نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعده سايمون كير وأندرو إنغلاند وأنجلي رافال، يتحدثون فيه عن معنى اكتتاب شركة "أرامكو" في السوق العام وأثره على الإصلاح في السعودية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى اجتماع عقده مصرفيون دوليون مع الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يصبح وليا للعهد عام 2016، حيث حضر اجتماعا في فندق ريتز كارلتون، الذي كان مسرحا بعد عام لعملية اعتقال جماعي نظمها الأمير نفسه ضد الأثرياء والأمراء من العائلة المالكة.
ويفيد الكتّاب بأن مصرفيا حضر الاجتماع وصف الجو بالحماسي، خاصة أن السعودية قررت عمل ما لم تعمله دولة خليجية أخرى، وهو فتح حسابات أهم شركة للمستثمرين الدوليين.
وتنقل الصحيفة عن مدير مالي، قوله إنهم كانوا جالسين على "أكبر طاولة شاهدها في حياته"، وكان جزءا من مجموعة مصرفيين جاؤوا لمناقشة طرح 5% من أسهم الشركة التي قيمها السعوديون بتريليوني دولار، وأضاف أن "بعض الأشخاص كانوا متشككين، لكنني قلت ماذا؟ علينا التركيز على الإيجابيات".
ويلفت التقرير إلى أنه بعد ثلاثة أعوام مضطربة قررت الرياض المضي في الفكرة، لكن على قاعدة أصغر، ووضع نسبة 1.5% بناء على تقييم 1.7 تريليون دولار في السعودية، حيث أدى التداول الذي بدأ الأربعاء إلى جمع 25.6 مليار دولار، وبمشاركة محدودة جدا للمستثمرين الأجانب.
ويقول الكتّاب إن الخطوة اعتبرت علامة مهمة على الطريق، ودليلا على أن محمد بن سلمان ماض في خططه لتحديث الاقتصاد والبلاد، مشيرين إلى أنه بالنسبة للممولين الذي بذلوا جهودا في العملية منذ عام 2017، فإن المزاج كان يشير إلى حالة إحباط وذهول بعد اكتشاف أن الأجور التي كانوا سيحصلون عليها من الطرح العام لن يتم تحصيلها، وقال مصرفي كبير: "لا يقومون بعمل ما قالوا إنهم يريدون عمله وهو جذب المال الأجنبي"، وأضاف: "ليست هذه صفقة حقيقية، لكنها سياسية".
وترى الصحيفة أن اكتتاب "أرامكو" هو مجاز عن الرحلة الصاعدة والهابطة للسعودية منذ أن عزز محمد بن سلمان سلطته، وهز المملكة بطريقة لم تشهدها منذ إنشاء جده الملك عبد العزيز لها قبل 86 عاما، مشيرة إلى أن هذه قصة بدأت بطموحات عالية وشكوك.
وينوه التقرير إلى أن المرحلة الأولى من رؤية 2030 للإصلاح اقتربت الآن من نهايتها في ظل الأهداف الاقتصادية الضائعة وتأجيل الأهداف، ما يكشف عن تناقض ظاهري في ضوء الإصلاحات الاجتماعية والديكتاتورية المتزايدة، وهو وضع أثار روايتين متناقضين، واحدة متفائلة داعمة لولي العهد، وآخرى متشائمة ترى أن سياسات الأمير القاسية تزيد من الأضرار أكثر من الفوائد.
ويورد الكتّاب عن مدير تنفيذي، قوله إن ما يجري في السعودية هو تعبير عن "طموحات صحيحة ونهج خاطئ"، وأضاف: "عندما تحاول عمل الكثير في وقت واحد تنتهي دون أي إنجاز، وهناك مئات الأشياء التي يجب أن تذهب لسموه، ما يخلق مناخا من العمل المتزايد والجمود"، مشيرين إلى أنه لهذا كان الأمير حريصا على إكمال اكتتاب "أرامكو" بسبب غياب التقدم الاقتصادي، وهو بحاجة إلى انتصار.
وتنقل الصحيفة عن مدير أجنبي، قوله: "قبل اكتتاب (أرامكو) كان هناك نوع من الخيبة بشأن المشاريع التي لم يؤد أي منها لنتائج، والاقتصاد في وضع سيئ، وتساءل الناس: ماذا حدث لرؤية 2030؟"، وباكتتاب "أرامكو" فإنه "يمكنهم القول إنهم فعلوا شيئا وأنهم يقومون بعمل شيء".
ويشير التقرير إلى أن تحولات حدثت لم يكن أحد يتوقعها، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، وإلغاء قانون الوصاية، ورفع الحظر عن سفرها دون إذن ولي الأمر، وفتح دور السينما، وقوانين للإفلاس وملكية الأجانب والرهن العقاري، لافتا إلى أن الحكومة قامت باتخاذ القرارات الصعبة من إلغاء الدعم على الوقود.
ويقول الكتّاب إنه عندما قررت "أرامكو" تقديم تفاصيل عن حساباتها هذا العام كان ذلك لحظة "مدهشة" في منطقة لم يكن فيها الكشف عن التفاصيل الدقيقة معروفا، مستدركين بأن النتائج السلبية تغلبت على الإيجابية، من قتل الصحافي جمال خاشقجي وتقطيعه العام الماضي، وحملة اعتقال رجال الأعمال قبل 11 شهرا.
وتبين الصحيفة أنه تم في هذه الحملة سجن 300 رجل أعمال وأمير في فندق ريتز كارلتون، ما هز ثقة رجال الأعمال في الحكومة وسياسات التقشف والتأخر في دفع الفواتير المستحقة عليها، بالإضافة إلى أن القمع وملاحقة الصحافيين والناشطين والمدونين عززا الفكرة بأن السعودية أصبحت ديكتاتورية في ظل محمد بن سلمان أكثر من أي وقت.
ويفيد التقرير بأن الحملات منعت النقاش حول مزايا طرح "أرامكو" أو السياسات الحكومية في مجال التقشف، مؤكدا أن المال الأجنبي الذي راهن عليه ابن سلمان ليحقق من خلاله المشاريع التحديثية لم يتدفق، وانخفض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.4 مليار دولار عام 2017، وإلى 3.2 مليار دولار عام 2018، بحسب بيانات الأمم المتحدة، وهذا نصف المبلغ الذي تم تأمينه في عام 2016.
ويلفت الكتّاب إلى أن الاستثمار الخارجي زاد في الوقت ذاته بنسبة الضعف إلى 21.2 مليار دولار، في الفترة ما بين 2017- 2018، وهذا انعكاس للنفقات التي تقوم بها مؤسسات الدولة، مثل هيئة الاستثمارات العامة، والصندوق السيادي والمؤسسات الخاصة التي تحول المال من داخل المملكة إلى الخارج.
وتنقل الصحيفة عن مدير تنفيذي يعرف بالوضع السعودي، قوله: "كان بإمكانه استخدام طاقة الأمل بدلا من طاقة الخوف، وكان بإمكان القطاع السعودي الخاص تجميع ما بين 200- 300 مليار دولار، وما كان ناقصا ليس الرأسمال لكن الثقة"، وأضاف معبرا عن مظاهر قلق رجال الأعمال السعوديين: "رأينا أصدقاءنا يجرون إلى ريتز، وشاهدنا فواتيرنا لم تدفع، ويقولون الآن علينا الاستثمار".
وينوه التقرير إلى أن السعوديين يعترفون بارتكاب أخطاء، لكنهم يقولون إنه تم تجاهل ما قام به الأمير محمد بن سلمان من مواجهة نظام اقتصادي غير مستدام قائم على البترودولار.
ويورد الكتّاب نقلا عن مسؤول سعودي بارز، قوله: "لا شك بأننا مررنا بمرحلة صعبة للوصول إلى ما وصلنا إليه، وكانت أصعب مما توقعنا"، وأضاف أن الحكومة تقوم بالعمل على تحقيق الأهداف في وقت يتم فيه الحكم عليها.
وتشير الصحيفة إلى أن انهيار أسعار النفط والعجز في الميزانية دفعا إلى خطة التحول الوطني عام 2016، التي هدفت لتخفيض مستوى البطالة من 11.6 إلى 9%، وخلق أكثر من 450 ألف وظيفة جديدة في القطاع الخاص، وزيادة الموارد من القطاعات غير النفطية، وتخفيض رواتب العام من 45% إلى 40% بحلول عام 2020.
ويجد التقرير أن من الواضح أن معظم الأهداف غير واقعية، حيث تم تعديل خطة التحول الوطني وتأجيلها لعشرة أعوام، مستدركا بأن الميزان اليوم يبدو مختلفا، ودور الحكومة أصبح سائدا أكثر من ذي قبل.
ويذكر الكتّاب أن نسبة البطالة لا تزال 12.2% بعدما زادت إلى نسبة 12.9% العام الماضي، فيما زادت فاتورة الرواتب إلى 50% من النفقات العامة، مشيرين إلى أنه يتوقع أن يزيد العجز في الميزانية بـ50 مليار دولار العام المقبل، أي ضعف ما تم جمعه من اكتتاب "أرامكو".
وتلفت الصحيفة إلى أن الدولة زادت من الموارد، من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة وضريبة إقامة على الأجانب، التي كانت مضرة في الأعمال التي تعتمد على العمالة الأجنبية، مستدركة بأنه رغم ترحيب الاقتصاديين بخفض الدعم عن الوقود، إلا أنه تمت إضافة كلفة على الشركات وقل الطلب.
وبحسب التقرير، فإن صندوق النقد الدولي خفض توقعاته للناتج القومي العام هذا العام إلى 0.2% بسبب انخفاض أسعار النفط، مشيرا إلى أن من النجاحات التي تحققت هو رؤية المرأة أكثر في سوق العمل، "لكن الطموحات تظل قليلة ولم تتحقق".
وينوه الكتّاب إلى أخطاء محمد بن سلمان، الذي حاول منع تضمين أي شيء سياسي في حساب المخاطر المتعلقة بطرح "أرامكو" في الدليل الخاص بالاكتتاب، مشيرين إلى أن المسؤولين السعوديين عبروا عن غضبهم من حديث المستثمرين الدوليين، بأن الطلب على الاكتتاب يعتمد على تقييم للشركة أقل من 1.5 تريليون دولار.
وتشير الصحيفة إلى أن ما تعبر عنه قصه "أرامكو" هو أن التغير يحصل في السعودية، لافتة إلى ما قاله عبد الرحمن الراشد، بأن السعودية ليست بحاجة لبيع أي سهم من الشركة، والتغير يحصل في مجالات الحياة كلها في المملكة.
ويجد التقرير أنه مع ذلك فإن الحكم لا يزال لم يصدر عن أثر تخفيض مستوى اكتتاب "أرامكو"، لافتا إلى قول مصرفي في الخليج: "ما يقلقني أن نقل الأموال (السعودية) من مكان إلى آخر سيستخدم للاستثمار في الخارج، مثل (سوفت بانك)، مع أنه يجب استخدامها في القطاع المحلي".
ويفيد اكتّاب بأن كل شيء يعتمد على هيئة الاستثمار العامة، التي ستنقل إليها عائدات اكتتاب "أرامكو" كلها، والتي أصبحت أداة شخصية في يد محمد بن سلمان للإصلاح، مشيرين إلى أن الهيئة يديرها ياسر الرميان المقرب من ولي العهد، الذي حل محل خالد الفالح مديرا لـ"أرامكو".
وبحسب الصحيفة، فإنه أوكلت إلى الهيئة بمهمة إنشاء صناعات محلية، والإشراف على مشاريع كبرى، مثل مدينة "نيوم"، التي ستكلف 500 مليار دولار، بالإضافة إلى أنها استثمرت 45 مليار دولار في "سوفت بانك" الياباني، مستدركة بأن دورها مثير للجدل، ويقول الداعمون لها إن عليها تطوير صناعات جديدة في القطاع الخاص، فيما يقول نقادها إنها تزاحم القطاع الخاص وتزيد من سيادة الدولة.
وينقل التقرير عن رجل أعمال سعودي، قوله إن "هيئة الاستثمار العامة تشفط الهواء كله" من القطاع الخاص.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالقول إن ما يتفق عليه النقاد والمؤيدون هو أمر واحد، فبعد اكتتاب "أرامكو"، فإن المرحلة القادمة ستكون بمثابة امتحان لمحمد بن سلمان، وإن كان قادرا على تنمية الاقتصاد.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WP: محمد بن سلمان لم يتعلم شيئا
ديلي ميل: هجوم على زوجة الأمير أندرو السابقة لزيارتها السعودية
فورين بوليسي: كيف أصبح اكتتاب "أرامكو" شأنا محليا؟