(1)
أيها الرئيس.. هل نحن
أعداء؟
- إجابتي: لا.
هل نحن أصدقاء؟
- إجابتي: لا.
لكن هناك إجابة بالتأكيد، وإجابتي مسجلة بوضوح في مقالات عدة منشورة داخل
مصر، وهي
أنني لا أعرفك بشكل شخصي، ولا أرغب في معرفتك، فأنت مثل سائق المترو بالنسبة لي،
لا يشغلني اسمك ولا شخصك ولا أخبارك طالما تقوم بعملك بدون مشاكل ومخالفات تعطل
حياتي. أما إذا تسبب تقصيرك في تعطيل حياتي، حينها لا أستطيع أن أكظم غيظي ولا
شتائمي ضدك، وهذا ليس إهانة لشخصك، ولا تحقيرا لك ولعائلتك (أعوذ بالله وبالأخلاق
من ذلك)، ولكن احتجاجا على إهمالك وتعطيلك وتعارضك مع برامج حياتي.
(2)
كتبت هذا في الداخل، وأكتبه
في الخارج، وخصصت مقالا لتوضيح هذا الموقف تجاه اللواء عباس كامل نفسه عندما كان
مديرا لمكتبك، وبعدما صار مديرا للمخابرات. ليست لدي مشكلة ولا حقد ولا رغبة في
مصلحة معكم أو مع أي مسؤول على المستوى الشخصي، مشكلتي عامة وقضيتي عامة، وإذا انحرفتم
فيها عن الدساتير والمبادئ والأخلاق فإنني حريص على الالتزام وعدم الانحراف. فأخلاقي
لي، وأخلاقكم لكم، وهذا لا يعني أي تنازل عن المواقف الحاسمة والحاكمة ضد الإدارة
الفاسدة القامعة، لكن لماذا أكتب هذا الكلام الآن؟
سأحكي:
(3)
أيها الرئيس..
منذ أيام التقيت بالصدفة
اللطيفة قياديا في المعارضة، بيننا مودة واحترام عميق لكننا لم نلتق منذ فترة
طويلة بسبب اعتكافي الإرادي معظم الوقت في بيت ريفي بجبال آسيا على مسافة بعيدة من
إسطنبول، فلا أنزل المدينة إلى للضرورات الملزمة. وبعد تبادل التحية والأشواق
والسؤال عن الصحة وأسباب الابتعاد، سألني المعارض الطيب عن سر
الرسائل التي أوجهها
لسيادتك؟ وهل هي مدخل لتحسين العلاقة وترتيب صفقة لعودتي إلى مصر؟ ولما سألت
المعارض الصريح بهدوئي البارد: هل استشعرت ذلك من الرسائل أم من معلومات خارجها؟
قال: من لغة التفخيم..
أصلها وصلت إنك كتبت "فخامة الرئيس" وحاجات ما كنتش بتكتبها قبل كده.
(4)
سألت القيادي المعارض: هل
قرأت الرسائل فعلا؟
قال: طبعا.
قلت: هل فهمت حقا أنها
"رسائل تهدئة" ومقدمة صفقة للاعتذار والانضواء؟
تباطأ في الرد قليلا، ثم
قال: استغربت بس وحبيت أعرف، خاصة إنك في الفترة الأخيرة تعبر عن ضيقك بالأوضاع في
الخارج وترغب بشدة في العودة لمصر.
(5)
كان وقت "لقاء الصدفة"
قصيرا بما لا يسمح بنقاش موسع، وكان حبل البال قصيرا أيضا بما لا يسمح بإعادة كل
ما نكتب إلى من يقرأ ما في دماغه، ولا يقرأ ما أكتب، وإذا قرأه فإنه لا يضعه في
مربع الخطاب الصادق، بل في ساحة الكلام المراوغ الذي نلعب به ونغيره كما يغير
مصطفى بكري وعمرو أديب عبارات التعامل حسب مقاس الزبون، وحسب طلبات المرحلة. لهذا
رأيت أن أوضح بعض الأمور مجددا في هذا المقال، وأردت على سبيل العدل أن أقول لك من
أكون يا سيادة الرئيس، فإذا كنت أراك مجرد موظف عام كسائق المترو، فمن حقك أن تعرف
من أكون.
ولنعيد الكلام، فلا ضرر من
التكرار إذا أفاد الشطار..
(6)
بالنسبة لتعبيرات
"فخامة الرئيس" وأي ألقاب للتفخيم، فالمقصود هو عدم الوثوف باهتمام أو
قدسبة عد الألقاب الوظيفية واعتبارها منبهات سماع، كما يسرف الناس في استخدام
ألقاب يا باشا ويا نجم ويا ياباشمهندس وحضرتك، خاصة وأن ظهور المقاول محمد علي
استهلك مفردات الشتائم في تعاملنا مع السلطة، بحيث لم يعد التطاول على الرئيس أو
الحكومة دليل شجاعة أو حجة قوية في المعارضة والاحتجاج. ومن هذا وعلى سبيل التغيير
والتعلم من نصائح المدمنين: لا تسرف في زيادة الجرعات للدرجة التي تقتل بها نفسك
بعد أن تقتل المعنى والمزاج وكل شيء.
فالإفراط كالتفريط، لذلك
كان لا بد من البحث عن لغة موضوعية أكثر تتجنب تحرشات الشتائم التي تناسب المزاج
الشعبي، والبحث عن لغة تلائم طبيعة المتلقي. ولما كانت الرسائل تستهدف مخاطبة
"العقل السلطوي" وكشف خطاياه بأسلوب الخطاب المباشر، فلا ضير أن نراعي
مقتضيات المقام في المقال. فالنائب المعارض في أي برلمان في العالم يمكن أن يتحدث
بمقدمات بروتوكولية لاحترام رئيس الجلسة، ثم ينتقد الجميع ويصب اللعنات على
الجميع، وبالتالي فإن اللغة المحترمة ليست بالضرورة لغة خانعة أو منسحقة. بالعكس،
إذا اجتمع الاحترام الإنساني في الخطاب العام مع "قوة الموقف" فإن ذلك
قد يلائم توسيع مساحات الموضوعية وينتصر لتوضيح طبيعة الصراع بعيدا عن
"خناقات الشوارع"، فلا ضير من تنويع الأسلحة على جبهة واحدة.
(7)
إلى السيد الرئيس والسيد
القيادي المعارض وكل من يهمه الأمر..
- أنا إنسان حالم بما أحبه لنفسي
وللناس، ولن أبيع ذلك بأي مكسب واقعي عاجل يتعارض مع أحلامي، فإذا لم يكن تحقيق أحلامي
ممكنا في حياتي، فإنني سأموت عليها ولن أرضى بغيرها، لذلك على المكيافيللين
وسماسرة الصفقات أن يريحوا أدمغتهم مني.
(8)
السيد الرئيس..
إذا كنت أراك مجرد سائق
مترو، فمن حقك أن تعرف من أكون؟
أنا الراكب، وما التذكرة
التي اشتريها إلا عقد للخدمة، لا يحق لك تغيير الطريق ولا تعطيل وجهتي، ولا إملاء
وجهة نظرك في مساري، ولا تقييد حريتي، طالما التزم بقواعد الأمان والسلامة العامة
المنصوص عليها والمعروفة في العالم كله. ومن هذا المثال البسيط يمكن أن نصحح العلاقة
التي تلوثت بميراث الحكم الاستبدادي المملوكي، والاستمرار الهمجي تحت شعار
"الحكم لمن غلب" برغم تطور صيغة الحكم في أنحاء العالم المتقدم حولنا،
ولن أقفز على استبدال الشعار القديم بشعار جديد مثل "الحكم لمن عدل"؛
لأنني لا أرغب في تفريغ الحياة من جوهرها وتحويلها إلى شعارات كلامية خادعة، لذلك
سأقتحم في رسالتي المقبلة جوهر المشكلة التي تعطل وتشوه "تذكرة المترو"
التي تنظم العلاقة بين السائق والراكب، وتستحضر خيمنة وقدسية لا مكان لها في
الواقع المسالم العاقل، فالعلاة ليست علاقة عداء وليست علاقة انضواء، ليست حرب وليست
صداقة، ليست خصاما وليست صفقة، ليست شتيمة أو نفاقا، كما أن الرسائل التي أكتبها
ليست لك وفقط أيها الرئيس.. إنها رسائل للتاريخ، رسائل لأجيال من حقها أن تفهم
المأزق الذي يتكرر في دوران مفرغ، حتى يتمنكنوا من تعديل علاقتهم المختلة مع
السلطة.
هذه الرسائل في جوهرها لا
تغرق في اللحظة لتعيد إنتاج العراك العبثي البائس، لكنها تعتمد على التلقي العاقل
لتكوين قوة عاقلة قادرة على الخروج من المستنقع والاكتفاء بلذة التراشق بالوحل
والأوساخ، وتحويل القضية إلى "داحس وغبراء معاصرة". لا بد من التجاوز
بعيدا عن تربصات المتوجسين، وتصورات أن المعارض لا بد أن يشتم بالضرورة، فقد
اكتفيت من الشتائم، فهي فرض كفاية وليست "فرض عين". وبما أن الساحة بها
وفرة من الشتامين، فلماذا لا نبحث عن وظيفة جديدة تجنبا للتكرار المضر، أما إذا
كان ذلك مقدمة لضعف أو تخاذل أو اعتذار أو رغبة في التسليم، فإنني أقول لك
وللقيادي المعارض وللمتوجسين في كل من لا ينحو نحوهم: بيني وبينك المستقبل، بيني
وبينك التاريخ، أنا وأنت والزمن يا أيها الرئيس، وكل من يشبهك في السلوك والأخلاق والسياسات
حتى لو اختلفت الألقاب والصفات المؤقتة بين "دولتجي ومعارض".. فما أكثر
الفيروسات التي تشبهك بين المعارضين أيها الرئيس. وكما أسلفت لستم أعدائي، ولستم
أصدقائي، لكم ألقابكم وصفاتكم وبيننا المعايير والقواعد التي لا تعترف بقداسة ولا
تسمح بخداع.
والرسائل مستمرة.
tamahi@hotmail.com