نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن الفيلم الوثائقي "المنشق"، الذي سيعرض لأول مرة في مهرجان "صاندانس" السينمائي، الجمعة، ويعرض تفاصيل مقتل كاتب العمود جمال خاشقجي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مقتل جمال خاشقجي في 2018، مثّل حدثا تاريخيا، حيث كان بمنزلة دعوة إيقاظ وحشية حول هشاشة حرية التعبير، في ظل زعيم سعودي يفترض أن يكون زعيما إصلاحيا.
ومن المتوقع أن تتحول هذه الجريمة، في الوقت الراهن، إلى حدث سينمائي. والجمعة، سيعرض المخرج الحائز على جائزة الأوسكار برايان فوغل، الذي سبق له أن عرض تحقيقا حول المنشطات الروسية في فيلم "إيكاروس"، فيلما وثائقيا حول خاشقجي، بعنوان "المنشق"، في مهرجان صندانس السينمائي.
ويعالج الفيلم، الذي يتسم بطابع إخباري ودرامي، ناهيك عن أنه يقدم انتقادات لاذعة أخلاقية، أحد أكثر الأحداث إثارة للجدل في الشرق الأوسط والولايات المتحدة الحديثة، يسلط الضوء على العلاقات التي تربط بين المملكة العربية السعودية والشركات الأمريكية التي لا تفكر سوى بمنطق ربحي بحت.
وذكرت الصحيفة أن الفيلم الذي شاهدته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أثّر بالفعل على الكثير من التطورات هذا الأسبوع، حيث دفع بالأمم المتحدة إلى نشر استنتاجاتها حول الاختراق السعودي المزعوم لهاتف مؤسس أمازون، ومالك صحيفة "واشنطن بوست" جيف بيزوس.
اقرأ أيضا: الغارديان: هل اخترق ابن سلمان هاتف بيزوس بسبب خاشقجي؟
وفي هذا السياق، تعد أحد المحققين في القضية، أغنيس كالامارد، التي أُجري معها مقابلة في الفيلم، أن "هذا مجرد بداية لتأثيره".
وخلال حديثها مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، قالت كالامارد إن "الفيلم أقوى بكثير من أي تقرير تستطيع أن تكتبه، عندما يتعلق الأمر بقصة سيقرؤها عدد كبير من الناس".
وأضاف المصدر ذاته للصحيفة، أنه "لا يعتقد أن محكمة الرأي العام لها الأهمية نفسها التي تحظى بها العملية القضائية، لكنها تمثل في نهاية المطاف شكلا من أشكال المساءلة". وخلال الأسبوع الماضي، صرح فوغل بأن "هذه القصة جذبته بينما كان يعمل في فيلم "سكاي والكر رانش"، في أراض تقع شماليَ كاليفورنيا، حيث يجري المخرجون أعمال ما بعد الإنتاج.
ونقلت الصحيفة ما جاء على لسان فوغل الذي أوضح أن "هذه القصة تدور حول نظام قمعي بعيد لديه صحفي مقتول، في ظل وجود خطيبة تحبه. وفي الوقت ذاته، تتواطأ في هذه القصة بعض الجهات الأمريكية".
وتجدر الإشارة إلى أن خاشقجي، كاتب العمود المساهم في صحيفة "واشنطن بوست"، قُتل في القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من شهر تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2018. وفي هذا الصدد، استخلصت وكالة المخابرات المركزية أن ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، هو من أمر بقتله.
في الحقيقة، يروي فيلم "المنشق" تلك القصة، إلى جانب أنه يقدم بحثا معقدا عن الحقيقة بعد مرور 16 شهرا عن عملية الاغتيال. ويتضمن الفيلم عددا كبيرا من التفاصيل التي توصل إليها جملة من المحققين الأتراك، الذين قدموا تصريحات عن طريقة ارتكاب جريمة القتل والتستر عليها.
خطيبة خاشقجي
فضلا عن ذلك، يعرض الفيلم مقابلات مصورة مع شخصيات مثل خطيبة خاشقجي التركية، خديجة جنكيز، فضلا عن قصص موازية تحدث عنها إخوة المنشق خاشقجي الذين لجؤوا إلى كيبيك، وكشفوا في الفيلم أنهم تعرضوا لاستهداف مماثل.
وبيّنت الصحيفة أن العامل المركزي الذي يخلق الجانب المؤثر للفيلم هو جنكيز. في الواقع، تبيّن أن خاشقجي أحب خطيبته للغاية، وأراد أن يتزوجها بسرعة. ويُذكر أن ترخيص الزواج هو السبب الذي جعله يزور القنصلية. وعموما، انتظرت المرأة بقلق خارج القنصلية لظهور خاشقجي، كما تحملت المسؤولية بعد موته.
وعلى الرغم من أحاسيسها التي تتناوب بين الفقدان والثبات، تظهَر جنكيز في لحظات أساسية من الفيلم لتوفير نقطة تواصل بشرية للمشاهد. وعندما تفكر فيما حدث، يبدو أنها لا تصدّق الأمر، إذ قالت في مرحلة ما: "لم يخطر ببالي مطلقا أنه بإمكانهم أن يقتلوا الناس في القنصلية. لم أصدق ذلك". في أحيان أخرى، يكون وجودها في الفيلم ببساطة عن طريق إعطاء صوت لما ضاع. وأضافت جنكيز وهي متخيّلة جميع الأشياء التي تريد أن تقولها لخطيبها الراحل: "الأمر صعب للغاية، وهو أنك تركت الناس محرومين من أفكارك في عالم السياسة".
وأكدت الصحيفة أنه يظهر في الفيلم عدد من الوجوه التي تعمل في "واشنطن بوست"، بما في ذلك الكاتب ديفيد إغناتيوس، والمراسل شين هاريس والناشر فريد ريان. وفي هذا الصدد، أشار فوغل إلى أن الصحيفة لم تضطلع بأي دور مالي فيما يتعلق بعملية تمويل الفيلم.
اقرأ أيضا: "بيزوس" ينشر صورة له عند نصب تذكاري لـ"خاشقجي"
الشركات الأمريكية
وفي القسم الأخير من الفيلم، ينتقد "المنشق" الشركات الأمريكية التي تواصل العمل مع المملكة العربية السعودية، مع إبراز الدور الذي أدته المصالح التجارية الغربية في تعزيز نفوذ ابن سلمان.
من المرجح أن الفيلم يحاول إثبات وجهة نظر معينة بطريقة غير مقصودة. وبتمويل مستقل من مؤسسة حقوق الإنسان، سيُعرض فيلم "المنشق" في مهرجان صاندانس للمشترين المحتملين. وبالنظر إلى أهميته بالنسبة للمملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، يظل السؤال مفتوحا حول أي شركات أو الاستوديوهات العالمية التي ستنتهز فرصة الحصول عليه.
ونوهت الصحيفة إلى أن فوغل تطرق إلى شخصيات مطلعين على الكثير من المعلومات حول النظام السعودي الذي خيروا المنفى.
والجدير بالذكر أن خاشقجي كان يشعر بعدم الراحة، في بعض الأحيان من لقب "المنشق" أو المعارض، الذي يلقي الضوء على الممارسات الحكومية الرامية إلى استهداف هؤلاء الأشخاص. ومن خلال اتباع أسلوب إخراج الأفلام المثيرة، يأمل فوغل في أن يستقطب الفيلم قاعدة جماهيرية واسعة.
من جانب آخر، أفاد محمد بن سلمان أنه يتحمل "المسؤولية الكاملة" عن عملية القتل؛ نظرا لأنها ارتُكبت من موظفين حكوميين سعوديين.
وفي الوقت ذاته، نفى تقديمه تعليمات بقتله. في الإطار ذاته، وصف وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود تقرير الأمم المتحدة حول عملية اختراق هاتف بيزوس بأنها "سخيفة للغاية".
خطة القتل
باستخدام النصوص وغيرها من الأدلة، يعرض "المنشق" خطة قتل خاشقجي، الذي اغتيل قبل أيام من عيد ميلاده الستين. ويزعم أن الخطة حاكها سعود القحطاني، الذي كان آنذاك أحد كبار المستشارين لابن سلمان، وصلاح محمد الطبيقي، الطبيب الشرعي السعودي الذي يفترض أنه نجح في التوصل إلى طريقة تساعد على طمس الأدلة.
وعموما، ظهر الطبيقي في الفيلم وهو يقدم محضرا يصف كيفية تقطيع جسد خاشقجي حتى يمكن إزالته بسهولة.
وأوضحت الصحيفة أنه لم يتم أبدا العثور على الجثة. في المقابل، يستشهد فوغل بالمحققين الأتراك الذين يقولون إنه وقع نقل خاشقجي إلى فرن تم شراؤه وتثبيته في منزل القنصل العام وحرقه. كما اشترت القنصلية في ذلك الوقت 70 رطلا من اللحم من مطعم محلي، حتى تتمكن من حرق وإخفاء رائحة الجثة المحروقة.
ويُعتقد أن الطبيقي كان من بين خمسة أشخاص تقول السعودية إنه حُكم عليهم بالإعدام بعد محاكمة مغلقة أجرتها الحكومة السعودية. وفي هذا الصدد، عارضت كالامارد هذه الإجراءات. وعلى خلفية ذلك، نشرت تغريدة على موقع تويتر قالت فيها "العقول المدبرة ... تسير بحرية".
المعارض عمر عبد العزيز
من جهة أخرى، يعرض الفيلم بشكل مكثف مقابلات مصورة مع عمر عبد العزيز، وهو ناشط ديمقراطي، بالغ من العمر 28 سنة، فرّ من المملكة العربية السعودية قبل مقتل خاشقجي، ويعيش في الوقت الراهن في مونتريال. وروى عبد العزيز كيف ألقى عملاء ولي العهد أصدقاءه وأقاربه في السجن واستخدموا أساليب الترغيب والترهيب، في محاولة لحمله على العودة إلى المملكة العربية السعودية أو زيارة إحدى قنصلياتها، لأي غرض كان يستطيع ابن سلمان التكهن به.
ووضّحت الصحيفة أنه على الرغم من أن عبد العزيز لم يكن معروفا قبل الهجوم، إلاّ أنه تحوّل إلى لاعب رئيسي في الحكاية.
وفي الواقع، تعاون هذا الرجل مع خاشقجي لإطلاق "النحل"، وهو هجوم له صبغة ديمقراطية على التويتر لمواجهة شبكة التصيّد القوميّة المتطرفة التابعة لمحمّد، والمعروفة باسم "الذباب". ويعتقد عبد العزيز أن هذا الجهد، إلى جانب الخمسة آلاف دولار التي مدّها بها خاشقجي للقضاء على هذه الشبكة، عزّزت قرار قتل خاشقجي.
وأفادت الصحيفة أنه منذ وفاة خاشقجي، كافح عبد العزيز مع الشعور بالذنب. وقال الناشط في الفيلم: "عندما أتذكره، أشعر أنه يتعين عليَ فعل المزيد. ولا أريد أن أخيّب ظنّه". في الحقيقة، هناك أوجه تشابه في قصة عبد العزيز مع الشخصية الرئيسية في فيلم "إيكاروس"، غريغوري رودشينكوف، الكيميائي الذي ساهم في تصميم برنامج المنشطات الروسية قبل المخاطرة بحياته والكشف عنه في فيلم فوغل.
من جهته، قال فوغل إن الفيلمين متشابهان لحدّ ما، حيث يكشف كلاهما عن رغبته في استخدام المطّلعين السابقين لإظهار السلوك الوحشي لممثلي الدولة، بالإضافة إلى تقديم "صورة في الوقت الحقيقي بدلا من نظرة رجعية على الشر والأبطال الذين يحاولون وضع حد له".
في الواقع، لم يحظ فيلم "إيكاروس" بنجاح كبير على "نتفليكس" فحسب، وإنما كانت قضية فاعلة لفوغل وشركائه المنتجين، الذين قضوا عدة سنوات منذ ذلك الحين في محاولة للحفاظ على سلامة رودشينكوف. وعموما، ظلّ كاشف الفساد مختبئا في الولايات المتحدة بعد سنوات من الكشف عن فضيحة المنشطات.
القرصنة
وأفادت الصحيفة أن فوغل يرى نمطا مشابها في هذه الحالة، إذ قال إن التكتيكات السعودية القاسية لم تنته بمقتل خاشقجي. كما يعرض الفيلم بالتفصيل القرصنة المستمرّة التي استهدفت عدّة شخصيات رئيسية في الغرب، عن طريق برنامج بيغاسوس للتجسّس على الهاتف. وكانت أهم ضحيّة هو بيزوس، صاحب شركة أمازون التي كانت تخطّط لبناء مراكز بيانات كبيرة في المملكة العربية السعودية. في المقابل، توقّفت هذه الخطط بعد عمليّة القتل.
وفقا لأحد محققي الأمم المتحدة في الفيلم، ديفيد كاي، كُشف عن ملف فيديو يبدو أنه غير ضار أرسله محمد إلى بيزوس عبر الواتساب في نيسان/ أبريل سنة 2018، أي قبل خمسة أشهر من وفاة خاشقجي، الذي كان ربما يحتوي على برنامج بيغاسوس. بعد ذلك، عُثر على العديد من البيانات التي استُخرجت من هاتف بيزوس. وقال فوغل "إنه لأمر مثير للصدمة أنهم تمكنوا من اختراق شخص مثل جيف بيزوس من وجهة نظر الأمن السيبراني. لكن في ضوء ما نعرفه عن القصة الإجمالية وما فعلوه بجمال [خاشقجي]، يعد ذلك أمرا منطقيا تماما".
وأكّدت الصحيفة أن تداعيات مقتل خاشقجي كانت كبيرة. في الحقيقة، انسحبت العديد من الشركات من المنتدى الاقتصادي الذي استضافته السعودية والمقرر عقده في أواخر ذلك الخريف، فيما أعادت شركة إنديفور في هوليوود، وهي الشركة القابضة التي تسيطر على وكالة كبيرة للمواهب فضلا عن مروجة للفنون القتالية المختلطة "بطولة القتال غير المحدودة" وكيانات أخرى، ما يبلغ 400 مليون دولار سعودي من الاستثمارات.
في الواقع، لم تدم ردود الفعل طويلا، إذ عادت العديد من الشركات التي لم تحضر منتدى محمد في سنة 2018 إلى العمل في سنة 2019. وفي هذا الإطار، صرح فوغل قائلا: "رأيت التغيير شبه المنعدم بعد مقتل خاشقجي، حيث أغضبني الأمر". كما أشار إلى أن ذلك يعد من بين أحد الأسباب التي جعلته يرغب في تسليط الضوء عليهم في الفيلم، حتى إنه عرض في نهايته قائمة بالشركات التي ما تزال تعمل في المملكة العربية السعودية.
وأضافت الصحيفة أن فوغل يأمل في عرض الفيلم في جميع أنحاء العالم، حتى تشعر الشركات مرة أخرى بالضغط للتراجع عن الشراكات مع الدولة الغنية بالنفط. في المقابل، يمكن الضغط أن يكون في الاتجاه الآخر، أي إنه ينبغي على الشركات ألا تنخرط في أعمال مع الفيلم.
نتفليكس والسعودية
من جهة أخرى، تعد "نتفليكس" من بين المنافسين لشراء فيلم "المنشق". وفي هذا الصدد، قال فوغل إنه يحب التعاقد مع الشركة مرة أخرى، وأن الشعور يمكن أن يكون متبادَلا، نظرا لأن فوغل ساعد نيتفليكس على الفوز بأوّل أهمّ جوائز الأوسكار الرئيسية منذ سنتين.
وكانت نيتفليكس تحظى بسمعة تتمثل في الرضوخ للمملكة العربية السعودية. وخلال السنة الماضية، سحبت نيتفليكس حلقة من عرض الكوميدي المسلم الأمريكي حسن منهاج "باتريوت" بعد ضغوط من الحكومة السعودية، حيث تناولت الحلقة موضوع خاشقجي.
وأوردت الصحيفة أنه عند سؤال رينا رونسون، وكيلة مبيعات الفيلم في يونايتد تالنت إيجنسي، عما إذا كانت تتوقع حدوث صدّ من أي استوديوهات، قالت: "يمكن أن تكون الأفلام الوثائقية مثيرة للجدل في الكثير من الأحيان من الناحية السياسية والفنية، كما أن الاستوديوهات المرتكزة على الواقع غير الخيالي تُدرك ذلك، وتجد قيمة في كونها منصة لهذه القصص". في المقابل، لم تقدّم نيتفليكس أيّ تعليق.
وفي حال حصول الفيلم على صفقة توزيع كبيرة، فيمكن أن يكون التأثير كبيرا. وعلى العموم، يعرض "المنشق" الحقائق التي نُقلت في أشكال أخرى مرئية ودرامية، فضلا عن الأبعاد الجادة والتصويرية للمؤامرة بطرق جديدة. وعلى وجه الخصوص، يتمثل الأمر الذي تقشعر له الأبدان في متابعة الرجل، وهو ينتقل من الثقة إلى الحذر إلى الإدراك بأنه على وشك أن يُقتل.
الغارديان: هل كان قتل سليماني جزءا من خطة مدروسة؟
صحف دولية: الرد والتأهب عنوان المنطقة بعد مقتل سليماني
NYT: قاسم سليماني ألقى بظل طويل على الشرق الأوسط