إن ما يجري في لبنان والعراق صرخة قوية ضد الأوضاع المختلّة التي نشأت عن تقسيم المجتمعات إلى طوائف وفِرق يتغنى كل حزب بما لديه من شعارات تدغدغ مشاعر البسطاء وتلهيهم عن مصالحهم الحقيقية في حياة كريمة عزيزة..
إن ما يجري في لبنان والعراق صرخة قوية ضد الأوضاع المختلّة التي نشأت عن تقسيم المجتمعات إلى طوائف وفِرق يتغنى كل حزب بما لديه من شعارات تدغدغ مشاعر البسطاء وتلهيهم عن مصالحهم الحقيقية في حياة كريمة عزيزة..
في كل بلاد العرب والمسلمين تم سوق الأفكار والإيديولوجيا المعلبة للناس وهي في حقيقة الأمر لم تكن من أجل الناس ومصالحهم بل من أجل مصلحة فئة أنانية ترى في الناس رعية غنم عاجزة عن التفكير في مصالحها فكان كل شيء يتم بالنيابة عن الشعب والناس.. وفي صورة مزرية يتم مصادرة حق الناس في قول نعم أو لا.. وتنشأ هيئات ومؤسسات مهمتها فقط تزييف وعي الناس وتزييف مواقفهم.. وكثيرا ما حملت هذه الأفكار مع فوهات البنادق ومليشيا القتل وهذا في سبيل تدمير محاولة بناء مجتمع مدني يعيش فيه الناس جميعا بشتى اختلافاتهم العرقية والمذهبية والجهوية بأمن وسلام.. ولا يمكن أن نتجاهل يد الدوائر الاستعمارية التي تتحرك بيقظة وانتباه شديدين لكل تطور ثقافي في مجتمعاتنا تتحسسه وتخترقه وإن لم تنجح فإنها تهجم عليه لتغتاله وتستأصله.
لقد أدخلونا لعبة الديمقراطية حسب المراد لنا منها.. فأصبح كثيرُنا يرى في صندوق الانتخابات على أحسن احتمال أنه هدف وغاية وهذه أمّ الكوارث لأن هذا التفكير يحرمنا من التمعن في أسباب تخلفنا وعجزنا وفقرنا وضنكنا المستمر.. نعم لابد من استشارة الناس في مصالحهم والطريق لتحقيقها وترتيب أولوياتها ولكن الأصح أيضا مناقشة الناس في مواضيع الإصلاح والإعمار.. الأصح حقا هو فتح الباب للتنافس حول مشاريع تنمية مستندة إلى دراسات علمية حقيقية في شتى المجالات العلمية والاقتصادية والصناعية.
كفانا شعارات فتحتَ ظل الشعارات مات أبناؤنا وضاعت فلسطين وتفسخت الأمة.. تحت ظل الشعارات احترقت سورية والعراق ولبنان واليمن وليبيا.. وإن الذين يقسمون الأمة إلى محاور إنما هم يسيرون في فلك المخطط العدواني الذي يستهدف وجود الأمة.. كفانا شعارات ولا نريد زحاما على سجلات الترشح للمناصب، إنما نريد تنافسا حقيقيا للبرامج والمشاريع والرؤى كيف نخرج من حالة الفقر والمرض والتخلف..
سنمر بالتأكيد من هذا البرزخ مهما نزفنا من ثرواتنا وعرقنا وأعمارنا، ولكن من الضرورة أن نختصر المسافات ونقرب البعيد من خلال انطلاق عملية تفكير في مستقبل بلداننا وأبنائنا في ورشات عمل اقتصادية وثقافية وعلمية ليس لها غرض سياسوي إنما غرضها فقط كيف يتم النهوض بالبلد.. فهل أن الأوان لننتقل من حالة الشعارات والتنافس الشخصي إلى تنافس البرامج والخطط؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
(الشروق الجزائرية)