منذ أن تحوّل فيروس كورونا/ كوفيد-19 إلى وباء، واهتمام الجمهور منصب بشكل أساسي على متابعة أرقام المصابين والضحايا، وذلك لتقييم وضع كل بلد ومحاولة استشراف المسار الذي من المحتمل أن يسلكه في المستقبل. التركيز على الأرقام استدعى أيضاً إجراء الكثير من المقارنات بين البلدان وتشكيل انطباعات عن مدى نجاعة الإجراءات التي تمّ اتّخاذها في بلد معيّن من عدمها، كما أنّه استحضر تساؤلات عن سبب انتشار الفيروس في بعض البلدان بخلاف بلدان أخرى.
وبالرغم من أنّ الأرقام عادة ما تكون الطريق الأقصر والأكثر وضوحاً في التوصل إلى استنتاجات إلاّ أنّها في حالة كوفيد-19 بالتحديد لم تكن كذلك. ثمّة أسبابٌ عديدة من الممكن الإشارة إليها في هذا السياق لعلّ أبرزها هو أنّ المقارنات تتم على أرضية غير مستوية كأن تتم مقارنة أعداد الإصابات في بلد (أ) يضم حوالي 90 مليون نسمة وفيه حوالي 10 آلاف إصابة مثلاً، مع بلد (ب) يضم حوالي 8 ملايين وفيه حوالي 9 آلاف إصابة، للإشارة الى أنّ أداء الثاني أفضل من الأوّل أو أنّ إجراءاته أكثر نجاعة.
علاوةً على ذلك، فإنّ المقارنات تعتمد على ما يتم إعلانه من قبل الدول التي لا يتمتع عدد منها بالشفافية المطلوبة لكي تتاح مقارنة سويّة. فعلى سبيل المثال في قائمة أوّل عشر دول من حيث الإصابات، هناك ثلاث دول على الأقل لا تتمتّع بالشفافية المطلوبة وهي إيران والصين وروسيا. خلال الأسبوع المنصرم، نقلت وسائل الإعلام خبر تخطّي تركيا لإيران في عدد الإصابات. لكن مثل هذا الاستنتاج لا يبدو مستساغاً عند مراجعة الحالتين.
في قائمة أوّل عشر دول من حيث الإصابات، هناك ثلاث دول على الأقل لا تتمتّع بالشفافية المطلوبة وهي إيران والصين وروسيا.
فبخلاف تركيا، لم تتّخذ إيران أي إجراءات في وقت مبكر، وأبقت المدن والمزارات وأماكن العبادة وأماكن التجمعات العامة مفتوحة حتى وقت متأخر من الأزمة، كما أنّها أقامت انتخابات ورفضت الاستجابة للنصائح وأبقت رحلاتها الجوية مع الصين قائمة رغم انتشار الوباء فيها. ولذلك، فمن غير المنطقي أن يكون عدد الإصابات في تركيا أكبر، وهو ما يحيلنا الى موضوع الشفافية من جهة، وإلى عنصر آخر لا يقل أهمّية وهو عدد الفحوصات أو الاختبارات التي تجريها السلطات للسكّان.
إذا كان جُل الشعب في دولة ما (أ) مصاباً بفيروس كوفيد-19 ولم تجر السلطات اختبارات أو ربما أنّها أجرت اختباراتٍ محدودة، فإنّ النتيجة الرسمية لديها ستكون عدم وجود إصابات أو وجود إصابات بشكل بسيط. في المقابل، فإنّ الدولة (ب) التي تجري عدداً أكبر من الاختبارات توثّق عدداً أكبر من الإصابات. وفق الأرقام الرسمية فإنّ وضع الدولة (أ) أفضل من (ب)، لكنّه في حقيقة الأمر ليس كذلك!
تثير هذه الإشكالية تساؤلات حول الطريقة الأفضل والأكثر دقّة في الاستفادة من الأرقام المنشورة على الأقل. هناك الكثير من المتغيرات التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند إجراء المقارنات، لكن المؤشرات الأكثر أهمّية باعتقادي هي تلك التي تتعلّق بالنِسَب وليس الأعداد، خاصة النسب المرتبطة بالزيادة في الإصابات والضحايا من جهة، والنسب المتعلقة بعدد الوفيات إلى إجمالي عدد الإصابات المسجّلة وإلى عدد السكّان. النسبة المتعلقة بالوفيات على وجه التحديد تعدّ معياراً أدق لمعرفة وضع البلد وأيضاً للمقارنة مع دول أخرى. وبالرغم من أنّ هذا المعيار ليس كافياً وحده، إلاّ أنّه بالتأكيد أهم بكثير من اللجوء إلى أعداد الإصابات كمعيار في المقارنة أو في استنتاج المسار الذي سيسلكه بلد ما خلال المرحلة المقبلة.
وفي إطار عقد المقارنات، فإن هناك تساؤلات أيضاً لماذا عدد الضحايا في دول مثل إيطاليا وإسبانيا أكبر بكثير من عدد الضحايا في دول أقل شأناً من الناحية الاقتصادية، والصحّية. ثمّة عدد كبير من العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند إجراء مثل هذه المقارنات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: مدى انفتاح الدولة المعنية على الخارج وعلى الصين وعلى الدول التي شكّلت في مرحلة ما بؤرة لتفشي الوباء. متى بدأت الإجراءات وما هو نوعها؟ هل فيها تجاهل تام؟ (كما حصل في إيران)، هل هي إجراءات معتدلة؟ (بعض الدول الإسكندنافية أو حتى الخليجية)، هل هي إجراءات متدرجة؟ (تركيا)، هل هي إجراءات قاسية؟ (الصين والأردن). متى بدأ انتشار الفيروس في البلد؟ ومتى تمّ تسجيل أوّل إصابة وأول حالة وفاة؟ ومتى تمّ اتخاذ قرار عزل المدن أو منع التجوّل؟
كل هذه العوامل باعتقادي يجب أخذها بعين الاعتبار عند عقد المقارنات إلى جانب موضوع الشفافية كما سبق وذكرنا. لكن هناك عنصران إضافيّان أيضاً يشغلان حيّزاً مهمّاً في معادلة المقارنات. الأوّل، الهرم الديمغرافي لاسيما نسبة الشريحة العمرية التي تتخطى 65 عاماً إلى عدد السكّان. كلّما زادت الشريحة العمرية التي تتعدى 65 عاماً كنسبة من إجمالي السكّان، ازدادت مخاطر ارتفاع الإصابات وتالياً عدد ونسبة الوفيات. هذا الأمر واضح في الدول الأوروبية على سبيل المثال.
هناك تساؤلات أيضاً لماذا عدد الضحايا في دول مثل إيطاليا وإسبانياً أكبر بكثير من عدد الضحايا في دول أقل شأناً من الناحية الاقتصادية، والصحّية.
أمّا الثاني، فنسبة وحدات العناية المركّزة إلى كل مئة ألف نسمة. بعض الدول متطور من الناحية الصحّية لكن نسبة وحدات العناية المركّزة الى كل مئة ألف نسبة متدنّية وهذا ما يحرمها من إمكانية إنقاذ أرواح المزيد من المصابين مع ارتفاع الأعداد والتضحية بالفئة العمرية الكبيرة في السن لصالح الأقل سنّاً، والعكس صحيح بطبيعة الحال.
خلاصة الأمر، أنّ المقارنات بالأرقام غير دقيقة ولا تعكس صورة صحيحة بالضرورة، وما يجب الانتباه له في هذه المعادلة علاوة على العناصر المتغيّرة، نسبة الوفيات إلى المصابين والسكّان والزيادات المتعلقة بنسبة الوفيات اليومية أو التراجع في هذه النسبة وذلك للحصول على صورة أوضح للوضع في دولة ما، وأيضاً لجعل المقارنة مع دل أخرى أكثر واقعية.
البشرية والسعي للانتصار المعنوي على الكورونا
الكورونا وتأسيس جمهوريات بيتلندا
كورونا.. التعريف الجديد للإرهاب