لا شك في أن الإدارة الأمريكية، ومن قبلها الإسرائيلية، قد وجدت ضالتها بنتائج الانتخابات
الفلسطينية التشريعية الأخيرة عام 2006م، حين فازت
حماس وشكلت الحكومة. فقد أصبحت الفرصة سانحة وقتها لكي تبدأ الإدارة الأمريكية، ومن خلفها الإسرائيلية، لتنثر بذور الانقسام السياسي الفلسطيني، فقاطعت حكومة حماس، وأعادت توجيه علاقاتها ومساعداتها للسلطة الفلسطينية عبر مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، مسببة شرخا عميقا بين ركنين أساسين من أركان النظام السياسي الفلسطيني (الحكومة والرئاسة).
بحسن نية قبل سوئها، فتحت الرئاسة الفلسطينية أبوابها على مصراعيها للعلاقات والمساعدات المباشرة، متخلية عن الحكومة، وغير مدركة أن هذا الأمر ما هو إلا بوابة أمريكية- إسرائيلية لتنفيذ رؤية مشتركة بعيدة المدى لفصل حركة
فتح عن حركة حماس، بفصل
الضفة عن القطاع، هذه الرؤية التي تشكلت بشكل واضح قبل عام من الانتخابات، حين قرر شارون وبشكل أحادي الجانب (بتنسيق مع أمريكا) الانسحاب من
غزة 2005م.
لقد كان ثمن الانسحاب من غزة واضحا لدى الإسرائيليين والأمريكيين، وهو "ترك غزة مقابل السيطرة على الضفة". وما أن شكلت حماس حكومتها، حتى استحقت الخطوة الأمريكية- الإسرائيلية التالية، وهي عمل أي شيء من شأنه تعزيز هذا الفصل وهذا الانقسام. ولم يكن يحتاج الإسرائيليون، ومن بعدهم الأمريكيون، أكثر من نثر بذور الانقسام حتى نفذناه بأيدينا وسقيناه بدمائنا.
لسنا هنا للحديث عن المسؤول عن الانقسام ولا عن تفاصيله وقبائحه، ولسنا هنا لجلد الذات الفلسطيني بشقيه.. نحن هنا اليوم لنقول إننا باستمرارنا في الانقسام ننفذ أجندة أمريكية- إسرائيلية قذرة.. نحن هنا اليوم لنقول إن القضية الفلسطينية تمر بأخطر ما مرت به عبر الناريخ.. نحن أمام مشروع أمريكي- إسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، فصفقة القرن وإرهاصاتها تكاد تكون واضحة عبر النظر إلى تصفية أهم القضايا الجوهرية المتعلقة بالصراع، وهي القدس واللاجئيون الفلسطينيون.
إن الانتظار حتى إعلان الصفقة والبدء بتنفيذها دون إنهاء الانقسام الفلسطيني لا يعني أقل من الانتحار السياسي الفلسطيني، ولا يعني أقل من انهيار للنظام السياسي الفلسطيني وانهيار أطره السياسية. فغزة ضعيفة دون الضفة، والضفة أضعف دون غزة وفلسطين الضحية.
فلسطين الآن (كل فلسطين) أحوج ما تكون إلى المصالحة الوطنية، فلا التاريخ ولا أجياله سترحم.