اشتعلت الأماني والأحلام لدى كثير من
المصريين بقرب التخلص من نظام عبد الفتاح
السيسي الانقلابي؛ وذلك عقب نجاح مظاهرات 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، التي دعا إليها الفنان والمقاول محمد علي من خارج مصر. فقد اجتذبت دعوته مئات المصريين للتظاهر مجددا ضد بطش النظام الظالم؛ وظن كثير من المقاومين للنظام أن سقوطه صار أمرا وشيكا؛ تفصلهم عنه مجرد ساعات من الزمان فحسب.
وفي الغربة صار بعض قادة المقاومين يؤكد أن هذه المرة مختلفة عن كل مرة، فتم مد حبال الآمال إلى أقصى مدى؛ ولم يكن ذلك التأكيد إلا إيذانا بقطع حبال التوقع الحسن نفسها خانقة المتمنين بقرب زوال الكابوس الذي لف مصر كلها منذ 3 تموز/ يوليو 2013م. ووصل الأمر ببعض هؤلاء القادة إلى أن عقدوا ورشا للعمل والعصف الذهني حول كيفية الوصول إلى أقصى قدر من الاستفادة من ظاهرة محمد علي، دون وقوع مزيد من الأضرار عليهم، بل إنهم استفتوا قانونيين في وضعهم عقب زوال الانقلاب، ولو بانقلاب آخر، ووصلوا إلى أن المدرجين على قوائم الانتظار والترقب في المطارات المصرية يمكنهم "النزول" لوطنهم دون معاناة تذكر.
وأفتى القانونيون بأن أولئك المدرجين على قوائم القضايا الملفقة من مقاومي الانقلاب لن يستطيعوا النزول لمصر من مهاجرهم؛ إلا بعد رفع قضايا لإسقاط القضايا الملفقة عنهم؛ فيما ذهب آخرون إلى أن فصيلا ثوريا مصريا بارزا نال تأكيدات بعودته بسلام، شريطة ألا يشارك في تظاهرات 20 أيلول/ سبتمبر وما يليها.
وفي المقابل وحتى أيام قليلة ماضية، لم يقتنع بعضهم بالنتيجة التي وصل إليها محمد علي حتى الآن، بل انبرى بعض المحللين والصحفيين للتأكيد أن النظام المصري الحالي كان في أقصى حالات ضعفه يوم الجمعة المشهود من أيلول/ سبتمبر الماضي، وأن المتظاهرين لو استطاعوا التوسع في حراكهم ليشمل جميع المحافظات والميادين لسقط النظام عن بكرة أبيه يومها!
ووصل الأمر إلى أن أحد المسجونين على ذمة قضية سياسية، نال عنها حكما جائرا وظالما بالإعدام طلب من والدته، بحسب القصة التي تناقلها ثقات، أن تعد له الأكلة التي يفضلها ويحبها عن غيرها "حلة محشي". ومن البديهي أن ارتفاع سقف الآمال إلى هذا الحد المفرط، بل استمرار هذه الآمال وتماديها حتى اليوم والندم على فوات فرصة ثمينة، بحسب البعض، فإنما يصب كل ذلك في إطار ونطاق حرب تخذيل نفسية شديدة التأثير على كل مقاوم حر، وإنه عقب انتشار الإحساس بقرب انقضاء وتفريج الأزمة ينتاب الكثيرين شعور بالإحباط وخيبة الأمل لا حدود لهما.
وللحقيقة، فإنه منذ بدايات تموز/ يوليو 2013م وحتى أيلول/ سبتمبر الماضي/ قد تعددت أسباب وسيناريوهات استدعاء حل الأزمة المصرية الملتهبة مرات كثيرة، وتدخل في الأمر إعلاميون ومحللون وسياسيون مرات عدة، وأفضت التوقعات كلها وأدت إلى خيبة ظن ومزيد من الهموم، تراكمت كل مرة حتى لتصنع شعورا هائلا بالإحباط في نفس كثيرين من مقاومي الانقلاب. فبداية من ترديد مقولات كثيرة عن أن الداخلية والجيش لن يستطيعا فض اعتصام رابعة العدوية وميدان النهضة، ومن قبلها أن الجيش الثاني الميداني انقلب على السيسي، ومن بعدها أن الأخير وافاه الأجل المحتوم عقب إطلاق نيران في تشرين الأول/ أكتوبر 2013م، وصولا إلى أن جناحا في الدولة ضاق ذرعا بالسيسي فأخرج المتظاهرين ضده في أيلول/ سبتمبر الماضي تمهيدا لانقلاب على الانقلاب.
أقاويل رددها المقاومون للانقلاب، ومر أكثرها لأعلى مستوى، وصولا لحل عاجل وفوري للانشقاق الذي تحياه مصر، واستضعاف طرف من شرفائها ومخلصيها عبر القتل والإصابة والتهجير.. انتشرت هذه الأقاويل، وصلنا إلى حالة محمد علي وطوفان الأماني، ومع الأخير تم استحداث حالة من التباكي على الفرصة التي كانت "سانحة" لولا أن "الشعب المصري" لم ينتبه لها.
والحالات المتعددة السابقة لثورة مصرية ناجحة ضد نظام السيسي، بمقدمات ودلائل أحيانا تكون عبارة عن "مصادر خاصة" لا يعرف بها إلا قائلوها. ومع عدم مهنية الطرح الذي يعتمد على مرجعية لا يعرف بها إلا كاتبها أو مدعيها؛ إلا أن البعض لطالما أصر وتوهم وزاد وأبحر في الأوهام حتى ليكتب بعضهم دون أن يرف لهم جفن: "حاسبوني إن لم تثبت الأيام صحة كلامي". ولم تُثبت الأيام صحة كلمات كثيرين ولم يحاسبهم للأسف (ولو معنويا) أحد.
وما سبق كله يفضي ويوصل إلى أمرين؛ أولهما أن الأماني والأحلام بل الأوهام لن تغني من الواقع شيئا، وإن النظام الانقلابي الذي يجد سندا داخليا له من الدولة العميقة وخارجيا من أطراف إقليمية ودولية؛ لن يسقط بتخيلات مقاوميه، بل بنفضهم حالة السبات والركون وحالة اللافعل الحالية؛ والتشمير عن ساعد العمل الجاد المضني، ثم التدرج الطبيعي للوصول إلى نتيجة، مع الأخذ بالحيطة والمكر والخداع ما تطلب الأمر واستلزم ذلك.
أما الأمر الآخر، فإن
الثورة المصرية صار رأسها (المفترض أن يكون قيادة واعية نزيهة تحسن التفكير والتخطيط ولمّ الشمل)، صار الرأس عبارة عن كتلة تزداد رسوخا وتضخما من كلمات تفاؤل مكتوبة ومُذاعة تثور كل فترة زمانية متقاربة باحثة عن مبررات وأسباب وأحداث لمخطط تم افتراضه في الخيال؛ ثم أسقط على الواقع بناء على شواهد بسيطة تمثل درجات ليلة الارتفاع في سلم متصاعد نحو نهاية الانقلاب، لكن تصاعده يستلزم كثيرا من الوقت والصبر والاستجابة للضغوط، بل تحديها.
ويبقى أن ظاهرة محمد علي وأقواله وفيديوهاته تمثل جزء من الطريق الصاعد نحو نهاية الانقلاب، لا ذروة سنامه ونهايته، كما يظن بعض الإعلاميين البارزين، وأن علينا النظر في أسباب نجاح محمد علي في تحريك الشارع لاستثمارها ضمن منظومة تستغرق جميع المقاومين، لا تقصيهم عن المشهد وتسمح لغيرهم بقيادته ثم يحصدون الثمار من بعده!