لم تنجح توضيحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في حسم الخلاف حول التعديل الدستوري المقترح الذي يسمح للجيش الجزائري بالمشاركة في عمليات خارج البلاد.
وأظهرت المواقف المعلنة منذ ظهور مسودة الدستور، قلقا
بالغا إزاء إدراج هذه المسألة، حيث ظهر من هو رافض بالمطلق لهذا التعديل في حين ثمة
من أبدى تحفظات عليها، وهناك من أيّد بالمقابل هذا التعديل.
الرئيس يدافع بقوة
وفي دفاعه عن هذا التعديل المقترح، قال الرئيس عبد المجيد
تبون، في لقاء على التلفزيون الرسمي الجمعة، إن مسألة مشاركة الجيش في عمليات عسكرية
خارج التراب الوطني، ستكون تحت مظلة المنظمات الدولية وضمن عمليات حفظ السلام، كما
أنها ستكون مقيّدة بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان.
وأوضح الرئيس أن هذا التعديل ليس تغييرا في فلسفة عمل
الجيش، بل هو رجوع للأمور إلى نصابها، من منطلق أن الجيش إذا حدث وشارك في عمليات خارجية
فإن ذلك سيتم "تحت حماية القانون والدستور ومن أجل الاضطلاع بمهام سلمية دفاعا
عن الجزائر".
وضرب الرئيس مثالا، بالهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الجزائر
في كانون الثاني/ يناير 2013 على قاعدة بترولية، مشيرا إلى أن ما أعاق في التصدي هو
أن الفلسفة المعتمدة تمنع الهجوم على الإرهابيين طالما لم يصلوا بعد إلى حدود البلاد،
بينما يعدّ في بعض الأحيان "الهجوم أحسن دفاع في حدود معينة"، وفق قوله.
اقرأ أيضا: عقيلة صالح في الجزائر بزيارة مفاجئة للقاء تبون
لكن أكثر ما يقلق في هذا التعديل المقترح، هو أن توقيته
يتزامن مع أزمات إقليمية عديدة على الحدود الجزائرية، أبرزها في ليبيا التي تحد الجزائر
شرقا ومالي والنيجر على حدود البلاد الجنوبية.
وفي هذه النقطة، حرص الرئيس على التأكيد على أن الجزائر
ليس في واردها على الإطلاق التدخل عسكريا في ليبيا، لافتا إلى أن التعديل الدستوري
المقترح، لا علاقة له البتة بما يحدث في هذا البلد.
جذور اقتراح التعديل
ومن وجهة نظر الخبير الأمني أكرم خريف، فإن إدراج إمكانية
تدخل الجيش خارج الحدود، لا يمثل تهديدا لدول الجوار أو أي دولة أخرى، ولكنه مجرد تقنين
وضبط لقرار يلزم كامل الدولة، عبر إشراك البرلمان في اتخاذه.
وأوضح خريف في تصريح لـ"عربي21"، أن فكرة دسترة
إرسال قوات للخارج وضبطها بالقانون، تولّدت من أحداث السنوات الأخيرة التي كان فيها
الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مريضا، في وقت كانت حدود الجزائر ملتهبة خاصة في
الشرق والجنوب، مع أزمتي ليبيا والساحل.
اقرأ أيضا: تباين مواقف دول عربية من أزمة ليبيا.. محايدة ومنحازة
وأبرز خريف، أنه منذ سنة 2011 وجد رئيس أركان الجيش نفسه
في ورطة كبرى، إذ كانت الرئاسة من جهة فارغة ويتحكم فيها فقط شقيق الرئيس، وكان هناك
خلاف من جهة أخرى مع قائد المخابرات، ما ولّد جمودا في اتخاذ القرار في مسائل هامة
تخص الأمن القومي الجزائري.
واعتبر خريف أن ما يسمى بعقيدة عدم التدخل العسكري، تم
الترويج لها في تلك الظروف التي لم يكن فيها ممكنا اتخاذ قرار داخلي، في حين أن الواقع
يشير إلى تدخل الجزائر خارجيا في عدة أزمات مثل الحروب العربية الإسرائيلية وفي دول
مثل لبنان وتنزانيا، كما أن الجزائر، استعادت أحد أهم المبحوث عنهم وهو عبد الرزاق
صايفي المدعو "البارا" من دولة التشاد.
"قطيعة
مع مبادئ الثورة"
غير أن الرافضين لهذا التعديل، ينظرون إلى أبعد مما يقوله
الرئيس تبون حول الوضع الليبي حاليا، إذ لا يعلم أحد كيف ستتطور الأمور مستقبلا وتفكير
المتحكمين في اتخاذ القرار، ما يجعل هذه المادة الدستورية في حال اعتمادها أشبه عندهم
باللعب بالنار.
ويعدّد رمضان تعزيبت وهو أبرز قيادات حزب العمال الرافض
لهذه المادة، عدة مخاطر بإمكانها أن تترتب على السماح للجيش بالمشاركة في عمليات خارج
الوطن.
وذكر تعزيبت في تصريح لـ"عربي21"، أن السياسة
الدفاعية الجزائرية كانت دائما مستمدة من مبادئ ثورة التحرير الجزائرية، وهي التي سمحت
للبلاد، بتجنب المشاركة في مغامرات دموية عدوانية في منطقة الساحل وأزمات الدول التي
تقع شرق الجزائر مثل ليبيا وسابقا العراق وسوريا.
اقرأ أيضا: الرئيس الجزائري: لن ننخرط بلعبة المد والجزر في ليبيا
وأبرز تعزيبت أن تدخل الجيش خارج التراب الوطني، قد يكون
مدعاة لجلب الإرهاب الدولي لبلادنا من أجل الانتقام، وهو ما اكتوت بناره العديد من
الدول التي تراجع بعضها عن النشاط خارج حدوده تحت ضغط الرأي العام القوي فيها.
وشبّه المتحدث إشراك الجيش في عمليات حفظ السلام المزعومة،
تحت غطاء الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، بمثابة وضع الإصبع في
ماكنة قد تنخر الجسم.
وتساءل: "متى تدخلت الأمم المتحدة واسترجعت السلم،
هل في العراق أم أفغانستان أم سوريا أم مالي أم الصومال، أليست كلها دول غارقة في حروب
لا تنتهي؟".
ويعتقد النائب السابق في البرلمان، أن المنظمات الدولية
والقارية والإقليمية غالبا ما تتحكم فيها القوى العظمى مباشرة أو عن طريق حكومات وأنظمة
موالية، لذلك فإن دسترة خروج الجيش خارج الحدود يعرض البلاد لكل أشكال الضغوطات لدفع
الجيش بالقيام بالحروب بالوكالة.
"مخاطر
داخلية"
على صعيد آخر، يرى المتحدث أن هذا الإجراء، له انعكاسات
داخلية، منها أنه سيؤدي إلى تراجع عدد المجندين في الخدمة الوطنية خشية إرسالهم إلى
ميادين القتال خارج الوطن.
وقال تعزيبت أن ما حفظ الجزائر خلال فترة العشرية السوداء
التي واجهت فيها الإرهاب، هو عقيدة عدم التدخل في شؤون الآخرين الذي جنب البلاد تدخل
قوى أخرى في وضعها الداخلي، لكن هذا المبدأ، حسبه، إذا سقط فسيعطي ذريعة لقوى أخرى
للتدخل في بلادنا.
وما يبعث على القلق أكثر، حسب المتحدث، هو أن الجزائر
دولة تتمتع بثروات بترولية وغازية معتبرة، ما يجعلها محل أطماع دول وشركات متعددة الجنسية
تستعمل عقيدتها التدخلية في السطو على ثروات البلدان، مثلما حدث في العراق.
إيكونوميست: هل سيعود الحراك الجزائري إلى الشوارع؟
مراقبون: حكم السيسي ربط مصير مصر بالمصالح الأجنبية
حزبا بوتفليقة يخضعان للترميم.. هل هي ضرورة انتخابية لتبون؟