قبل
عرضه بأيام، أحدث الفيلم السينمائي المصري "بسبوسة بالقشطة" ضجة كبيرة،
حيث هاجمه الإعلام المصري المؤيد لنظام رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، مدّعيا
أنه "يحرض ضد مؤسسات الدولة"، و"يشوّه صورة الشرطة المصرية"، ويأتي
ضمن ما وصفوه بـ"مؤامرات الإخوان في الخارج"، بحسب قولهم.
ويتناول
الفيلم، الحائز على الجائزة الماسية كأفضل فيلم قصير، والجائزة البرونزية في فئة السيناريو
من خلال مشاركته بالمهرجان الأوروبي للأفلام المستقلة، قصة رمزية تلخص علاقة بين سجين
سياسي وسجان، من خلال مشاهد ومواقف إنسانية متباينة تجمع طرفي الصراع، ويتناول الأبعاد
الإنسانية التي تلخص الصراع الداخلي لإحدى أدوات السلطة القمعية ودوره الوظيفي، وبين
إنسانيته وبساطة تكوينه النفسي.
"ردود
فعل إيجابية"
من
جهته، قال منتج ومؤلف فيلم "بسبوسة بالقشطة"، أحمد زين، إن "الصدى
الإعلامي الخاص بالفيلم قبل عرضه كان إيجابيا، وردود الفعل الأولية كانت طيبة
ومشجعة بالنسبة لنا، ونحن الآن ندرس الإيجابيات والسلبيات بشكل جيد، مثلما فعلنا
سابقا مع الأعمال التي قمنا بإنتاجها خلال الفترة الماضية، ونتابع ردود الفعل على
مواقع التواصل الاجتماعي، ونُعد ملفا بكل الملاحظات السلبية والإيجابية حتى نستفد
منها في الأعمال المقبلة".
وأشار
زين، في حديث مع "عربي21"، إلى أنه سعيد بأولى تجاربه على مستوى "كتابة
السيناريو السينمائي" لفيلم قصير، لأنه يميل للاختزال والتكثيف السينمائي
أكثر من الكتابة للدراما التلفزيونية، متمنيا ألا تكون تجربته بها عيوب المبدئين
في كتابة السيناريو أو تكون سلبياتها أكثر من إيجابياتها، وأن تنضج حرفيته ومهارته
أكثر في الأعمال الفنية المقبلة، خاصة أن "لدينا مجموعة من الأعمال والأفكار
الأخرى التي سنعمل عليها بعدما نشعر بصدى الفيلم الإيجابي".
واستطرد
قائلا: "فخور بأن تجربتي السينمائية الأولى حازت على الجائزة البرونزية
للفيلم السينمائي القصير في المهرجان الأوروبي للأفلام المستقلة، وهذه دفعة معنوية
كبيرة جدا بالنسبة لي في مسيرة الكتابة السينمائية، ونأمل أن نخوض جميعا تجارب
أكثر نضجا واحترافية، ونقدم أعمالا أقوى وأفضل وأنجح في المرحلة المقبلة"، لافتا
إلى أنه شارك سابقا – مع زملاء آخرين له - في كتابة سيناريو مسلسل "شتاء
2016"، والذي تم عرضه خلال شهر رمضان الماضي.
وأكد
زين أن "من أهم التحديات التي واجهتهم في إنتاج فيلم (بسبوسة بالقشطة) هي عدم
حصولهم على دعم أو تمويل من جهات لديها قدرة تمويلية ضخمة، فقد أنتجته شركة A to Z ذات
القدرات المالية المحدودة. لكن في الحقيقة تغلبنا عليها، لأن كثير من فريق العمل
حصل على أجور محدودة مُساهمة منهم في بناء نمط من الإنتاج قليل التكلفة، لكن به
قدر أكبر من الحرية الفنية وحرية طرح الأفكار".
"أفلام المهرجانات الدولية"
ونوّه إلى أن "السينما التجارية لها علاقة وثيقة بشباك
التذاكر، وترتبط كثيرا بما يعرف بما يطلبه الجمهور العام، بينما الأفلام المستقلة يكون
مستواها أعلى قليلا من السينما التجارية، حيث أنها تخاطب المهرجانات الدولية، ويكون
بها حرية للفنانين في طرح أفكار مختلفة، وحرية في التجريب، واختبار مساحات جديدة
من الأداء واختيارات الكادرات، وحتى في كتابة السيناريو؛ فلا أكون مضطرا لكتابة
مشاهد كوميدية أو حزينة حتى يضحك أو يبكي الجمهور، بل أكثر حرية فنية وأكثر جرأة
في طرح الموضوعات".
وأردف: "تغلينا على ضعف القدرات المالية من خلال
إيمان كل طاقم العمل بأهمية مشاركته في الفيلم أو لأن موضوعه حاز على إعجابهم أو
لأن السيناريو اجتذبهم أو لأنهم يريدون تقديم شيئا فنيا جيدا، وهو ما لا تتيحه
الأعمال التجارية، وقَبل طاقم العمل كله بالحصول على أجور زهيدة جدا، وأنا أشكرهم
كثيرا على ذلك، ككاتب للعمل ومُنتج له، وهو الأمر الذي ساهم كثيرا في أن يرى
الفيلم النور".
اقرأ أيضا: "بسبوسة بالقشطة".. فيلم جديد عن معاناة الاعتقال في مصر
ونفى
منتج ومؤلف "بسبوسة بالقشطة" ما تم إطلاقه من اتهامات الفيلم بأن مُمول
من جهات بعينها أو أنه مدعوم من فصيل سياسي معين، قائلا: "هذه اتهامات باطلة
جملة وتفصيلا، وإذا كان الفيلم يدعم شيء ما فهو يدعم قيم الحرية وحقوق الإنسان،
وانتصار الخير على الشر داخل النفس الإنسانية".
وواصل
زين حديثه عن الصعوبات التي واجهتهم، قائلا: "هذه أول تجربة كتابة سينمائية
لي، والثانية للمخرج عبادة البغدادي الذي أخرج فيلما قصيرا في السابق، وكان إقناع
الممثلين من ذوي الخبرة الكبيرة كالفنان هشام عبدالحميد، وأيضا الفنان محمد شومان،
والفنان محمد عبداللطيف، والفنان محمود سعداوي، أمرا ليس سهلا، مثلما كان إقناعهم
بعمل من كتابة شخص لأول مرة يكتب للسينما، وبالتالي كان لابد أن يكون النص قويا
حتى يقتنعوا بهذه المغامرة".
وأضاف:
"وضع خبرة هؤلاء الفنانين الكبار بين أيدي مخرج تجاربه السينمائية محدودة،
كان أمرا صعبا بطبيعة الحال، لكن عند تنفيذ الفيلم شعر فريق العمل أن السيناريو به
شيئا مُختلفا، واقتنعوا بقدرة عبادة على قيادتهم، وكانوا مرنين جدا معه، لأنهم
شعروا أن لديه شيئا مختلفا ومميزا، كما أن المونتاج والموسيقى التي تم تأليفها
بشكل خاص للفيلم، وكل العمليات الفنية من تصحيح الألوان وغيره، يشجعهم أكثر في
الثقة، ويعطي لعبادة فرص في المستقبل لإخراج أعمال أفضل وأكثر حرية وتجريبيا،
وبإمكانيات فنية جيدة".
"هجوم
إعلام النظام"
وعبّر
منتج ومؤلف فيلم "بسبوسة بالقشطة" عن دهشته من هجوم إعلام النظام
المتواصل على الفيلم، قائلا: "أتعجب من هجوم إعلام النظام على الفيلم لمجرد
رؤيتهم للبرومو الترويجي له، وكان الأفضل تأجيل هذا الهجوم لحين مشاهدة الفيلم أولا
ثم بعد ذلك يقولوا ما يشاءون".
واستطرد
قائلا: "إعلام النظام هاجم شيء لم يره بعد، وهذا مناف تماما للمنطق والعقل،
وهذا التسرع ليس إيجابيا على الإطلاق، لكن الإيجابي في الأمر أن هذا يُساهم في
التسويق للفيلم الأمر الذي سيدفع الكثيرين لمشاهدة الفيلم أولا ثم يحكموا عليه
لاحقا سلبا أو إيجابا، وهذا حق للجميع بطبيعة الحال، وأثق أن حكمهم سيكون لصالح
الفيلم أكثر من تأثرهم بالهجمة الشرسة التي يشنها إعلام النظام".
وزاد زين:
"قد أفجر مفاجأة بالقول إن بعض الإعلاميين الذين هاجموا الفيلم حينما يشاهدوه
ربما يندموا على مهاجمته، لأنهم يعتقدون أن هذا الفيلم موجّه سياسيا ضد النظام،
إلا أن هذا غير صحيح بالمرة، لأنه لا يتحدث عن نظام كامل ولا عن السلطة أو أجهزة
كاملة، بل عن أفراد يمثلون أنفسهم كبشر فقط".
وتابع:
"جميع الشخصيات التي جسّدها الفيلم لديها نقاط قوة ونقاط ضعف، ولديهم ضمائر
تصحو بعد أخطاء وقعوا فيها، ولا نظهر الجميع ملائكة أو شياطين، لأننا نُظهر الجميع
لديهم نوازع خير وشر، وأحيانا ما تتغلب نوازع الخير أو الشر في مراحل بعينها، ورغم
أن إعلام النظام يتصور أننا سنُظهر ضابط وأمين الشرطة وكأنهم شياطين، إلا أنهم سيتفاجؤون
بأننا لا نظهرهم كشياطين أو كملائكة".
"إنساني
وليس سياسي"
ولفت
إلى أن "الفيلم يعالج حالات إنسانية، وكل شخص يتصرف وفقا لمبادئه وأخلاقه
وصراعه النفسي وتمزقه بين الخير والشر، وهذه طبيعة الدراما الجيدة، والتي نأمل أن
تسود في كل الأعمال الفنية، وبالتالي فالفيلم يمثل قصة إنسانية وليست سياسية، حتى
وأن انطلقت القصة الإنسانية من منطلقات سياسية".
وشدّد
زين على أن "البطل في هذ الفيلم هو القصة والعلاقة الإنسانية التي تربط بين
جميع شخصيات العمل، والصراع الدرامي بين الخير والشر بداخل كل شخصية من خلال
تعاملهم مع بعضهم البعض، وبالتالي فالفيلم قصة إنسانية تدور في سياق سياسي".
وأضاف:
"فخور جدا بحصول الفيلم على جوائز دولية الأمر الذي سيكون دفعة لكل العاملين
في الفيلم، ولكل من يعمل في السينما المستقلة أو التي لديها رغبة في دعم الحريات
وحقوق الإنسان ليكون هناك نشاط متجدد خلال الفترة المقبلة، لدعم كل التجاب
المختلفة مثل فيلم (الهتك) أو غيره، وليكون هناك إثراء لتلك الحالة الفنية، وليتم
الانفتاح على العالم العربي، خاصة أن هناك العديد من الكوادر العربية التي يمكن
العمل معها واستثمار قدراتها".
وحول
مشاريعهم المستقبلية، أوضح أحمد زين أن لديهم "بعض الأفكار التي يجري
مناقشتها حاليا مع بعض الزملاء، سواء لأفلام قصيرة أو أعمال درامية، وإن شاء الله
ترى النور قريبا، لكننا في مرحلة النقاشات وتبادل الأفكار ولم نبدأ بعد مرحلة
التنفيذ".
"مدة
قصيرة"
بدوره،
قال مخرج فيلم "بسبوسة بالقشطة"، عبادة البغدادي، إن "الفيلم تم عرضه
على نطاق ضيق حتى الآن ضمن عرض خاص في مدينة إسطنبول، وكانت ردود الفعل إيجابية جدا،
وقد وصلتنا العديد من التعليقات بأن مدة الفيلم قصيرة، وأنهم كانوا يرغبون في أن
تكون أطول من ذلك، خاصة أنهم لم يشعروا بالوقت أثناء العرض، في ظل اندماجهم مع حالة
الفيلم الإنسانية".
وبشأن
تجربته الأولى على مستوى "الإخراج السينمائي"، أضاف، في تصريحات
لـ"عربي21"،: "على المستوى النظري؛ فدراستي هي دراسة متخصصة في السينما،
حيث كانت رسالة الماجستير الخاصة بي من جامعة إسطنبول (سينما وراديو وتلفزيون)، لكن
بالنسبة للمجال العملي فهذه تجربتي الدرامية الأولى، والتي حاولت أن تكون خطواتها صحيحة
واحترافية وعلى أساس علمي، وقد راعينا ذلك في خطوات الإنتاج ومدلولات الصورة ومخرجاتها".
وأكد
البغدادي أن من التحديات التي واجهتهم كانت "اقتحام مجال جديد، ووضع بصمة فيه
كنقطة بداية، بالإضافة إلى عناصر الإنتاج واختلاف البيئة، وضعف الإمكانات المادية المتاحة،
وقد حاولنا التغلب على تلك التحديات من خلال فريق عمل متكامل بداية من بطل الفيلم محمد
شومان وانتهاء بمنفذ الإنتاج الذين شكّلوا روحا إيجابية كانت سرا من أسرار تجاوز كل
الصعوبات التي واجهتنا"، منوها إلى "إشادة الكثيرين بمستوى أبطال الفيلم
وفريق العمل".
"عنصر
تحفيزي"
وعن
حصول الفيلم على بعض الجوائز الدولية، قال: "بالتأكيد هذا عنصر تحفيزي لنا كونه
التجربة الأولى، وبالرغم من وجود عائق زمن الفيلم من حيث التصنيف كونه فيلما متوسطا
(40 دقيقة)، وعدم توافر هذه الفئة في أغلب المهرجانات، كذلك العائق السياسي لموضوع
الفيلم، لكن حصول الفيلم على جائزة في مهرجان - ولو كانت رمزية- إلا أنها تمثل الكثير
لنا، ونعتمد على ردود فعل الجمهور عندما يشاهد الفيلم، وهو ما نعول عليه بشكل رئيسي".
ولفت
البغدادي إلى أن "أول عرض جماهيري للفيلم سيكون يوم الخميس المقبل، على شاشة
قناة مكملين الفضائية، وقد تم نشر بعض المواد الترويجية له على القناة
بالفعل".