في ختام القمة الإسلامية المصغرة بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، نوه رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد إلى أن "بلاده وإيران وتركيا وقطر تبحث تنفيذ المعاملات التجارية فيما بينها بالذهب ونظام المقايضة كنوع من الحماية من أي عقوبات مستقبلية محتملة عليها".
وقال مهاتير:
"اقترحت أن نعود لبحث فكرة التجارة باستخدام الدينار الذهبي والمقايضة فيما
بيننا (...) نبحث في هذا الأمر جديا ونأمل أن نتمكن من التوصل إلى آلية
لتطبيقه".
ولاقت هذه التصريحات ردودا متباينة حول
إمكانية تطبيقها على أرض الواقع، خاصة في ظل خضوع نظام التجارة العالمي لهيمنة
العملة الأمريكية "الدولار".
فوفق أحدث الاستطلاعات العالمية فإن العملة
الخضراء استخدمت في 88 بالمئة من جميع المعاملات التي تمت بالعملات الأجنبية في
جميع أنحاء العالم، وهي أعلى نسبة منذ 18 عاماً، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
اقرأ أيضا: ختام القمة الإسلامية دون بيان مشترك.. هذا ما قاله مهاتير
عوامل قوة
من جهته يرى
الباحث الاقتصادي، أحمد أبو زعيتر، بأن دول القمة الإسلامية المصغرة (تركيا، ماليزيا، إيران، قطر) مضافا
إليها باكستان وإندونيسيا تمتلك عوامل قوة تجعلها قادرة على صناعة نظام مالي خاص
بها، تنفذ من خلاله المعاملات التجارية البينية.
وفي حديثه
لـ"عربي21"، استدل أبو زعيتر بعناصر تمتلكها هذه الدول وتجعل منها "قوة
عسكرية واقتصادية"، موضحا بأن "دول القمة تشكل قوة بشرية هائلة بعدد سكان
يتجاوز 500 مليون نسمة، ودولتي قطر وإيران تعدان من مصادر الطاقة المهمة، والقوة
العسكرية في هذا التحالف تمثله تركيا عضو الناتو وباكستان النووية".
ولفت الباحث
الاقتصادي إلى أن "عدد السكان المرتفع للدول المشاركة بهذا التحالف يُمكن من زيادة
الطلب داخل هذه الاقتصاديات".
آليات التبادل
التجاري
وفند أبو زعيتر ما
طرحه رئيس الوزراء الماليزي من آليات للتبادل التجاري، موضحا بأن "نظام
المقايضة هو نظام جامد غير مرن، ولا يصلح لتلبية احتياجات هذه الدول".
وأضاف بان "لجوء
هذه الدول إلى استخدام الذهب وهو من المعادن النادرة لن يساعد أيضا في تحقيق تبادل
تجاري بينها".
واعتبر بأن الخيار
المتاح هو "استخدام العملات المحلية"، مؤكدا أنه في حال اعتماده "سيكون
عاملا مؤثر في هذه التجربة، لا سيما أن الهدف منه هو التخلص من هيمنة الدولار
الأمريكي، وما ينجم عنه من تنمر للولايات المتحدة على هذه الدول".
وأضاف: "إذا
ما تحررت هذه الدول من عبء الدولار عبر استخدام آليات أخرى ربما يكون من ضمنها
العملات الرقمية مثل البيتكوين أو عملات تسعى تركيا لتشكيلها، أو عملات أخرى تنتج
مستقبلا، فستكون التجربة ناجحة وستخرج هذه الدول من دائرة السيطرة الأمريكية".
وألمح إلى أن
تطبيق هذا التبادل التجاري صعب، لأن هذه الدول ستجد مقاومة عنيفة جدا من الولايات
المتحدة وحلفائها، للتصدي لهذا النظام.
شروط نجاح
ويعتبر أبو زعيتر
إمكانية تحقق هذا النظام في التبادل التجاري مرهون بـ"الرغبة والقدرة
والشجاعة على تنفيذ هذا الأمر"، منوها بأن "باكستان قبل أن تخطو خطوة
تجاه التحالف تعرضت لضغوطات من جهات لها تأثير على اقتصادها فتراجعت".
وأكد على وجوب
تحقيق شرط الاكتفاء الذاتي في مصادر الطاقة والسلاح والغذاء والدواء، لتتمكن هذه الدول من الاستمرار
في هذا التحالف.
اقرأ أيضا: قمة كوالالمبور: خطوة في الاتجاه الصحيح
ولفت الباحث
الاقتصادي إلى أن "جهدا كبيرا تحتاجه الدول من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في
كل المجالات وهذا ليس سهلا، ولا بد من تضحيات كبيرة في سبيل ذلك، الأمر يحتاج إلى
أجيال ونشر ثقافة ووعي كامل بذلك".
تحريك مياه راكدة
من جانبه، وصف الباحث الاقتصادي، أحمد مصبح، الخطوة بالمهمة والمتأخرة، مضيفا بأنها محاولة "تحريك للمياه الراكدة في محاولة لتقليل هيمنة أمريكا بواسطة الدولار على اقتصاد العالم".
وخلال حديثه
لـ"عربي21"، استعرض الأرقام الدالة على هيمنة الدولار العالمية قائلا:
"90 بالمئة من المعاملات التجارية حول العالم تجري بالدولار، و70 بالمئة من
احتياطات العملات الأجنبية لدى دول العالم بالدولار، وديون الدول معظمها بالدولار".
وأوضح أن المعيق
الأكبر لهذه الخطوة هو "الهيمنة الأمريكية على اقتصاديات الدول الناشئة
والنامية ومنها الدول الإسلامية، من خلال سيطرتها على مؤسسات دولية تدير الاقتصاد
العالمي مثل منظمة التجارة الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي".
ويعتقد بأن ما
أعلنه مهاتير محمد قد "يلقى استجابة وتعاون من قبل دول منافسة للولايات
المتحدة كالصين وروسيا".
وأشار إلى أن
الواقع يدل على أن حجم التجارة بين هذه البلدان المشاركة في القمة غير مؤثر في
اقتصادياتها، وفي المقابل تحتفظ بعلاقات تجارية قوية مع حلفاء واشنطن، فتركيا شريك
تجاري أساسي مع دول الاتحاد الأوروبي، وماليزيا شريك مع دولتي كوريا الجنوبية
واليابان.
اقرأ أيضا: أردوغان يتهم الرياض بالضغط على دول لعرقلة قمة كوالالمبور
ويعتقد الباحث
الاقتصادي بأن تطبيق الإعلان بحاجة إلى "أرضية
وبنية تحتية لكي يتم التعامل بالعملات المحلية في التجارة البينية بين الدول، ولتجاوز
الكثير من المعيقات الموضوعة أمامه".
ويرى بأن "
الحديث عن تكتل بين هذه الدول يوجب أيضا رفع الحدود الجمركية، وتسهيل التبادل
التجاري بينها، لكن ذلك لن يكون بهذه السهولة التي يسوق لها إعلاميا".
ومن بين التهديدات
التي تعيق الاستمرار في هذا التحالف "عدم امتلاك دوله مساحة تسمح لها
بالتأثير في الساحة الإقليمية والدولية، فدولة مثل قطر تتحرك في نطاق مساحة محددة في
السياسة الدولية، وشاهدنا باكستان بكل ما تملكه من قوة اعتذر رئيس وزرائها عن
الحضور، مع أن هذه الضغوطات قادمة من دول عربية وليست من أمريكا أو الاتحاد
الأوروبي".
حل الخلافات
ويرى مصبح بأن الحديث عن صناعة تكتل إسلامي هو حديث متقدم بخطوة، إذ يجب أن يُسبق بحل الخلافات المتشعبة بين الدول الإسلامية.
ويتحدث الباحث
الاقتصادي عن مشكلة "الزعامة" في العالم الإسلامي قائلا "السعودية
تنظر لنفسها كزعيمة ومصر كذلك، وغياب هذه الدول عن القمة جعلهم في صف المعرقل لها،
فيما تركيا غير راضية عن أدوار هذه الدول تجاه القضايا الإسلامية".
ويعتبر بأن "انضمام
إيران للتكتل أعطى إشارة سلبية عليه، لأنها منبوذة من دول العالم، ومن دول في
العالم العربي والإسلامي، كونها طرف في المشكلات الدائرة بالمنطقة".
ويشير إلى أن
"إيران تهدف من التحالف إلى تحقيق فائدة اقتصادية تُشكل طوق نجاة لها في ظل
العقوبات المفروضة عليها".
وفي ختام حديثه،
شدد مصبح على ضرورة "حل الخلافات الموجودة بين الدول الإسلامية"، موضحا
بأن تعزيز "التجارة البينية بين الدول الإسلامية سيخلق الكثير من فرص العمل،
وسيحسن من قيمة العملات المحلية والتدفقات النقدية، وبالتالي يجعلها قوة اقتصادية
قادرة على المنافسة في المسرح العالمي".
"قمة كوالالمبور" تكتل إسلامي جديد.. هذا ما تهدف إليه
هل تراجعت مصر عن موقفها من الاتفاقية "الليبية-التركية"؟
ما هي رسائل واشنطن من فرض عقوبات على شخصيات عراقية الآن؟