نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، أعده مراسلها ديفيد سيغال، يتحدث فيه عن لقائه في لندن مع النجم السعودي على "يوتيوب" غانم المصارير الدوسري.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الكوميدي السعودي اتهم السعودية بتهديد حياته؛ بسبب مئات أشرطة الفيديو التي وضعها على "يوتيوب"، التي تسخر من العائلة المالكة، خاصة ولي العهد محمد بن سلمان.
ويقول سيغال إن من أكثر الشخصيات استهدافا في أشرطة الدوسري هي شخصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يصفه بـ"الدب الداشر"، مستدركا بأنه رغم أن وصف شخص بالدب لا يعني الكثير للأذن الغربية، إلا أن وصف شخص عربي بالدب يعني أنه سمين وقبيح و"داشر"، وفي هذا السياق تعني أنه فاسد وبلطجي ودون أخلاق.
وتذكر الصحيفة أن الدوسري ينتج أفلامه ويبثها من منزله في شمال لندن، وتبدأ عادة بسلام مرح، يتبعه هجوم ساخر لاذع، مشيرة إلى أن أشرطته ذات الأسلوب الساخر حظيت بأكثر من 300 مليون مشاهدة على "يوتيوب".
وينقل التقرير عن الباحثة السعودية في مدرسة لندن للاقتصاد مضاوي الرشيد، قولها، إن "هناك الكثير من الأكاديميين في سجون السعودية لانتقادهم السياسة، ولم يذكروا اسم القيادة بالاسم".
ويبين الكاتب أنه في حالة الدوسري، فإن الشرطة البريطانية جاءت إلى بيته في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وقدمت له تحذيرا بأن حياته مهددة، وتركت معه نظام "إطلاق صفارة النجدة"، التي ربطت عبر خط هاتفه، لاستدعاء السلطات عندما يتم تفعيلها، لكن الشرطة لم تقدم معلومات محددة حول طبيعة التهديد.
وتفيد الصحيفة بأنه بالنسبة للدوسري فإنه لا يوجد هناك لغز؛ لأنه تعرض قبل عام لمحاولة اختطاف، وجاءت من مصدر غير متوقع، وهو مسؤول أمن سعودي اتهم لاحقا بتدبير عملية قتل صحفي "واشنطن بوست" جمال خاشقجي في مدينة اسطنبول عام 2018.
ويورد التقرير نقلا عن الدوسري، قوله، إن النظام السعودي يحاول منذ سنوات استفزازه والتحرش به، من خلال الهجمات الإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي، وأضاف أن الحملة ضده زادت قبل أشهر من زيارة الشرطة البريطانية لمنزله.
ويفيد سيغال بأن الهواتف الذكية التي يملكها أصبحت بطيئة، وبناء على نصيحة صديق يعرف بالآثار الجانبية لبرامج التجسس السرية، فإنه طلب من مجموعة متخصصة في الحروب الإلكترونية فحصها، وبعدما فحصت في "ستيزن لاب"، وهي مجموعة غير ربحية في تورنتو، أخبرته أن الهواتف اخترقها فيروس خبيث هو "بيغاسوس"، الذي تنتجه الشركة الإسرائيلية "أن أس أو غروب"، وهو نظام يحول الهاتف إلى آلة رقابة تسجل الرسائل الهاتفية كلها، ويتنصت على المكالمات ويحدد الموقع.
وتلفت الصحيفة إلى أن "سيتزن لاب" وجدت على هواتف الدوسري آثارا تقود مباشرة إلى السعودية، وأدى هذا الاكتشاف وزيارة الشرطة إلى منزله بالدوسري لاتخاذ خطوة غير عادية، وهي رفع دعوى على المملكة العربية السعودية، مطالبا إياها بالاعتذار وتعويضات لم يحددها، بسبب خرقها هواتفه والتسبب بالقلق النفسي له.
وينقل التقرير عن الدوسري، قوله في تصريحات للصحيفة: "أنت تتعامل بشكل أساسي مع مافيا"، وكان يتحدث في شركة "لي دي" التي تمثله بناء على قاعدة "لا انتصار لا رسوم"، وأضاف أن هذه "المافيا تحمل جوازات سفر دبلوماسية ولديها المال"، مشيرا إلى أن المسؤولين السعوديين في بريطانيا والولايات المتحدة لم يردوا على أسئلة الصحيفة.
وينوه الكاتب إلى أن الدوسري وصل إلى بريطانيا قبل 16 عاما؛ بحثا عن التعليم وطريقة لشجب بلده عن بعد، واكتشف أن في داخله قدرات على الأداء والتمثيل من خلال "يوتيوب"، الذي وفر له دخلا ماليا ومركزا لم يتخيله، وفي عام 2018 وضعته قائمة المفكرين في العالم العربي، تعدها مجموعة "غلوبال إنفلونس"، في المرتبة السابعة عشرة، متقدما على خاشقجي.
وتقول الصحيفة إن الدوسري يجد اليوم نفسه في وضع حائر، فمضت أشهر عدة قبل أن يحمل أفلام فيديو على "يوتيوب" من برنامجه المعروف "غانم شو"، الذي كان يسجله ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، وعملية إعادتها تقدم الجزء الأكبر من دخله.
ويستدرك التقرير بأن التحدي هو جزء من طبيعته، لذلك فهو متردد في الاعتراف بأن السعودية أخافته، ويقول إنه فقد الاهتمام بتسجيل مونولوجات جديدة، ويضيف: "سأعود.. لا أعرف متى، لكن قريبا".
ويقول سيغال إنه بعيدا عن الكاميرا، فإن الدوسري لا يبدو تلك الشخصية الصاخبة التي يظهر فيها في أفلام الفيديو، مشيرا إلى أنه في صيف عام 2018 أوقفه المعجبون به في أثناء وجوده في متجر "هارودز"، الذي كان مليئا بمتسوقين من السعودية، والتقطت عائلات صورا معه، ولوح للمعجبين الذين هتفوا باسمه.
وتستدرك الصحيفة بأنه "في اللقاء الشخصي يبدو الدوسري هادئا في حديثه، وقلقا إلى حد جنون العظمة، وفي لقاء الصحفي معه في مقهى رفض شرب القهوة التي طلبها؛ خوفا من وضع السم فيها، ويحمل معه زجاجة من بخاخ الفلفل، مستعدا لاستخدامها في أي لحظة، خاصة عندما خرج من محطة القطار واقترب منه مخموران، وقال: "هل شاهدت هذين الرجلين؟.. لا أعلم ماذا يحدث، ووضع يده في جيبه معيدا الزجاجة".
ويلفت التقرير إلى أنه بحسب القضية التي رفعها الدوسري، فإنها تشير إلى زيارة ضابطين من الشرطة البريطانية لمنزله في يوم 31 تشرين الثاني/ أكتوبر، اللذين قدما له ما يعرف بـ"تحذير عثمان"، وهو بروتوكول عادة ما يقدم إلى شخص باتت حياته عرضة للخطر، وقال متحدث باسم الشرطة إن دائرته لا تعلق على تحذيرات عثمان، فيما قال الدوسري: "لم يخبراني أي شيء عن مصدر التهديد"، ووصفا نظام طلب النجدة، "وقالا لو ضغطت على الزر فإنهم سيكسرون باب بيتي على افتراض أنني تعرضت للخطر".
وينوه الكاتب إلى أن التحذير جاء قبل أسابيع قليلة من اغتيال الصحفي خاشقجي، الذي استنتجت "سي آي إيه" أنه جرى بأمر من ولي العهد.
وبحسب الصحيفة، فإن الدوسري يعيش في وضع يشعر فيه بالخطر، وهو ما لم يفكر به عندما وصل إلى بريطانيا عام 2003، بعد ترك بلدته الخرج الواقعة على بعد 50 ميلا جنوب الرياض، وكان يريد دراسة علم الحاسوب في جامعة بورتسموث، والحصول على شهادة ووظيفة، والبحث عن طرق لمهاجمة بلاده.
ويفيد التقرير بأن محاولاته في الحفاظ على مستوى من السرية في عام 2004 لم تجد؛ لأنه كلما التقى مع أفراد اعتقد أنهم من المعارضة يكتشف أنهم يعملون لصالح السعودية.
ويذكر سيغال أنه في ذلك العام تم نقل أحد أبناء عمومة الدوسري، وهو مناحي بن فويز، من قنصلية السعودية في روما إلى سفارة السعودية في لندن، وبدأ غانم الدوسري بالقلق عندما بدأ ابن فويز، الذي لم يكن قريبا منه، بدعوته إلى قضاء العطل في المغرب ومصر، الأمر الذي رفضه، مشيرا إلى قوله إن "السعوديين لديهم تاريخ في الاختطاف من هذين البلدين.. اتصل بي ذات مرة من مصر، وأخبرني أنه سيحجز لي الطائرة والفندق للتجول معا".
وتقول الصحيفة إن مخاوفه من ابن عمه وقلقه من أنه قد يتسبب له بالأذى لم تختف حتى عام 2007، عندما دعاه إلى حفلة في قهوة في فندق "لانزبرا" في لندن لوداع أحد الدبلوماسيين السعوديين الذي أنهى مهمته، وعندما ذهب ابن عمه إلى الحمام، نظر إليه الدبلوماسي الآخر وحذره قائلا: "ابق في مكانك"، ما يعني أن أي تحرك خارج بريطانيا سيكون خطيرا، وبعد ذلك يقول الدوسري إنه لم يكن هناك أي مجال لمغادرة بريطانيا، لافتة إلى أن ابن فويز يعيش الآن في السعودية، ولم يرد على محاولات الصحيفة الاتصال به.
ويشير التقرير إلى أن الدوسري تلقى بعد عام صدمة أكدت له ضرورة البقاء "حيث يقيم"، وهذه المرة من ماهر المطرب، الذي أوكلت له مهمة تنظيم قتل خاشقجي في اسطنبول، الذي من غير المحتمل أن يكون من بين الخمسة الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام في نهاية العام الماضي، لافتا إلى قول الدوسري": "لا أستطيع تفسير التغيير الذي طرأ على المطرب.. عندما عرفته كان إنسانا".
ويلفت الكاتب إلى أن الدوسري ظل طالبا حتى انتهت تأشيرة الدراسة عام 2011، وعندها تقدم بطلب اللجوء السياسي، ما جعله مستحقا للمساعدة الحكومية الأسبوعية (50 دولارا)، ولأنه لم يكن قادرا على تأمين عمل بسبب وضعه، قرر خلق وظيفة لا تحتاج إلى أوراق رسمية، وفي عام 2014 حمل أول فيلم فيديو له على قناة على يوتيوب "غانم تيوب"، وكان هجوما حادا على الملك عبد الله، الذي مات عام 2015 ورفضه السماح بالتغيرات الاجتماعية، ويقول الدوسري: "لم أمثل من قبل.. لكنني بدأت".
وتذكر الصحيفة أن أفلامه الأولى لم يشاهدها سوى آلاف، وهاجمها الموالون للنظام، لكنه استطاع تحقيق شعبية، وفي عام 2016 نشر فيديو عن غضب رجل دين على امرأة راقصة، شوهد أكثر من 13 مليون مرة، مشيرة إلى أن موضوع الفساد داخل العائلة المالكة يعد المفضل له، وعلق في فيديو على خطط محمد بن سلمان بناء مدينة ذكية بكلفة 500 مليار دولار، قائلا: "أهم شيء يريده محمد بن سلمان هو أخذ أموال السعوديين وإفراغ جيوبهم.. سموه يشتري ما يريد".
ويورد التقرير نقلا عن الدوسري، قوله إنه حصل على 6 آلاف دولار في الشهر من "يوتيوب" بسبب المشاهدات لأفلامه، مشيرا إلى أنه كلما أصبح مشهورا سعى السعوديون لمنعه من العمل.
ويقول سيغال، إن حملة التحرش تتقاطع مع مؤامرة السعودية ضد خاشقجي، فبعد مقتل الصحفي تعرض هاتف صديقه الناشط السعودي عمر عبد العزيز للاختراق، وتقدم بدعوى ضد "أن أس أو غروب" الإسرائيلية، وردت الشركة قائلة: "ما يزال عمر عبد العزيز ينشر مزاعم كاذبة حول التكنولوجيا الخاصة بنا، التي نصنعها للتحقيق في الجريمة والإرهاب"، مشيرا إلى أنه بعد فحص هواتف عبد العزيز والدوسري، وجد باحثون في "ستيزن لاب" أنه تم اختراقهما من خلال طرود "دي أتش أل".
وينوه التقرير إلى أن الدوسري حصل بعد ستة أعوام من تقدمه بطلب اللجوء، وعقب أسابيع من قتل خاشقجي، على الإقامة في بريطانيا، وكتب القاضي مارك إلدبريدج في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بأن قراره منح الدوسري حق اللجوء السياسي، "بناء على مخاوف حقيقية من تعرضه للاضطهاد لو عاد إلى السعودية".
ويفيد الكاتب بأن الدوسري اليوم حول نظره إلى المحاكم البريطانية، وهذه المرة من أجل محاكمة السعودية، وقدم دعواه في المحكمة العليا في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، في قضية يرى فيها الخبراء أنها جديدة في النظرية القانونية، وهي قضية عليها تخطي عقبات الاختصاص القضائي، وتوسيع مفهوم الجريمة الإلكترونية، وهي محاولة من الدوسري مواجهة عدو يريد إسكاته.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول الدوسري: "تريد الحكومة السعودية القول لي: أنت لست آمنا.. وحتى في بريطانيا، فيدنا هي العليا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
إندبندنت: كيف يرتبط انتعاش الاقتصاد السعودي بالتحرر؟
FT: هل سيدفع اكتتاب "أرامكو" النمو في السعودية؟
WP: لماذا رفضت الخارجية الأمريكية تدريب المخابرات السعودية؟