أبدت العديد من الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية في الجزائر، حماسا للتعاون مع الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، شريطة الاتفاق على جملة الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتحقيق التحول الديمقراطي في البلاد.
وبعد نحو أسبوعين من تنصيب تبون، بدأت الساحة السياسية تفرز العديد من الآراء المختلفة، منها الداعون للتقرب من الرئيس الجديد وإعطائه الفرصة كاملة، ومنها المعارضون له بشدة باعتباره امتدادا للنظام الحالي الذي يجب أن يرحل.
ويُحاول تبون في أولى خطواته، إعطاء صورة الرئيس المنفتح على جميع التيارات والمحارب لسلوكات الفترة السابقة، لإزالة الفكرة المشكلة عليه لدى العديد من الجزائريين، بأنه يمثل نفس نهج الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وبدأ الرئيس الجديد مبكرا بالكشف عن أولى أوراقه من خلال تعيين وزير أول يوصف بأنه من ضحايا الفترة السابقة، رغم أنه لم يعرف عنه معارضة صريحة للرئيس السابق، وبقي يشتغل في الحقل الأكاديمي بعيدا عن التورط بشكل مباشر في الحياة العامة.
واستقبل تبون، رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، المعروف عنه معارضته للرئيس السابق وتحكمه في الملفات الاقتصادية، وطلب منه مساعدته في إعداد تصور للخروج من الأزمة.
اقرأ أيضا: إخوان الجزائر يقبلون بالحوار مع السلطة الجديدة
وينتظر أن يُفتح مكتب الرئاسة في الأيام المقبلة، للعديد من الشخصيات السياسية الثقيلة، مثل أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية سابقا وعبد العزيز رحابي الوزير والسفير السابق وأحد أبرز وجوه المعارضة المحسوبة على التيار الوطني، ناهيك عن رؤساء أحزاب أبدوا استعدادا للحوار مع الرئيس الجديد.
أمامه فرصة
وفي ظل هذا الزخم الجاري، يعتقد الكاتب والناشط السياسي احميدة العياشي، بأن أمام تبون فرصة لأن يلعب دورا بامتياز في قيادة مرحلة تساعد ليس فقط على الاستجابة لمطالب الحراك، بل المضي بسلاسة نحو تغيير جدي للنظام خلال عهدته الأولى.
وقال العياشي المعروف بنشاطه في الحراك الشعبي، في تصريح لـ"عربي21"، إن هناك العديد من المؤشرات التي تدل على ذلك، أبرزها قيادة عسكرية ممثلة في خليفة الراحل القائد صالح، لا يهمها التدخل المباشر في صناعة القرار السياسي.
أما الأمر الثاني وفق المتحدث، فهو لجودء تبون إلى تعيين وزير أول يتميز بمرونة في التعاطي مع الشأن السياسي، ويعرف جيدا تجارب الدول في الانتقال الديمقراطي بحكم تكوينه الأكاديمي ومحاضراته التي ساهم بها في الأيام الأولى للحراك الشعبي.
وأضاف المتحدث، بأن الرئيس تبون نفسه مؤمن بأن مصلحته كسياسي يسعى إلى توطيد رجله في المشهد السياسي، تتطلب منه الإشراف بجدية على فتح ورشات إصلاح الدولة وإنشاء نظام جديد ينبثق من توافقات داخل وخارج النظام ضمن معادلة يقوم على أساسها عقد وطني واجتماعي جديدين.
لكن ما هي الإصلاحات التي يجب على تبون تنفيذها؟ يوجد في الساحة شبه إجماع على ضرورة تغيير الدستور وإبعاد أي نزعة سلطوية منه، وواجب تغيير قوانين الانتخابات والأحزاب والجمعيات وإعادة الشرعية للمؤسسات المنتخبة، وتعديل القوانين الاقتصادية المكبلة للاستثمار.
سجال سياسي
وعلى هذا الأساس، أعلن رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، بأنه مستعد للانخراط في الحوار مع الرئيس الجديد، على قاعدة الوصول إلى توافقات تؤدي إلى الإصلاح وتجنيب البلاد الأزمات التي تتربص بها.
وقال مقري في ندوة صحفية له أمس، أنه من الواجب إعطاء الرئيس الجديد الفرصة كاملة ليحقق النجاح، مع تنبيه تبون إلى ضرورة قراءة الساحة السياسية قراءة صحيحة والحذر من الفاسدين والانتهازيين والعملاء والفاشلين.
لكن فكرة الحوار مع تبون، ليست محل إجماع في المعارضة الجزائرية، فهناك من يتخذ موقفا راديكاليا بالنظر إلى الطريقة التي جاء بها الرئيس الجديد ورفضه الواسع من الحراك الشعبي.
وقال عثمان معزوز الناطق باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إن أي حوار يفترض وجود شرعية غير مطعون فيها وثقة الشعب، وهما ركيزتان أساسيتان غير متوفرتين في تبون الذي تم تعيينه خارج الإرادة الشعبية.
اقرأ أيضا: جزائريون يواصلون حراكهم الاحتجاجي في الجمعة الـ 45
وتوقع معزوز في حديثه مع "عربي 21"، أن يكون الحوار، مجرد عرض مسرحي من طرف واحد، بين تبون ومن يختارهم من بعض السياسيين الراغبين في عرض خدماتهم، في حين سيكون الملايين من الجزائريين الذين يخرجون للشارع غير ممثلين.
الخروج من التصور التقليدي
ومن منظور أكاديمي، يرى نوري دريس الباحث في علم الاجتماع السياسي، بأن السلطة لتصور ليس لديها للحوار يختلف عن العروض التي قدمتها سابقا، ولكن يجب التنبيه في المقابل على أن الحراك الشعبي، حسبه، لا يملك هو الآخر تصور للحوار، وهذا ما يؤكد على أن الأزمة لا يمكن حلها بالطرق التقليدية.
ولمباشرة ما وعد به الرئيس خلال تنصيبه، ينتظر أن لا يتأخر الإعلان عن الحكومة الجديدة التي ستكون مشكلة من طاقم يغلب عليه "التكنوقراط" من شخصيات يعتقد النظام أنها قادرة على التواصل مع جزء من الحراك الشعبي.
وفي تقدير نوري دريس، فإن تشكيلة الحكومة في حد ذاتها، هي شكل من أشكال الحوار الذي يمكن أن تتبين منها نوايا السلطة الحقيقية. وأوضح دريس في حديث مع "عربي 21"، أنه إذا حدثت تغييرات عميقة وسندت الحقائب لكفاءات مستقلة، فهذا يعدّ شكلا من أشكال الاستجابة لمطالب الجزائريين.
وأضاف: "كذلك، إذا قامت السلطة بإجراءات تهدئة، و فتح الفضاء العام للنقاش فهذا أيضا شكل من أشكال التحاور والاستجابة، فأزمة الجزائر الحالية لا يمكن حلها باللقاءات المغلقة و تسجيل رؤوس الأقلام لاقتراحات هذا الشخص أو ذاك.
وتابع المتحدث، بأن المجتمع والسلطة في حوار وتبادل منذ 22 فبراير/شباط، و إذا لم يحدث هنالك نزوع نحو العنف والقمع، فهذا الشكل من الحوار كاف لرسم معالم الحل للازمة الحالية.
محللون يقرأون تأثير وفاة قايد صالح على الحياة السياسية
هل تشهد الجزائر ميلاد دستور يتجاوز مصالح الطبقة الحاكمة؟
ماذا وراء النسب و"الأرقام" في انتخابات الرئاسة الجزائرية؟