مرت الذكرى الثانية والسبعين لتقسيم
فلسطين (29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947م) دون اهتمام عربي أو ذكر يناسبها في إعلامنا؛ الذي بات مشبعا ببث معاني الانبطاح والتفريط في كامل التراب الفلسطيني، وتمرير صفقة القرن تزلفا لرضا الصهاينة.
إن إسقاط المناسبات الوطنية والتاريخية المهمة من ذاكرة الشعوب يعني إسقاطا لذاكرتها وعبثا بتاريخها، وذلك لا يحدث إلا في دنيا العرب.
وقد اعتمد الصهاينة في فرض مشروعهم الاستعماري على إحياء ذكريات ومناسبات معظمها كاذب، وإحاطتها بهالة إعلامية ضخمة. وما من معلم في فلسطين إلا وتم تغيير اسمه بأسماء يهودية وربطه بمناسبات وطنية أو دينية لها قدسيتها لديهم، وذلك كله يصب في صناعة ذاكرة وتاريخ.
ومثلما كان النظام العربي الفاسد غير متحمس للاعتراض على قرار الأمم المتحدة (181) الصادر قبل اثنتين وسبعين عاما (1947م) بتقسيم أرض فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، فإن ذلك النظام ما زال (للأسف) على نفس فساده، بل تحول إلى طوق حارس لهذا الكيان وداعم له ومشجع على تمدده والتهامه لما تبقى من فلسطين. والحال اليوم أبقى من المقال! وقد تحولت جيوش معظم دول النظام العربي إلى عصا غليظة لقمع شعوبها إن تحركت في مواجهة جرائم الصهاينة ودعما للكفاح الفلسطيني المشروع.
ومن المضحك (وشر البلية ما يضحك) أن الأمم المتحدة بعد أن نفذت جريمتها بتقسيم فلسطين، أعلنت عام 1977م اعتبار يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر (نفس تاريخ
التقسيم) يوما دوليا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته بهذه المناسبة قائلا: "نؤكد من جديد، ونحن نحتفل بهذا اليوم الدولي للتضامن، التزامنا بالتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني، فالأمم المتحدة لن تتزحزح في التزامها تجاه الشعب الفلسطيني".. فأي استخفاف بالعقول وأي ضحك علي الذقون، وأي تناقض ذلك؟!.. قرار يهدر حقوق الشعب الفلسطيني ويقرر إقامة دولة للكيان الصهيوني على أرضهم، ثم بعد ثلاثين عاما يصدر قرار آخر من نفس الجهة يؤكد على تمسك الأمم المتحدة بحقوق الشعب الفلسطيني!!
وإمعانا في الاستخفاف بالعقول قررت الأمم المتحدة عام 2015م رفع العلم الفلسطيني أمام مقرات ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم، وقد أقيمت في مقر الأمم المتحدة بنيويورك يوم 30 أيلول/ سبتمبر عام 2015م مراسم رفع علم دولة فلسطين بصفة مراقب غير عضو في المنظمة الدولية، فهل رفع الأعلام يعيد الأرض السليبة؟ وأي قيمة لعلم يتم رفعه في كل بقاع الأرض مرفرفا في عنان السماء في غياب الأرض والدولة التي يمثلها؟! إنه النفاق الدولي في أبشع صوره.
في التحليل الأخير.. سيظل ذلك القرار محفورا في التاريخ كجريمة أممية زرعت كيانا سرطانيا في قلب وطن مغتصب، وستظل تلك الجريمة شاهدة على العنصرية الدولية وظلمها، وفي نفس الوقت شاهدة على انبطاح النظام العربي عند أعتاب المشروع الصهيوني ومشاركته (مشاركة أصيلة) في تلك الجريمة التاريخية.
لكن إن كان ذلك يشعر الأحرار في العالم العربي والإسلامي وفي كل مكان بحالة من الإحباط، فإن ما يفتح أبواب الأمل ويثلج صدور الأحرار؛ ذلك الإصرار الفلسطيني على الكفاح علي مدى أكثر من سبعة عقود ودون توقف، وتطوره حتى بات للشعب الفلسطيني مقاومة تزلزل المحتل وتبدع في مواجهة عربدته نظرية "توازن الرعب"، محققة بإمكاناتها المحلية انتصارا تلو انتصار بما أذهل العدو نفسه.
كما أن التفاف الشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم حول تلك
المقاومة أضاف لها دعما معنويا وسياسيا؛ جعلها تمضي في طريقها بكل جسارة نحو تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب وعاصمتهىا القدس الشريف.
وبعد..
تبقى مهمة إحياء المناسبات الوطنية والأيام التاريخية لفلسطين ملقاة على عاتق فصائل المقاومة إحياء للذاكرة الفلسطينية، بما فيها من آلام وآمال ومذابح وانتصارات، إحياء للقضية وإبقاء جذوتها مشتعلة دون انطفاء.