أي توازن،
لأنه لا يوجد سوى طرف واحد، وهي مؤسسات الدولة كوزارة الدفاع والداخلية والقضاء والمؤسسات
الأخرى، وبات الحكم يرتكز على قدم واحدة.
وبالتالي فإن التغيير الكبير الذي طرأ على القوات المسلحة أنه لم يعد لديها حلفاء
بالمجتمع، بغض النظر عن التأييد الشعبي لها والظهور بأنها تتمتع بثقة الأكثرية.
هل أصبحت القوات المسلحة في الواجهة أمام مشاكل الشعب المصري المزمنة؟
في ما يتعلق بجهة إدارة البلاد وحل مشاكل
التنمية الاقتصادية والاستثمار والإنتاجية والفقر، كل هذه المشاكل التي أخفقت فيها
الدولة المصرية منذ 60 عاما، باتت القوات المسلحة اليوم تتحمل دورا مباشرا أكبر بكثير
في المساعدة على مواجهة هذه التحديات، ولم يعد بإمكانها أن تلقي باللوم أو المسؤولية
على أحد أو أن تبحث عمن يساعدها ويتشارك معها خارج هذا الإطار الائتلافي الحاكم من
أجهزة الدولة.
هل تتوقع أن يحدث أي انتقال سياسي في مصر في ظل طريقة الحكم الحالي؟
مستقبلا من أجل أن يحصل أي نوع من الانتقال السياسي في مصر وأن يعود الحكم للمدنيين
ينبغي أن يكون وزراء الحكومة بما فيهم الحاليون قادرين على القيام بمسؤولياتهم، لا
بد من تخفيف يد الرئيس على إدارة السياسة وتوجيهها في كل الميادين، ولا بد أن تتراجع
القوات المسلحة عن تدخلها في كل نواحي الاقتصاد والتنمية، ليتمكن الوزراء من القيام
فعلا بما لديهم من خبرات ومهارات.
من أجل العودة لمثل هذا التوازن السليم لا بد من تراجع القوات المسلحة، لكن
هذا التراجع سيكون بالتفاوض مع من؟ فلا توجد أحزاب ولا قوى سياسة أو مجتمعية أو نقابات
لها الثقل والوزن الكافي كي تكون شريكا في العملية الانتقالية.
كيف ترى تماسك وتجانس الجيش المصري منذ 1952 إلى اليوم؟
القوات المسلحة هي العمود الفقري للنظام الحاكم في مصر في كل عهد، وهي مؤسسة
لها مصالح معينة في الحفاظ على النظام القائم، لأنه يلبي مصالحها ويحميها، ولكن أيضا
لها رأي في الاتجاه السياسي العام.
تكوين وتجانس وتماسك القوات المسلحة ضعيف نوعا ما، منذ حقبة عبد الحكيم عامر
(وزير دفاع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر)، هناك هرمية قوية جدا وضبط وربط وانصياع
للقيادة. لكن هذا شيء وتماسك المؤسسة شيء آخر، لذلك فإننا نجد هناك منافسات و(شللية) داخل
المؤسسة العسكرية تضعف الأداء العسكري كما شاهدنا عام 1967، وهناك شكوك اليوم حول قدرات الجيش المصري القتالية الفعلية.
كيف ترى علاقات الجيش المصري بالحكومات السابقة؟
لا يمكن أن يكون هناك رئيس في مصر يحكم دون موافقة الجيش. فالجيش من ناحية ما صانع
القرار، ولكنه لا يلعب دورا مباشرا في توجيه السياسات العامة للبلاد سواء الخارجية
أو الداخلية، وحتى الحروب السابقة لم يكن من الواضح أن الجيش هو من اتخذ قراراتها كحرب
أكتوبر 1973 أو حزيران/ يونيو 1967، كان حينها الرئيس هو الأقوى.
بين عامي 1991 و2011، أي آخر عشرين سنة في حكم مبارك أعتقد أن الجيش تراجع ولم
يكن له دور سياسي مهم، واعتمد مبارك على وزارة الداخلية، وفضلها في الميزانيات، ومنحها
العديد من الصلاحيات، وكان دور الجيش ثانويا لحد ما.
كيف ترى سلطة الجيش الحالية خاصة بعد التعديلات الدستورية الأخيرة؟
منذ عام 2013 اختلف الأمر، ولعب الجيش دورا سياسيا هاما، ولكن ضمن معادلة مفادها أن يقوم الجيش المصري بمساندة الرئيس السيسي في سياساته على أنواعها في الميادين المختلفة،
لكن في المقابل صار عنده توقعات أن يكون لديه (الجيش) حصة معينة واستقلالية خاصة.
تتمثل في التعديل الذي أُدخل في التعديلات الدستورية الأخيرة من خلال تفويض
القوات المسلحة بالتدخل لحماية النظام الدستوري والدولة بحسب تقديرها هي لمدى الحاجة
للتدخل، وليس بقرار أو إيعاز من جهة أخرى أو حتى من الرئيس.
باتت القوات المسلحة لأول مرة فوق الدستور، وهذا تم تشريعه وتقنينه، وانتقال
هام يتيح للجيش أن يتخذ قرارا سياسيا لا يمكن إلغاؤه من أي طرف مدني، هذا قد يعني أن
الجيش يحكم مصر وقد يعني أن الجيش يستطيع التراجع عن دوره المباشر اليومي الذي نشهده
الآن، لأنه أصبح بمقدوره العودة للواجهة عندما يحتاج إلى العودة.
والدة سناء وعلاء عبدالفتاح: هذه أسباب استهداف السلطات لنا
"أطباء مصر" لعربي21: لقاؤنا برئيس الحكومة لم يسفر عن جديد
مستشار مرسي لعربي21: هذا ما حققه صمود الرئيس بعد الانقلاب