بحكم الانتماء السياسي فالشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي كان ليبراليا وفديا. وبحكم المهنة والرسالة كان عالما أزهريا. وبحكم النشاط العام كان عضوا في الإخوان في بداية عهدها وكتب البيان الأول للجماعة. رحم الله زمانا كان الأزهري يمارس فيه النشاط السياسي ويدعو إلى الله على بصيرة ويؤسس جمعيات مجتمع مدني.
ليس دفاعا عن الشيخ الشعراوي
لا تهدف هذه المقالة للدفاع عن الشيخ الشعراوي في وجه حملة مفتعلة تدخل في باب اللغو أكثر ما تتعلق برأي في شخص أو تقييم مواقف. إنما نهدف هنا لإلقاء الضوء على جوانب في الشخصية المصرية والعربية كانت حاضرة في القرن المنصرم ولا يراد لها أن ترى النور هذه الأيام.
يأتي الهجوم، غير الجديد، على الشيخ الشعراوي في الذكرى المئوية لثورة 1919، وهي ثورة لم تجد من يؤرخ لها بأمانة حتى الآن. بل إنها دخلت نفق التزوير والتزييف ضمن الحملة التي شنت ولا تزال مستمرة ضد كل ما سبق عام 1952 وأبرز الأمثلة على ذلك أنك لن تجد سوى تسجيلات شحيحة جدا لمصطفى النحاس باشا. والرجل كان ملء السمع والبصر وخطبه موجودة لدى الإذاعة المصرية. ونحن هنا لا نتحدث عن الملك فاروق الذي تم نفيه، ولكن عن رئيس وزراء عاش حتى عام 1965.
أحد أوجه الجوانب الهامة في ثورة 1919 هي علاقتها مع الدين. فالبعض يريد أن يعتبرها النموذج المعادي للدين والشريعة في الحياة العامة، رغم أن رموزها هم من أصلوا لفكرة تقنين الشريعة على يد الفقيه الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا الذي أسس القانون المدني في كثير من الدول العربية مثل مصر والعراق وسوريا والكويت وغيرها من الدول. كما أن زعيما مسيحيا مثل مكرم عبيد باشا حفظ القرآن الكريم أثناء فترة نفيه بعد الثورة برفقة سعد باشا زغلول وغيره من زعماء الثورة، وهو الشخص الوحيد الذي سار في جنازة حسن البنا متحديا كل الإجراءات الأمنية.
أحد أوجه الجوانب الهامة في ثورة 1919 هي علاقتها مع الدين. فالبعض يريد أن يعتبرها النموذج المعادي للدين والشريعة في الحياة العامة، رغم أن رموزها هم من أصلوا لفكرة تقنين الشريعة
سياسي قديم
كان الشيخ كسياسي قديم محنك يعرف معنى السياسة ومتى يشارك فيها ومتى يبتعد ومتى يخاطب الحاكم ومتى يسكت. كان الشعراوي أكثر شعبية ولا يزال من كل من حكموا مصر، ولو أراد أن يحرك الحشود في الشوارع لحشدها. لكنه في الوقت نفسه لم يكن مهادنا للسلطة ولم يعاديها، بل حافظ على مسافة معها. كان يعرف بحسه السياسي الدور الوظيفي التخصصي للدعاية والدور التخصصي للسياسي. وحين وضعته الظروف في مواجهة مع السلطة أثناء السادات بسبب قانون الأحوال الشخصية أو مع مبارك على الهواء، لم يتردد في قول الحق جهارا نهارا. وربما لو كان هناك مناخ سياسي أكثر انفتاحا لكان الشيخ أحد المنظرين السياسيين الكبار بجانب نشاطه الدعوي.
ورغم ذلك لم يسلم من السلطة ولا من الجهلاء. هذه السلطة التي حاولت مرارا أثناء حياته تمرير بلاغات كيدية ضده وغض الطرف عن هجوم انطلق من أبواق محسوبة عليها في وسائل إعلام حكومية. ونجا الشيخ بفضل الله من كل هذه الفخاخ المعدة بعناية.
لم يمثل الشعراوي أي سلطة دينية ولم يقدم أية فتاوى سوى بعض الآراء في مقابلات نادرة. كان يقدم خواطر يعبر فيها عن رأيه الديني. وككل البشر له ما له وعليه ما عليه، لكنه كان تجسيدا لأحد رموز الحقبة والسياسة الليبرالية.
لماذا يكره الطغاة دراسات الجدوى؟
مصر.. حينما يكون الحاكم مُفرطًا في مقدرات الوطن!