ملفات وتقارير

انقسام حول التوقيت.. هل يعود الزخم لحراك الجزائر من جديد؟

يرى المحامي بادي أن السلطة تنتهج خطة أمنية قضائية خارج الأطر الدستورية لمنع عودة الحراك- الأناضول

لم تشهد العاصمة الجزائرية مظاهرات في جمعة اليوم، استجابة لبعض النداءات التي دعت لاستكمال مسار الحراك الشعبي، رغم ظروف الوباء، لكن مدنا أخرى في البلاد، خاصة في منطقة القبائل، سُجّل فيها خروج عدد من المواطنين.


وبدت الشوارع الرئيسية للجزائر العاصمة، الجمعة، ابتداء من ديدوش مراد إلى حسيبة بن بوعلي وصولا إلى العربي بن مهيدي وعميروش، خالية من أي حركة توحي بعودة مظاهرات الحراك الشعبي، ما رجّح كفة التيار الممثّل برموز بارزة في المظاهرات، والذي دعا إلى تأجيل الخروج للشارع لأن الظرف الصحي في البلاد، لا يسمح بذلك.


عكس ذلك، عرفت ولايتا بجاية وتيزي وزو، الواقعتان في منطقة القبائل، احتجاجات انتهى بعضها إلى بعض حوادث العنف المحدودة، بعد محاولة السلطات الأمنية تفرقة هذه المظاهرات.


وقال سعيد صالحي، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن عددا من المتظاهرين اليوم حاولوا تنظيم مسيرات في عدد من الولايات، لكن الشرطة منعتهم واعتقلت العشرات منهم.


وذكر صالحي في تصريح لـ"عربي21"، أن الشرطة استعملت غازات مسيلة للدموع لتفرقة المتظاهرين، ما أدى إلى حوادث عنف بقلب مدينة بجاية.


وحذّر صالحي الذي يعارض عودة المظاهرات في هذا التوقيت، من أن تؤدي حالة القمع ضد النشطاء في الفترة الأخيرة، إلى استغلال البعض لذلك وإخراج الحراك الشعبي عن طبيعته السلمية.


دعوات الخروج

وجاءت دعوات الخروج التي انطلقت منذ أيام، في معظمها من شخصيات مقيمة خارج البلاد، رأت بأن الوضع أصبح مناسبا لاستعادة نفَس الحراك الشعبي، مستدلّة برفع حالة الحجر الصحي الذي أقرته الحكومة وعودة مظاهر الحياة للشوارع الجزائرية في الأسواق الشعبية والمحلات.


غير أن هذا الطرح لم يلق قبولا من وجوه بارزة في الحراك الشعبي داخليا، رأت أن هناك استعجالا غير مبرر في الدعوة للخروج، بسبب استمرار انتشار وباء كورونا في العديد من الولايات وفق ما تظهر الأرقام الرسمية.


وقال المحامي والحقوقي عبد الغني بادي، وهو من أكثر الشخصيات المسموعة داخل الحراك، إن "عودة المظاهرات في هذه المرحلة الوبائية والحجر الصحي، تهدد الصحة العامة من جهة ومستقبل الحراك من جهة أخرى.


وأوضح بادي في تصريح لـ"عربي 21"، أن الدعوة للخروج في هذا الوقت، لا تسندها أي ضمانات لشحذ التعبئة والحشد والزخم الذي من شأنه الضغط على السلطة، خاصة أن قلة التعبئة تعني الإفراط في القمع والمتابعات واعتقال الحراكيين.


واستدلّ الحقوقي بالفترة الأخيرة التي سبقت تعليق المظاهرات، حيث كانت القوى الأمنية، حسبه، كثيرا ما تقمع الحراك قبل وبعد نهاية المسيرات الشعبية مستغلة قلة عدد الحاضرين.


ومن وجهة نظر سياسية، أضاف بادي أنّ الحراك ومطالبه الداعية إلى التغيير وبناء دولة القانون، "هو في الواقع ميزان قوة تفرضه قوة التعبئة والحشد، غير ذلك ستكون حرية وسلامة الحراكيين على المحك، دون تحقيق أي مكاسب على صعيد الأهداف".


غضب داخل الحراك
وبعيدا عن الجدل المحتدم حول التوقيت المناسب لعودة الحراك الشعبي، تسبب عامل الضغط في الفترة الأخيرة الذي سبّبته حملات الاعتقالات الواسعة في صفوف النشطاء، في ارتفاع منسوب الغضب لدى الحراكيين.


وسجّل في الشهرين الأخيرين، عدد واسع من الاعتقالات طال وجوها معروفة بمساهمتها الفعّالة في التعبئة للمظاهرات، في معظم الولايات الجزائرية، كان آخرها اعتقال مؤسسة حركة بركات التي ناهضت العهدة الرابعة للرئيس السابق في 2014، والكاتب والناشط فضيل بومالة الذي أفرج عنه مؤقتا في انتظار محاكمته.

 

اقرأ أيضا : معضلة الأمازيغية في الجزائر.. لغة أم شماعة؟ (2من2)


وأدى هذا الوضع إلى توليد شعور عام لدى أبناء الحراك وعدد من السياسيين، بأن السلطة استغلت وقف المظاهرات في تصفية حساباتها مع المعارضين وزرع مناخ من الخوف، من أجل ردعهم عن العودة للتظاهر بعد زوال خطر الوباء عن البلاد، وهو الرأي الذي ذهب إليه تكتل البديل الديمقراطي المعارض في اجتماعه الأخير.


ويرى المحامي بادي أن السلطة تنتهج خطة أمنية قضائية خارج الأطر الدستورية لمنع عودة الحراك، خاصة بعد أن شعرت بعجزها عن أي إقناع في الأداء السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبقاء الأوساط الشعبية في حالة غضب عارم قد يكون الحراك تعبيرا حقيقيا عنه.


تحيين مطالب الحراك
وتزامنا مع دعوات الخروج للشارع، بدأت أصوات داخل الحراك الشعبي ترتفع بخصوص ضرورة تحيين مطالب الحراك وصبّها في أرضية جامعة تقدم خارطة طريق متفق عليها للخروج من الأزمة السياسية. 


وفي اعتقاد لويزة آيت حمادوش أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، فإن مرحلة تعليق المظاهرات، كانت فرصة لتنويع مظاهر الحراك، من خلال تكثيف العمليات التضامنية والمشاركة في محاضرات توعية ونقاشات على الفضاء الالكتروني. 


وأوضحت آيت حمادوش في تصريح لـ"عربي21"، أن كل هذا يدل في الحقيقة على استعداد الحراكيين إلى الانتقال من مرحلة الاحتجاج والدخول في مرحلة الاقتراح. 


وأبرزت آيت حمادوش، أن مناقشة ما يرد في خارطة طريق السلطة هو بدوره فرصة لإثراء اقتراحات بديلة وموازية بدلا من الاكتفاء بحالة الرفض دون تقديم أي بديل.


ومن جانب السلطة، تبدو الأمور محسومة في الذهاب إلى التعديل الدستوري الذي سيتولّد عنه انتخابات تشريعية مسبقة، وهو الطريق الذي يراه الرئيس عبد المجيد تبون في حواراته الصحفية، لإدخال البلاد عهد الديمقراطية.