تمكّن حزبا الأغلبية في الجزائر، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، من انتخاب قيادتين جديدتين، في توقيت متزامن الأسبوع الماضي، ما أثار شكوكا حول سعي دوائر السلطة لبعث الروح من جديد في الموالاة التقليدية، استعدادا للاستحقاقات المقبلة.
ورافق انعقاد دورة اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني والمؤتمر الوطني للتجمع الوطني الديمقراطي، جدل واسع حول تمكين الحزبين من رخصة الاجتماع، في وقت تمنع السلطات بشكل مطلق التجمعات وتفرض حجرا صحيا صارما على المواطنين، في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا.
وظلّ الحزبان زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، يسيطران على كل المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، في مقابل الولاء الدائم والمطلق للرئيس، حيث قاما بدعمه في كل الانتخابات الرئاسية وكانا من بين المروّجين لمشروع العهدة الخامسة، إلا أن الحراك الشعبي الذي أطاح بحكم الرئيس السابق، أجبرهما على التراجع للوراء.
لكن إرادة التجدد، ظلت تسكن هذين الحزبين، فقد شهدا اضطرابات داخلية عديدة، خصوصا مع إحالة أبرز قياداتهما إلى السجن، وبقي التدافع داخلهما قويا حول من يعتلي القيادة في الظرف الجديد ويستطيع التخلص من التركة السابقة واكتساب مصداقية داخل دوائر القرار في السلطة وعند الأوساط الشعبية التي كانت تمثل وعاء انتخابيا خاصة لحزب جبهة التحرير الوطني.
اقرأ أيضا: إسلاميو الجزائر يلوحون للعودة إلى الحراك إذا فشل الإصلاح
واللافت أن الحزبين اللذين يطلق عليهما في الجزائر لقب الجهاز، لاعتقاد المشتغلين بالسياسة أنهما يفتقدان قرارهما الداخلي، قد اختارا قياداتهما الجديدة عبر نظام التزكية في غياب أدنى منافسة على منصب الأمين العام.
إعلان الولاء للرئيس
وآلت القيادة في حزب جبهة التحرير الوطني، إلى أبو الفضل بعجي وهو من قيادات الصف الثاني في السنوات السابقة، حيث اشتغل مع عمار سعداني وجمال ولد عباس الأمينين العامين السابقين في المكتب السياسي، واشتهر بدفاعه المستميت عن الحزب وولائه للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على شاشات التلفزيون.
وكان بعجي ذكيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حيث اختار دعم المرشح عبد المجيد تبون الذي فاز بالرئاسة، خلافا لقيادة حزبه التي اصطفت مع المترشح عز الدين ميهوبي الذي حل رابعا في الترتيب الأخير.
أما حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فقد اختار الطيب زيتوني أمينا عاما له، خلفا لأحمد أويحيى رئيس الحكومة السابق المدان في السجن بتهم فساد ثقيلة، علما أن زيتوني كان من أكثر قيادات الحزب خلافا مع أويحيى وعمل على الإطاحة به من على رأس الحزب سنة 2012، فيما عرف حينها بـ"لجنة إنقاذ الأرندي (تسمية الحزب المختصرة)".
وفور انتخابهما، سارع بعجي وبدرجة أقل زيتوني، إلى إظهار الولاء للرئيس الجديد، عبد المجيد تبون، وإبداء استعدادهما للانخراط في مسعى تعديل الدستور المطروح حاليا للنقاش العام في البلاد.
وذهب حزب جبهة التحرير الوطني إلى حدّ وصف الرئيس الحالي بالمناضل في الحزب وإعطائه صفة عضو اللجنة المركزية، وهو ما اعتبرته بعض القراءات محاولة للتموقع من جديد عبر بوابة الرئاسة.
مخاوف تجديد النظام لنفسه
وتزامنا مع هذه التطورات، كتب عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، على حسابه على "تويتر"، قائلا: "أمارات تجديد النظام لنفسه بأسوأ ما فيه تتوالى، سيخسرون، ولكن للأسف قد تخسر الجزائر معهم".
وأضاف مقري الذي سبق وأن اتهم الحزبين بالتزوير على حساب حركته: "واجبنا أن نجعل الجزائر لا تخسر، مهما فعلوا، ومهما كان الثمن الذي ندفعه، لله وللوطن ووفاء للشهداء والمجاهدين، ووفاء للمناضلين الصادقين عبر الزمن".
واضطرت الرئاسة، في ظل الجدل المتصاعد، إلى نشر توضيح عبر وكالة الأنباء الجزائرية، ينفي أي علاقة تنظيمية للرئيس تبون بحزب جبهة التحرير الوطني، مشيرة إلى أنه جمّد عضويته في اللجنة المركزية للحزب، وهو اليوم رئيس لكل الجزائريين.
واعتبرت بعض الآراء، أن هذا التوضيح، كان بمثابة قطع طريق من أمام الحزب، لمعاودة استراتيجيته السابقة في الالتحام بالطرف القوي في السلطة والاستفادة من ذلك في الحصول على الدعم في الاستحقاقات الانتخابية.
جبهة التحرير ستكون متحررة
لكن على عكس ذلك، استبعدت الدكتورة إيناس نجلاوي عضو اللجنة المركزية في حزب جبهة التحرير الوطني، أن يكون هدف الرئيس تبون من نفي علاقته التنظيمية، إضعاف الحزب.
وقالت نجلاوي في تصريح لـ"عربي 21"، إن الرئيس تبون "لم يقل سوى أن عضويته في اللجنة المركزية مجمدة، وهي نقطة سترفع عن الأمين العام الجديد للحزب، أبو الفضل بعجي حرج التبعية للرئاسة ودعم برنامج الرئيس".
اقرأ أيضا: انتخاب أمين عام جديد لحزب بوتفليقة في الجزائر
وحول قدرة الحزب على استعادة مصداقيته، ذكرت نجلاوي أن "جبهة التحرير، ما زالت إلى اليوم حزب الأغلبية حتى حلّ المجالس المنتخبة، وهي ستكون شريكا أساسيا في المشاورات الدستورية، لكن تموقع الحزب من جديد، مرتبط حسبها، بالأسماء التي سيتم اختيارها في مواقع المسؤولية سواء في هيكلته أو في قوائمه الانتخابية".
وعن تأثير الحرس القديم على الحزب، أوضحت نجلاوي أنه لا يمكن سياسيا التخلص من كامل التركة، لأن الحزب مختلف في تركيبته فهو غير مستقل بذاته، وهناك جهات في الرئاسة وكذلك قدامى الجيش بحكم الشرعية التاريخية، يبدون آراءهم فيه.
واستطردت المتحدثة: "لكن بإمكان القيادة الجديدة، محاولة مد الجسور بين الحرس القديم وشبيبة الحزب، من أجل تجديد الحزب وجعله قادرا على استيعاب التغيرات التي حدثت في البلاد".
ضرورة انتخابية
وخلافا لهذه النظرة، يرى الدكتور نوري دريس الباحث في علم الاجتماع السياسي، أن الهدف من إعادة ترميم الحزبين، هو إدراك السلطة بعد انتخابات 12 كانون الثاني/ديسمبر بأنها لا تستطيع بناء قاعدة شعبية جديدة، وأن المجتمع بشكل عام متذمر منها، خاصة في ظل الموازنة الجديدة التي ترفع الضرائب والأسعار.
وأبرز دريس في حديثه لـ"عربي 21"، أن السلطة فهمت أن أفضل طريقة لتمرير انتخابات تشريعية هي العودة إلى الأساليب القديمة، أي الاعتماد على "أحزاب أجهزة"، لإفساد الحقل السياسي وإخراج الناس من الاهتمام بالسياسة لترك الساحة فارغة لهم.
وتابع الباحث تحليله قائلا: "الانتخابات الرئاسية ليست كالتشريعيات. فالأولى من السهل خلق إجماع حولها، أما الثانية، إذا جرت دون هذين الحزبين، فإن هناك خطرا في تصويت المواطنين على أحزاب أو أشخاص خارج السلطة. لذلك أعتقد أن حضور هذين الحزبين، سيولد حالة يأس وسيدفع للمقاطعة الواسعة التي ستترك الساحة للسلطة".
21 دولة أفريقية تتلقى أسلحة روسية تتصدرها 3 عربية (شاهد)
دستور جديد للجزائر جاهز للمناقشة.. ما أبرز مواده المثيرة؟
على صفيح ساخن.. إليك أقوى 5 أساطيل بحوض المتوسط (شاهد)