فيروس يجتاح العالم ويهدد البشرية
بالفناء، فلا مصل له ولا علاج، أعداد المصابين في تزايد، وأعداد الدول التي تطالها
يده في تزايد أيضا.
لكن هناك.. في شمال شرق قارة أفريقيا
لن تجد هذا.. في مصر الكورونا ليست كورونا، والوباء ليس وباءً، المرض يفقد هيبته، والحرب
تُسلَبُ سطوتها، ونميت العدو من كثرة الضحك، ولا تزيدنا الاضطرابات إلا لهوا وضحكا.
كل حادث عندنا له قصص مضحكة وكل مصيبة نفتعل عليها المقالب والمشاكسات، فلا الأَسْوَد
عندنا أَسود، ولا الأبيض أبيض، مرحبا أنت في مصر.
في مصر ستجد سخرية من مرتدي الكمامات
الوقائية، وسخرية من الأشخاص ذوي الملامح الأسيوية، سترى من يرتدي كمامة مثقوبة ليضع
السيجارة في فمه، وستجد التجمعات واللقاءات وطقوس الترحاب كما هي دون أدنى احتراس،
سترى مقلبا فكاهيا لمن يفتعل أنه مصاب لكي يبث الرعب في الآخرين، بل والأدهى ستقرأ
نصائح هزلية مثل: إذا كنت تقف في طابور طويل لقضاء مهمة ابدأ بالعطس الشديد حتى يتفرق
طابور الناس من حولك وتنجز مهمتك!، ستجد سخرية من تصريحات وزيرة الصحة المصرية لا حصر
لها ولا عد.
نحن لا نهتم للتنبيهات والتحذيرات
الوقائية من الفيروس، نحن لسنا مثل الغرب المتحضر الذي يعيش رفاهية الصحة ورفاهية المرض،
الذين يهلعون من الأمراض ويتبعون التعليمات، ويشرعون في تخزين الأطعمة والمستلزمات
إذا اضطرت البلاد إلى العزلة، نحن لسنا كذلك.. نحن شعب يشرب من زجاجة مياه واحدة بلا
أدنى قلق أو خوف من عدوى!.
نحن مجتمع الفكاهة والألم، نحن شعب
الروح الحلوة التي تنزف، نحن أبناء مصر الطيبون الذين جار عليهم الزمن، الهَمُ عندنا
مضروب في اثنين ولا نملك إلا الضحك.. فما السخرية إلا قشرة تغطي ألما مريرا ووجعا خامدا.
يقول ابن خلدون في مقدمته
"إذا رأيت الناس تُـكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم،
وهم قومٌ بهم غفلة واستعباد ومهانة، كمن يُساق للموت وهو مخمور".
والحقيقة أن روح الفكاهة هي عدوى
فعلا، فحالما تدخل إلى مواقع التواصل الاجتماعي لا تملك إلا أن تضحك كما يضحك المغردون،
وتستهزئ كما المتفاعلون، ويتخدر خوفك وقلقك من الفيروس اللعين، فالجميع يضحك ولا يبالي..
لمَ تهتم أنت..! ولكن ذلك لا يتوقف حيال شاشة الهاتف للأسف، بل له صدىً في الواقع أيضا،
ويساهم بقدر كبير في خلق حالة من اللامبالاة العامة.
وهذا ليس بجديد على مصر، فكل حدث
مهما كان كبيرا وخطيرا، سياسيا كان أو اجتماعيا، عن الصحة أو عن الطقس، لا يسلم من
الضحكات والاستهتار، حتى لتظن المصائب أن ليس لها يد على هذا الشعب الاستثنائي.
يرجع أهم أسباب فكاهة المصريين حول
كورونا؛ أن هذا الشعب لاقى الكثير وتحمل ما ليس بالقليل، يقول الكاتب الراحل أحمد خالد
توفيق في مقال له بعنوان "موت فيروس"، وقد تنبأ برحلة فيروس كورونا داخل
أجساد المصريين:
"لاحظ الفيروس أشياء عديدة في جسم من حاول
أن يصيبهم، هناك الكثير جدا من دخان العادم ودخان السجائر ودخان الشيشة والغاز المسيل
للدموع.. هؤلاء القوم يتنفسون دخانا لا هواء، والجو ملوث بشكل لا يوصف، عندما حاول
أن يتسرب إلى دم هؤلاء، وجد أنهم يعانون فقر الدم بشكل أو آخر، هذا دم لا يسمح بتكاثر
فيروس مكتمل العافية مفعم بالفحولة...، ثم حاول أن يحتمي في أعلى الجهاز الهضمي، لكنه
فوجئ بكميات من اللبن المخلوط بالسيراميك واللحم منتهى الصلاحية، والزيتون الأسود المطلي
بالورنيش، والجبن المحفوظ بالفورمالين؛ ثم غرق في بركة من ماء المجارى العطن، عرف أنها
مياه معدنية ابتاعها صاحب الجسد ليشرب ماء نقيًا، غير عالم أنها مملوءة من الحنفية!".
وسبب آخر للامبالاة يمكن أن نرجعه
إلى عدم الاستقرار السياسي بالدولة، فرغم ما يبدو من هدوء الشارع المصري، إلا أن البلاد
على موقد لهب هادئ تنتظر غليان القِدر، والإشارة إلى السياسة هنا لأنها تمتد داخل حياة
الناس، كم من أسرة تفرقت وفتك بها النظام الحالي! كم جندي يموت على الحدود! كم معتقل
في السجون! كم فرد يعيش في العشوائيات! كم جائع يأكل من القمامة! كم شاب يعاني البطالة
والأمية! كم مريض لا يجد علاجا أو لا يجد مكانا في مستشفى من الأساس! فكما يقولون في
المثل الشعبي "ياما دقت على الراس طبول".
فما كورونا سوى رقم من أعداد المصائب
التي تحيط بالمصريين، كورونا ليست أخطر ما حل بمصر، ولكن الشعب لا يستطيع الصراخ أو
العويل؛ لا يملك الانتفاض أو الحِراك، فلم يجد ملجأً ومتنفسا إلا الضحك على ألمه ومُصَابه.
لا يـبالي بشيء. إذا قطعوا الماء
عن بيته قال: لا بأس! إن الشتاء
قريب. وإن أوقفوا ساعة الكهرباء
تثاءب: لا بأس، فالشمس تكفي
وإن هددوه بتخفيض راتبه قال: لا
لا بأس! سوف أصوم عن الخمر
والتبغ شهرا. وإن أخذوه إلى السجن
قال: ولا بأس، أخلو قليلا إلى النفس
في صحبة الذكريات
(محمود درويش)
عشرون سؤالا لوزيرة الصحة المصرية
محمد عمارة بين الكتاب والميكروفون