الأمل هو البلسم الفعّال للكثير من حالات الضعف التي تعيشها الدول والشعوب على حدّ سواء.
والأمل هو الضوء الذي يبدّد الظلام، والمفتاح الذي يفتح كلّ أبواب العمل والعطاء رغم الظروف الصعبة التي تعيشها الدول وشعوبها في مراحل الكوارث والأمراض والحروب والفقر ومراحل الصعوبات التي تواجههم، "ولو لا الأمل لبطل العمل"، كما يُقال في المأثور الشعبيّ!
يأمل العراقيّون منذ عدّة سنوات بأن يجدوا من بينهم قائداً منقذاً محباً لهم، ويمتلك القدرة على ضبط البلاد، وبالذات في الملفّات الأمنيّة والاقتصاديّة والخدميّة!
وقبل عدّة أيّام
حسم البرلمان العراقيّ معضلة رئاسة الوزراء، وتمّت تسمية مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة، وساعتها رأينا كمّاً عجيباً من التفاؤل في الكثير من الصحف والوكالات، وكذلك في مواقع التواصل الاجتماعيّ!
ولا ندري ما هي مبرّرات هذا التفاؤل، وهل هنالك أرضيّة ورديّة حقيقيّة يمكن الارتكاز عليها للتعايش مع هذا الأمل، أو التفاؤل؟
والغريب أنّه ومنذ الساعات الأولى لتسنّم الكاظمي منصبه، انطلقت بعض الأغاني المعدّة سلفاً، والتي تتغنّى بمرحلة جديدة من العمل في
العراق!
ولا ندري مَنْ كان وراء هذه الفعّاليّات التي بعثت برسالة غير جيّدة للعراقيّين؟
وفي كلّ الأحوال تؤشّر هذه الخطوة على أنّ هنالك العديد من "المشرفين والمستشارين" الذين يدفعون باتّجاه القول بأنّ الكاظمي هو "رجل المرحلة"!
وفي أوّل جلسة لرئاسة الوزراء تمّ تصوير الاجتماع بطريقة "هوليودية" غير مفهومة، حيث صوّر عبر كاميرا محمولة على رافعة، وهذا الأسلوب لم نر مثله في مثل هذه الاجتماعات الرسميّة المغلقة لا في العراق ولا في كلّ دول العالم!
ومع كلّ هذا الاصطفاف، البريء وغير البريء، مع الكاظمي، تابعنا تيّاراً يقف بالضدّ منه، ولا يتفق مع الفريق الأوّل نهائياً!
وسنحاول قراءة وجهة نظر كلا الفريقين لنحسم الخلاف، ولنشخّص، وبحياديّة تامّة، الواقع العراقيّ الحاليّ!
يرى الفريق المؤيّد للكاظمي أنّه، وبعد ساعات من تسنّمه منصب رئاسة الوزراء، كرّر تأكيده على محاسبة قتلة المتظاهرين العراقيّين، وإعطاء الحرّيّة للمظاهرات في عموم البلاد!
وفي اليوم التالي أمر الكاظمي بإطلاق سراح كلّ متظاهر معتقل لم يتورّط بالدم، وفعلاً أعلن مجلس القضاء الأعلى تنفيذه للأمر الحكومي مباشرة!
وفي محافظة البصرة الجنوبيّة تعرض المتظاهرون لنيران قاتلة أطلقت من
مقرّ مليشيا " ثأر الله"، وفي الصباح الباكر اعتقلت قوّات حكوميّة، وبأوامر مباشرة من الكاظمي، كلّ المتواجدين في بناية المليشيا!
وفي بغداد، زار الكاظمي دائرة التقاعد العامّة، وأعلن إعادة صرف رواتب المتقاعدين دون المساس بها، وهي زيارة روتينيّة لتهدئة طبقة المتقاعدين بعد توقّف رواتبهم لأكثر من عشرة أيّام!
أمّا الفريق المعارض للكاظمي، فيرى أنّ رئيس الحكومة أحال رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي وكابينته الوزاريّة على التقاعد في الساعات الأولى من جلوسه على مكتبه دون أن يُعلن ذلك، وقد تمّ تسريب نسخة من قرار الحكومة الخطير، أو على الأقل المتناقض مع وعود الكاظمي بمحاسبة قتلة المتظاهرين!
إحالة حكومة عبد المهدي على التقاعد، بالتزامن مع تشكيل الكاظمي لجنة تحقيق في مقتل المتظاهرين، لهو أمر غريب جداً، ذلك لأنّ عبد المهدي ووزراءه الأمنيّين متّهمون بالمشاركة بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة في قتل المتظاهرين، ولهذا كان الأولى بالكاظمي أن يّتريث ويترك موضوع التقاعد إلى مرحلة ما بعد صدور نتائج اللجنة التي شكلها!
وكذلك فإنّ لجنة التحقيق الحكوميّة غريبة جداً، لأنّ الكاظمي، وباعتباره مديراً سابقاً للمخابرات في مرحلة وقوع الجرائم ضدّ المتظاهرين وغيرهم، يفترض أنّه يعلم جيداً منْ هي القوى المنفّذة، أو المتّهمة، وإلا فهي مجرّد خطوة تخديريّة لا تقود إلى أيّ نتيجة مثمرة!
وكذلك بالنسبة لأوامر اعتقال أعضاء مليشيا "ثأر الله" في البصرة فيرى المعارضون أنّها خطوة مهمّة، لكنّها ليست كافية باعتبار أنّ مليشيا "ثأر الله" هي واحدة من عشرات
المليشيات الرسميّة وغير الرسميّة العابثة بأمن الوطن دون المساس بها!
وهكذا يتّضح أنّ قرارات الكاظمي حتّى الآن غير كافية!
وأعتقد أن الخطوة الأهم هي ضرورة صدور قرارات حاسمة وفاعلة تقضي بإنهاء ملفّ المليشيات، واعتقال كلّ متورّط بدماء المواطنين، وتقديمه للعدالة، وإجراء انتخابات برلمانيّة خلال ستّة أشهر على أن لا يشترك فيها أيّ متورّط بقتل العراقيّين!
فمنْ يمكنه تنفيذ هذه الخطوات يمكنه أن يزرع الأمل في حياة العراقيّين، وإلا فلا يعقل تغيير الواقع بفعّاليّات لا تستأصل المشاكل الجوهريّة من جذورها، ومنها المليشيات الإرهابيّة!
twitter.com/dr_jasemj67