عبر حسابات مشبوهة ومجهولة الهوية، وتدّعي نسبتها إلى
بلاد الحرمين، ظهرت حملة مريبة لتبث سموم الفتنة
العنصرية، وتحاول التشكيك في
عروبة شمال أفريقيا، وزرع الفتنة العنصرية بين مسلمين وعرب تجمعهم جميعا هوية
الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ المشترك، باختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم.
والهوية الثقافية الحضارية ليست كما يعتقد البعض
هوية عرقية جينية، فالإنسان بأخلاقه وإنسانيته وبعمله ونجاحه، ولا فضل لعربي على
غيره، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، كما بين ذلك بوضوح نبي المساواة والإنسانية،
مؤكدا أن الناس سواسية كأسنان المشط.. "أَيُّهَا النَّاسُ! كُلُّكُمْ
لِآدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنَ التُّرَابِ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى
عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ،
وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِتَقْوَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ".
وقبل ذلك أكد القرآن الكريم بوضوح أن الله خلقنا
شعوبا لنتعارف ونتكامل، وأن أكرمنا عند الله أتقانا.. "يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ". نعم إن الله عليم وخبير، ومن يدعي أنه أكثر علما من الله
وأن الله فضل جنسا على جنس فقد غرق في أوحال الكذب والجهل والغباء، وتلطخ بقاذورات
العنصرية وجعل من نفسه أضحوكة ومحلا للسخرية.
فالعنصرية فسوق وظلم وانحراف عن الفطرة السوية، فضلا
عن كونها عاهة خلقية ومرضا نفسيا يستوجب العلاج وإعادة التأهيل الإنساني.
والحملات المشبوهة لإثارة الفتنة العنصرية في
المنطقة العربية التي تستهدف اليوم شعوب دول
المغرب العربي لا تنطلق من فراغ، فقد
جاءت بعد جهود حثيثة باءت بالفشل لإثارة فتنة صراع بين الإسلاميين والقوى الوطنية
الأخرى، وبعد أن فشلت هذه الحملة ظهرت حملة التشكيك بعروبة أفريقيا العربية من
أصوات مشبوهة في توقيت مشبوه.
وما نود تأكيده أن ما يربطنا كشعوب عربية إسلامية من
هوية مشتركة وثقافة وحضارة وتاريخ يفتخر بها حتى العربي المسيحي؛ أكبر من عوامل
التفرقة التي تحاول الأنظمة التابعة أو بعض أدوات الاستعمار إثارتها هنا أو هناك،
وما يجمعنا كمسلمين وعرب لا علاقة له بسياسات هذا النظام أو ذاك "ولا تزر
وزارة وزر أخرى".
وعموما فالراجح حتى الآن أن الأصوات المشبوهة لا
علاقة لها بأهل الخليج ولا بأهل بلاد الحرمين، وإنما هي شخصيات حاولت تقمص
هويات سعودية مزيفة لغرض الإساءة لأهل بلاد الحرمين، ومن المؤسف أن قنوات دولية
كبيرة تروج لمثل هذه الحملات المشبوهة.
وهذا الترويج ليس بريئا، فتكريس العنصرية بين الشعوب
العربية سياسات إعلامية قديمة متجددة، وتتورط في إثارتها أحيانا مخابرات تابعة
لأنظمة قمعية معادية لقضايا الأمة، فهي تستخدم العنصرية كسلاح في تمزيق الأمة وفي
إماتة روح التضامن بين الشعوب العربية والإسلامية، وفي إثارة الكراهية والتحريض
الداخلي حتى تفقد الأمة مقومات الصمود، ويسكت الناس عن الصفقات التي تستهدف مقدسات
الأمة وتستهدف تمزيق الوحدة السياسية للدول العربية والإسلامية، وتستهدف التحولات
الديمقراطية والموجات الثورية المتجددة.
إن تأثير إثارة العنصرية اليوم ينطوي على خطورة
بالغة في عصر مواقع
التواصل الاجتماعي، حيث يستطيع فرد واحد مجهول الهوية تبني
حملة تتحول وباء وفيروس في التفشي وسرعة الانتشار وفي تدميره للنسيج القيمي
والأخلاقي، وتهديده لروح الوحدة والتضامن والأخوة، ويتحول إلى وسيلة لإشعال حرائق
الأحقاد والكراهية.
وختاما نقول لمروجي حملات العنصرية كما قال نبي
الإنسانية صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة"، وإنها جيفة قذرة
تنبعث روائحها العفنة عبر مواقع التواصل فتسيء إلى أصحابها قبل إساءتها للآخرين.