يبدأ بعد أيام العمل بقانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019 الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2019، بعد أن وافق على مشروع القانون أكثرية أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي، في خطوة كرست رغبة مشتركة لدى النواب لإحداث تحول في سياسة حكومتهم في الملف السوري وحوله.
القانون المستند إلى جرائم قتل المدنيين تحت
التعذيب كما هو معروف، يتضمن فرض عقوبات أولها يطال كيانات وأفرادا في نظام الأسد،
وثانيها يصيب المتعاملين بطريقة أو بأخرى مع النظام بادئا بمن يشاركونه، وصولا إلى
من يقدمون له مساعدات أو دعما ماليا أو تقنيا أو عسكريا أو خدمات، مما يعني أن
العقوبات سوف تطال دولا وهيئات ومنظمات وشركات وأفراد، لكن أهم من ستصيبه المروحة
الواسعة من العقوبات روسيا وإيران الغارقتين في العلاقة مع النظام.
وتراهن الإدارة الأميركية على تطبيق العقوبات
لإحداث تحولات سياسية في القضية السورية، وهو ما أشار إليه السفير الأميركي
المتابع للملف السوري جيمس جيفري بتأكيد أن العقوبات ستدفع النظام للذهاب إلى حل
سياسي في سوريا، يستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254. انطلاقا من الوقائع
القائمة حاليا عبر دعم وقف إطلاق النار في إدلب، ودفع اللجنة الدستورية للمضي في
عملها، وتمهيد الطريق لانتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة. والتي يتطلع
الأميركيون، أن لا يكون بشار الأسد بنتيجتها في الرئاسة السورية.
وللحقيقة، فإن هناك انقساما في تقدير النتيجة
العملية لما تمثله تطبيقات قانون قيصر من تطور في السياسة الأميركية حيال القضية
السورية. فقسم رئيس من السوريين ومتابعي الملف السوري، يبالغون بما يمكن أن تحمله
تلك التطبيقات مستندين إلى ما يتضمنه القانون في محتوياته ودلالاته، وما حظي به من
اهتمام المشرعين والرئيس ورجالات الإدارة، ويضيفون إلى ذلك، أن القانون يفتح باب
تعامل أميركي أكثر جدية في القضية السورية بعيدا عن أي إعاقات يملكها الروس
وحلفاؤهم الصينيون في مجلس الأمن للاعتراض بالفيتو على أي قرار دولي يخص القضية
السورية أو يتصل بها، وهو أمر لا يملكه أحد بصدد تطبيقات قانون قيصر الذي لا شك
أنه سيوقع عقوبات بداعمي نظام الأسد والمتعاملين معه من دول وكيانات وأفراد، مما
سيدفع كثيرين للسعي نحو التفاهم مع الأميركيين في القضية السورية وحولها، وبالتالي
إحداث تحولات في المشهد السوري، تكسر صورته الراهنة، إن لم نقل بأنها سوف تبدله
نحو الأفضل.
غير أن فريقا آخر من السوريين ومتابعين للقضية
السورية، يبدون تفاؤلا أقل بما يمكن أن تفعله عقوبات قانون قيصر، ويرون أنها مجرد
إضافة جديدة لسيرة أميركية طويلة من عقوبات، دأبت الولايات المتحدة بفرضها على دول
وكيانات وأفراد كثيرين في العالم من بينها الأطراف الحاضرة والمتدخلة في القضية
السورية وفي مقدمتها نظام الأسد وروسيا وإيران، ويشدد هؤلاء على أن إيران ونظام
الأسد خاضعان للعقوبات الأميركية منذ أربعة عقود، وبدل أن يسقط أي منهما، فإنه
تابع سياساته مظهرا المزيد من التشدد، ويتوقف هؤلاء عند عقوبات فرضها الأميركيون
على إيران وبدل أن تتوقف عن ذلك، فقد أصبحت داعمة للإرهاب على نطاق أوسع، وتمارس
إرهاب الدولة. ويضيف أصحاب هذا الموقف إلى ما سبق قوله، أن الدول التي تتعرض
لعقوبات مثل روسيا وإيران وسوريا بنت سياستها وعلاقاتها على أساس تلك العقوبات،
وعملت على سياسات البدائل سواء في علاقاتها الدولية أو في سياساتها الداخلية،
الأمر الذي فتح بوابات تطور في مجالات معينة، كما حدث في المشروعين النووي
والصاروخي الإيرانيين اللذين تأسسا وتطورا في ظل العقوبات، كما خاضت في ظل
العقوبات حرب الثماني سنوات ضد العراق، وخاض نظام الأسد وإلى جانبه إيران وروسيا
الحرب على السوريين في السنوات التسع الماضية، ما يجعل هذا الفريق من متابعي
القضية السورية، يؤكدون أن احتمالات التأثير الإيجابي لقانون قيصر في الملف السوري
طبقا لما هو معروف وشائع في نظام العقوبات الأميركية سيكون محدودا، وأن نتائجه السلبية
سوف تظهر على الشعوب لا على الأنظمة التي ستجد بوابات هروب وتجاوز للعقوبات، وهو
ما سوف تفعله بعض الشركات والأفراد أيضا.
إن الأطراف التي يمكن أن تصيبها عقوبات قانون
قيصر، سوف تسعى قدر إمكانها وعبر كل الطرق ومنها التخفي والكذب والغش، حتى لا تقع
عليها العقوبات بشكل أو بآخر، وهو أمر بديهي، وهي ستسعى للتهرب من العقوبات، طالما
أمكن ذلك، وجميعها بدأت موجة إعلامية - دعاوية ضد عقوبات قيصر بإعلان رفض العقوبات
وعدم شرعيتها، ووصفتها بأنها تندرج في إطار سياسة عدوانية، وأنها لن تكون ذات جدوى
وستفشل، وقد ظهرت الموجة عند الإيرانيين ونظام الأسد في خطوة استباقية لبدء تنفيذ
قانون قيصر.
وسط كل الوقائع، التي تحمل وتؤشر إلى تناقضات
حول النتائج المرتقبة لقانون قيصر، فإنه لا يمكن التسليم بعدم تأثير العقوبات على
المشهد السوري الحالي نظرا للبيئة الدولية المحيطة، ولحالة الأطراف ذات العلاقة
المتردية وخاصة إيران ونظام الأسد، التي باتت غارقة في أزمات سياسية وانهيارات
اقتصادية واجتماعية عميقة، بالتزامن مع تصاعد في رغبة واشنطن وإسرائيل لإخراج
إيران من سوريا، ولجم تمددها على الخط الواصل بين طهران والبحر المتوسط، الأمر
الذي يعطي واشنطن فرصة تأثير يمكن أن يتصاعد إذا شددت الأخيرة من سياساتها
وعقوباتها لتغيير المشهد السوري، خاصة أن موسكو لن تمانع التبدلات في سوريا، طالما
تم الاحتفاظ بدورها الذي لا تمانعه واشنطن، وتوافق عليه إسرائيل.
(الشرق الأوسط اللندنية)