الحروب، خاصة في حال تحولها إلى مواجهات مدعومة إقليميا ودوليا، تخلف آثارا خطيرة حتى بعد انتهائها بتسوية أو هزيمة أحد الأطراف، ويتحمل المسؤولية من أوقدوا نارها.
ومن أبرز الآثار الخطيرة لما يمكن أن تسميه حروب الوكالة تعاظم نفوذ وسلطة الأطراف الإقليمية والدولية في تقرير مصير البلد، وما ينجم عنه من استقطاب بين الفرقاء الليبيين ومحركيهم من الفاعلين الإقليمين والدوليين، ويتحمل المسؤولية في ذلك من أسسوا مشروعهم على الدعم الخارجي وتقووا عسكريا بالارتماء في أحضان الدول ذات التاريخ الاستعماري الإجرامي والفظائع التي يندى لها الجبين.
عدوان عواقبه معلومة
شرع حفتر في هجومه على العاصمة وانساق قطاع واسع من النخبة في تبريره والتعبئة له، فانتهى العدوان إلى خسران، ورفع حفتر الراية البيضاء من القاهرة، بعد أن أوهم أنصاره أن لا رجعة عن دخول طرابلس بالقوة، وبدل أن يراجع من تورطوا في العدوان على طرابلس وبرروا الاستعانة بكل طامع من الملل والنحل الشرقية والغربية مواقفهم من العدوان وما خلفه من كوارث، وعوضا عن أن تتجه سهامهم للمخادعين الذي أوهمهم بأن حربهم لأجل الوطن وأنهم ماضون فيها إلى أن يحرروا العاصمة، وأن النصر قريب جدا جدا جدا، وأن لا تفاوض مع الإرهابيين، نراهم اليوم يتقدمون الصفوف للتعمية عن النتائج الكارثية للحرب والتغطية على خداع وتضليل عرابيها، ليغرقوا الوطن والمواطن في أوحال تزييفهم.
التضليل والتزييف مستمر
ونشهد اليوم جولة جديدة من التضليل، فالمهزوم يحتاج أن يستوعب الهزيمة ويسوق لأنصاره مبررات الفشل ليخفف عنهم وطئته ويحفزهم للاستمرار في الدعم ومواجهة تداعيات الانكسار.
آلة إعلام "الكرامة" تعمل بتوجيه وتخطيط خارجي لتحويل الانظار عن الهزيمة بتصوير استعانة حكومة الوفاق بأنقرة لمساعدتها في وقف العدوان المدعوم من روسيا وفرنسا ومصر والإمارات والسعودية والأردن على أنه خيانة وأن دخول تركيا على خط الصراع غزو.
تناقضات مكشوفة لشريحة واسعة من النشطاء وعدد غير قليل من "القامات" السياسية والثقافية والاجتماعية، والذين صمتوا عن التدخلات الخارجية دهرا، بل هاجوا لها طربا، ذلك أنها كانت لصالح حزبهم وشيعتهم، ثم انبعث فيهم الحس الوطني المرهف ضد التدخل الاجنبي فسخَّروا حناجرهم وأقلامهم لمقاومة الغزو "العثماني البغيض".
تناقضات مفضوحة
نقد هؤلاء وتجريحهم لا يمكن أن يستسيغه عاقل، إذ لا تساوق أو تماسك منطقي ورائه، فهم يٌسَرَّون وتسمع لحبورهم ضجيج في كل مكان لاتصال الرئيس ترمب بحفتر ليبارك عدوانه على طرابلس في أبريل 2019م، وأضحت الولايات المتحدة بعد ذلك الاتصال القوة الخيرة، لكنها تحولت في نظرهم إلى شيطان أكبر بعد أن تخلت عن "قائدهم" ومالت إلى الوفاق.
آلة إعلام "الكرامة" تعمل بتوجيه وتخطيط خارجي لتحويل الانظار عن الهزيمة بتصوير استعانة حكومة الوفاق بأنقرة لمساعدتها في وقف العدوان المدعوم من روسيا وفرنسا ومصر والإمارات والسعودية والأردن على أنه خيانة وأن دخول تركيا على خط الصراع غزو.
قد يقول قائل أن صاحب الحق يفرح بالنصرة ويتألم للخذلان، وهو قول له وجاهة، لكن هؤلاء الحق منهم بعيد، فمبررات العدوان على طرابلس واهية، ودوافعه مزيفة، وقد اتضحت لكثيرين ممن ساندوا حفتر وكانوا من أقرب المقربين له، فانقلبوا عليه وعارضوا مشروعه.
رمتني بدائها وانسلت
ترتكب الفظائع من قبل جيش حفتر والعناصر المساندة له، تدمير بيوت، قتل نساء وأطفال، تعذيب وتصفية معتقلون وأسرى، نبش قبور وتمثيل بالجثث وعرضها في مواكب مخزية ومروعة، مقابر جماعية، ألغام تحصد أرواح المدنيين، فلا تتحرك للنخبة شعره ولا ينبسون بكلمة إدانة أو استنكار، أما إذا تورطت القوة المساندة للوفاق في انتهاكات، نعترف نحن بوقوعها وندينها، تقوم عندهم الدنيا ولا تقعد وتتحرك فيهم الإنسانية والأدمية فيتألمون لما وقع ويتفنون في توصيفه بأبشع النعوت!!
عليَّ وعلى أعدائي
خطاب المهزوم وصراخ المنكسر لا سقف له، فكما كانوا مندفعين في دعم العدوان دون حساب لنتائجه وتقدير لأثاره من دمار في الإنسان والعمران وتمزيق للوحدة التراب والاجتماع وتبرير للتدخل الخارجي، ها هم اليوم يندفعون بنفس القوة لتمزيق بقايا الوطن المنقسم على نفسه، وقد كنا نرجو أن يحاسبوا أنفسهم ويعترفوا بخطأهم في تأييد العدوان، لكنه الإنكار الذي يفاقم الوضع، والعناد الذي يكرس القطيعة، والهوى الذي يورد أصحابه المهالك، وتكون عواقب كل ذلك خطيرة على البلاد.
اتقوا الله في ليبيا والليبيين، فقد أنهكتها الحروب، ومزقتها الصراعات، ووالله الذي لا إله غيره لو كان في قلوبكم ذرة حب للبلاد وأهلها ما بررتم العدوان ولا أيدتم الحرب، ولجنحتم للسلم، فلو لم يكن في السلم خير إلا وقف حمام الدم ومنع الدمار الذي لحق ممتلكات الناس وأرزاقهم لكفى.