بعد أن تقدمت السلطة
الفلسطينية بطلب الموافقة على ذلك، أعلنت إسرائيل موقفها " باللاموقف "
من مسألة السماح لسكان القدس الشرقية بالمشاركة بالانتخابات الفلسطينية إن أجريت
في المناطق الفلسطينية المحتلة.
موقفين محل استغراب واستعباط سياسي في ذات الوقت؛
فالموقف الفلسطيني المعلن من عدم إجراء انتخابات فلسطينية عامة حتى يشارك فيها
سكان القدس الشرقية يحمل أكثر من سيناريو أحلاهما مرّ؛ فإن كانت الغاية من هذا
الإعلان هو التأكيد على فلسطينية القدس إثر المواقف الإسرائيلية والأمريكية
الأخيرة من قضية القدس، تكون هذه الغاية قدسية بقدسية هذه المدينة المقدسة.
ولكن هذا الاشتراط ولأجل هذه الغاية يكون أمرا
في غاية التعقيد والسذاجة معا؛ فممارسة الضغط الفلسطيني على إسرائيل للقبول بإجراء
الانتخابات في القدس الشرقية ينقصه من وسائل الضغط (الاقتصادي والسياسي والعسكري)
ما نقصها وينقصها لأجل وقف ما تمارسه إسرائيل وتفرضه في الأراضي الفلسطينية من
حقائق جغرافية وديمغرافية لغايات الضم، سواء كان ذلك عبر الاستيطان أو مصادرة
الأراضي أو عمليات الضم القانوني التي تمارسها إسرائيل؛ فقد عجزت السلطة
الفلسطينية سابقا وما زالت عاجزة أمام هذه السياسة الإسرائيلية، ليس في الضفة
الغربية فقط وإنما -قبل ذلك- في القدس الشرقية أيضا.
أما أن تعول السلطة الفلسطينية على الضغط
الأوروبي لكبح جماح إسرائيل لأجل ذات الغاية، تكون السلطة بذلك عاجزة عن قراءة
معطيات الواقع الدولي الجديد بعد مجيء ترامب للحكم؛ فأوروبا باتت عاجزة -هي أيضا-
حتى عن الدفاع عن مصالحها في العالم وخاصة في الشرق الأوسط أمام السياسة الخارجية
الأمريكية الجامحة.
أما الموقف الإسرائيلي من طلب السلطة الذي جاء
في توقيت سياسي سيء للغاية يشهد فيه النظام السياسي الإسرائيلي حالة من الفوضى
والتجاذب بعد دورتين متتاليتين من الانتخابات العامة في ذات العام، أنتجت عجزا
يمينيا وليبراليا من تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.
فمن حيث المبدأ تتناغم مشاركة سكان القدس الفلسطينيين في الانتخابات الفلسطينية العامة مع المخطط الإسرائيلي اليميني الذي يحكم إسرائيل منذ 2002؛ حيث تنسجم هذه المشاركة بالرغبة الإسرائيلية لاستبعاد السكان الفلسطينيين -أينما وجدوا- من التمثيل السياسي في مؤسسات الحكم الإسرائيلية المختلفة، وهذا ما يتفق مع الرؤية الإسرائيلية في الرغبة بضم المناطق الفلسطينية دون سكانها، خاصة أنه قد سبق لإسرائيل الموافقة على مشاركة سكان القدس الشرقية في الانتخابات الفلسطينية السابقة عبر مكاتب البريد الإسرائيلي المنتشرة بالقدس الشرقية.
لكن توقيت هذا الطلب الفلسطيني جاء في وقت لا يستطيع فيه اليمين
الإسرائيلي الحاكم المؤقت المجازفة بأصوات اليمين المتشدد – في الانتخابات الإسرائيلية
الوشيكة- والذي يطالب بحل السلطة الفلسطينية وإنهاء وجودها، إضافة لما تفتقده
الحكومة الإسرائيلية اليوم من شرعية برلمانية لمثل هذا القرار.
من المؤسف القول أن السلطة الفلسطينية بموقفها
هذا تكون قد منحت الجانب الإسرائيلي فرصة ذهبية لاستغلال الطلب الفلسطيني هذا
والمساومة السياسية عليه لأجل فرض المزيد من الخضوع السياسي والاقتصادي على السلطة
الفلسطينية. فلا السلطة الفلسطينية ستكون قادرة على فرض إلزام إسرائيل بالموافقة
ولا إسرائيل ستقدم للفلسطينيين موافقتها دون ثمن.
لقد كان الأجدر بنا أن نبحث عن الحلول الوطنية
الخالصة لأجل تمكين أهل القدس المشاركة دون الارتهان بإرادة الاحتلال .
غريب حالنا وأمرنا؛ فقد كان الاحتلال قديما
يسلب قرارنا الوطني بقوته الاحتلالية الباغية، وكنا ننتزع منه ما استطعنا من مظاهر
استقلالنا الوطني، ونفرض عليه بإرادتنا العصية متطلبات هذا الاستقلال، أما اليوم،
فإننا نربط أنفسنا بموافقته لممارسة أهم مظهر من مظاهر حريتنا واستقلالنا وهو
الصوت الشعبي.
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية