لا تقتصر مخاطر تفشي فيروس
كورونا في
مصر وما تلاه من إجراءات اتخذتها الدولة للحد من انتشاره؛ على من يمرضون
به أو على ذويهم فقط، ولكن يتخطاه ليترك آثارا كارثية على فئات واسعة في دولة يعتاش
قطاع كبير من سكانها على مدخولاتهم المادية اليومية أو الشهرية.
ومشكلة هذه الفئة أنها
لا تمتلك مدخرات أو عوائد مادية ثابتة، ولو توقف أحدهم عن العمل يوما واحدا فإنه سيعرض
نفسه وأسرته للجوع، في ظل غلاء تكاليف
المعيشة، بالإضافة إلى أن هذه الفئات تسكن في
الغالب مساكن إيجارات جديدة تقتطع جزءا كبيرا من مدخولاتها المادية.
ورغم عجز كثير من
المواطنين عن مواجهة تكاليف المعيشة في ظل الظروف المعيشية العادية، فإنهم مع تفشي
الوباء وما قد يعقبه من إجراءات تفرضها الدولة، سيكونون قد فقدوا مورد رزقهم، ومطالبين
في الوقت نفسه بزيادة إنفاقهم لتغطية مستلزمات الوقاية من إصابتهم وذويهم بالفيروس
القاتل، خاصة أنهم الفئة الأقل في الرعاية الصحية.
الفئات المتضررة
فعلت وزارة القوى العاملة
خيرا حينما قررت منح أصحاب العمالة المؤقتة راتبا قدره 500 جنيه (30 دولارا) شهريا، وهو رقم مع زهادته إلا
أننا نشك أصلا في صحة تطبيقه، وفي عدد من سيستفيدون منه، ونأمل ألا يكون مجرد
"لقطة" من "لقطات" خادعة اعتادها المصريون السنوات الماضية.
فهناك قائمة طويلة ممن
سوف تتأثر أعمالهم جراء تفشي الفيروس وستستحيل حياتهم مع فرض الدولة حظرا للتجول، أو
ستتوقف أعمالهم جراء الذعر الذي ينتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم.
فهناك ما بين 2.4 مليون (حسب
الإحصاءات الرسمية) إلى 5 ملايين عامل
(حسب إحصاءات أهلية) من العمالة غير المنتظمة، والتي تتضمن عمال "اليومية"
والتراحيل والمعمار والمقاهي ومحطات الوقود والباعة الجائلين وغيرها، وتتسع رقعة إعالة
هذه الفئة لما يتراوح بين 15 إلى 20 مليون نسمة.
وهناك أيضا فئات توجب
طريقة عملها التعامل المباشر مع الجماهير وتسلم وتبادل النقود والأوراق، ما يضاعف تعرضها
للإصابة بالفيروس، ومن أمثلة هؤلاء محصلو الأتوبيسات والقطارات والمترو وحتى شركات
الطيران، فضلا عن سائقي السرفيس والتكسي والتوكتوك، أيضا محصلي المستشفيات والنوادي
وغيرها.
كما تشمل المعاناة الأيادي
العاملة في قطاعات الصحة والعناية الصحية والخدمات المعاونة من طواقم التمريض وحتى
عمال النظافة، بمن فيهم أولئك العاملون في الشوارع العامة، وجميع هؤلاء معرضون بشكل
مباشر للمرض. بل إن تفشي الوباء يفرض عليهم مسؤوليات أكبر في حين أن بعضهم ليس بوسعه
تحمل تكاليف الرعاية الصحية التي يشارك في صناعتها.
ونحن هنا نستثني الأطباء
الذين يقع عليهم دور البطولة في هذه الحرب الحقيقية، لكونهم يتلقون محفزات مالية وطبية
تبدو مقبولة وإن كانت في حدها الأدنى.
كما امتد خطر كورونا ليقطع
أقوات العاملين المستقرين في القطاع الخاص، كالمدارس الخاصة على سبيل المثال، حيث استغلت
كثير من اداراتها قرار وزارة التعليم تأجيل الدراسة 14 يوما، فمنحت
العاملين لديها اجازة دون راتب، ما يخشى أن تحذو حذوه الشركات والمكاتب الخاصة حال
تمديد وتعميم الاجازات، وتحرم المواطنين من أموال هم في أمس الحاجة لها.
وقد تندهش إن علمت أن
غالبية أئمة المساجد معينون بعقود ؤؤقتة ويتقاضون رواتبهم بناء على عدد الصلوات التي
قاموا بإمامتها وخطب الجمعة التي حضروها، وإغلاق المساجد سيعرض تلك الفئة لفقدان مورد
رزقهم.
واجبات الدولة
في الواقع، إن الجميع
في مصر سوف يتأثرون بدرجة ما من تفشي وباء الكورونا، وواجب الدولة والمجتمع هو حماية
الفئات الفقيرة والمسحوقة وتقديم يد العون لهم لمجابهة هذا الخطر الوجودي الجسيم.
ويبقى من أولى واجبات
الدولة الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين في سجونها، وهم بعشرات الآلاف، خاصة أنهم
الأكثر عرضة لتفشي الوباء بسبب تكدس السجون وسوء التهوية والتغذية فضلا عن ضعف مناعة
المعتقلين التي يلهبها سوء الحالة النفسية جراء الحبس الطويل غير المبرر.
ومن واجباتها توفير الطعام
والدواء والرعاية الصحية لغير القادرين طوال فترة تلك المحنة، وأن تسقط التزاماتهم
المادية من فواتير ماء وكهرباء وغاز وإنترنت وغيرها حتى جلاء المحنة، لأنه كما للدولة
حقوقا على أبنائها فإنها ملزمة بتأدية واجباتها تجاههم، وإن لم تؤدها فلا يحق لها الحديث
عن الحقوق وذلك ببساطة لأنه لا وطن بلا مواطن.
كما يجب على الشعب عدم
التكالب على تخزين السلع والبضائع ما يؤدي لرفع أسعارها بصورة جنونية، فيعجز الفقير
عن الحصول عليها، لأن ذلك ليس من خلق المسلم المحب لدينه ووطنه.