نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا، تحدثت فيه عن
استفاقة العالم على جائحة كورونا التي مثلت ضربة موجعة جعلت حياة الآلاف مهددة.
وقالت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إنه في أقل من 30 عاما، تخلت جميع دول العالم، وفي مقدمتهم
أمريكا وأوروبا على السيادة في إنتاج الأدوية والمعدات الطبية لصالح الصين التي
استأثرت بنصيب الأسد، وأصبحت تصنع أكثر من 80 بالمئة من المكونات النشطة، وجزءا
مهما من المواد الخام يبلغ حدّ 80 و90 بالمئة، ناهيك عن إنتاج ما يسمى الأدوية "الجاهزة".
على سبيل المثال، تنتج الصين 97 بالمئة من المواد
الخام والمواد الكيميائية اللازمة لإنتاج المضادات الحيوية التي توزعها لخصمها
الجغرافي السياسي المعلن، وهي الولايات المتحدة.
نقطة سوداء في عصر "السوق العالمية"
أشارت الصحيفة إلى أنّ الإحصائيات المتصلة بقطاع تصنيع
الأدوية تشوبها الكثير من الغموض. لكن النقص العالمي في الأدوية الحيوية الناشئة، الذي ظهر بعد إغلاق العديد من المصانع الصينية، فضح عدم شفافية الحكومات.
أضافت الصحيفة أنه في فرنسا، تطرقت الأكاديمية الوطنية
للصيدلة إلى هذا النقص الفادح، ودقت جرس الإنذار لمدة عشر سنوات للتحذير من فقدان
السيادة؛ بسبب الاعتماد المفرط على الصين والهند. يتحدث برونو بونيمان، رئيس عمل
ومختصّ في هذا المجال، عن سبب تعطل الإمدادات، ويذكر أنه في عام 2011، حاولت
المنظمة التحرك، إذ تعاني 86 بالمئة من المستشفيات في أوروبا من نقص أصبح يشكل
مصدر قلق يومي. وتتمثل الأدوية التي تعاني من نقص أساسا في مضادات العدوى
ومضادات السرطان، وأدوية الإنعاش في حالات الطوارئ، وأدوية أمراض القلب
والتخدير. وقد جعلت الاحتياجات المتزايدة للبلدان المنتجة تلبية الطلب العالمي
أمرا صعبا.
الضعف الاستراتيجي
أفادت الصحيفة بأنّ المشاكل المتكررة على غرار إغلاق
المصانع لأسباب مناخية أو بيئية أو اجتماعية تزيد من تأزم الوضع، ناهيك عن
الفضائح المتعلقة بجودة الأدوية، مثل الهيبارين، المستورد من الصين، الذي أودى
بحياة 81 شخصا في الولايات المتحدة. وأشار برونو بونمين إلى أن "أوروبا لم
تعد تنتج غراما واحدا من الباراسيتامول".
في 1980، كانت أوروبا تنتج حوالي 80 بالمئة من
المكونات النشطة. لكن بعد 30 عاما، انقلبت الآية، خاصة عندما قررت الشركات نقل
مقراتها لأسباب تتعلق بتكاليف العمالة والبيئة. وبدت العولمة الحلّ الأنسب
المربح بالنسبة للجميع، حيث يتوقف البعض عن الإنتاج، ويسمح للبعض الآخر بإنتاج
المواد بتكلفة منخفضة.
إهمال الكيمياء العضوية
فسرت الصحيفة أنه قبل هذا، كانت ألمانيا تعدّ مصنع
الأدوية والكيماويات في العالم. يفسر البروفيسور ستيفان لوفر، الرئيس السابق
للرابطة الوطنية للصيادلة الألمان، أنه في مطلع التسعينات بدأت ظاهرة نقل
المصانع نحو آسيا، خاصة نحو الصين، تتعزز بطريقة هائلة. وكان ذلك جراء
وكالات التأمين الصحي الألمانية التي تحيزت لمعيار السعر على حساب الجودة،
بالإضافة إلى الجانب البيئي من خلال نقل الكيمياء العضوية، لصالح صناعة بيولوجية
دوائية مبتكرة. لكن أدى ذلك إلى "إهمال الكيمياء العضوية وتهميشها".
يكمن الخطأ في سوء تقدير أهمية الإنتاج المستقل، ظنا أنّ
السوق العالمية ستستجيب دائما. لكنّ تبين أنّ السوق العالمي مجرد وهم. فقد
أغلقت جميع الدول حدودها، وهي تتكالب على الأقنعة والأدوية.
صحوة مؤلمة
تناولت الصحيفة مثال روسيا، حيث يصف مستشار وكالة
أنباء آر آن سي فارما أنه بعد نهاية اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية
انتقلت جلّ المصانع إلى الصين والهند، وهو ما أفقد البلد السيادة على إنتاج
"المكونات النشطة والمواد الخام، وذلك بنسبة تتراوح بين 50 و70
بالمئة. ومنذ عام 2010 قررت الحكومة تسريع التعبئة لقطاعي الكيمياء
والصيدلة.
استفاقت أمريكا من سباتها، وكانت الضربة التي سددها ما
اصطلح عليه بـ"السوق العالمية" موجعة. منذ عام 2016، حاول ترامب افتكاك شيء من السيادة، خاصة من خلال خوض معركة شبكات اتصال
الجيل الخامس. ولكن في معركة كورونا، يدرك الأمريكيون مدى اعتماد حياتهم وأمنهم
الصحي على خصمهم. فقد فرضت الصين نفسها كقوة مهيمنة على السوق الأمريكية للمواد
الخام والمكونات النشطة للأدوية، وكذلك في سوق المضادات الحيوية العامة، وهو
موقف يخلق ضعفا استراتيجيا كبيرا.
كما أوردت الصحيفة أنه في تقرير لمجلس العلاقات
الخارجية، أثار الباحث يانغ زونغ يوهان محادثة في البيت الأبيض تحدث عنها الصحفي
بوب وودوارد، حيث حذر كبير الاقتصاديين غاري كوهن من حرب تجارية على أساسها يمكن
للصينيين الرد بسلاح المضادات الحيوية؛ لأنها توفر 97 بالمئة من الاستهلاك
الأمريكي.
لذلك، بدأت فكرة الاستقلال الاقتصادي بالظهور. في
الكونغرس، قدمت مجموعة من الديمقراطيين والجمهوريين مسودة تشريع لتشجيع إعادة
إنتاج بعض الأدوية. ومع ذلك، تُطرح صعوبات النقل والوقت والتكلفة. قد يستغرق هذا
الإنجاز سنوات، فالعمليات الكيميائية الدقيقة معقدة للغاية، خاصة أنه سيكون من
الضروري اختراع تقنيات تحترم المعايير البيئية، وسيطلب هذا الإنجاز تنسيقا وثيقا
على المستوى الأوروبي، ينطوي على تغيير فلسفي حقيقي.
اقرأ أيضا: كورونا في 24 ساعة.. أمريكا تتصدر الوفيات والصين تجرب لقاحين
WP: لماذا زاد ترامب من اتهامه للصين بنشر فيروس كورونا؟
التايمز: علماء صينيون دمروا عينات كشفت عن ظهور فيروس معد
"التسوق العصبي".. نصائح من علماء نفس للتعامل مع "كورونا"